آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-07:24ص

أبو وضاح ..عنوان نضال وسيرة كفاح

الإثنين - 26 يونيو 2023 - الساعة 11:10 م

‫د.علي صالح الخلاقي‬‎
بقلم: ‫د.علي صالح الخلاقي‬‎
- ارشيف الكاتب


أبو وضاح القعيطي..اسم لامع لمناضل جنوبي صلب، وشخصية اجتماعية محبوبة ومؤثرة،عرفته ساحات النضال كواحد من أبرزالنشطاء الجنوبيين الذين وقفوا بثبات وإخلاص متصدرين للنضال السلمي في جميع مراحله..وأحد أبرز المنظمين الفاعلين ميدانياً، ممن أسهموا في إنجاح المليونيات، ثم في دعم الجبهات في عز المواجهات مع قوات الغزو الحوثية-العفاشية حتى تحقيق النصر.
أعترف أن شهادتي في أبي وضاح مجروحة..فهو صديق حميم، بل من أقرب الأصدقاء إلى القلب والروح، وتعود علاقتي به إلى ما قبل أربعة عقود، منذ عز شبابنا مطلع ثمانينات القرن الفارط حينما كنت أقدم حينها برنامج (جيش الشعب) من إذاعة وتلفزيون عدن، وكان هو مغترباً في دولة قطر الشقيق، وفيها جمع بين العمل والدراسة حتى التحق بجامعتها منتظماً في كل التربية وحصل على شهادة البكلاريوس عام 1984م ثم التحق بالشرطة القطرية. وظل حينها لصيقاً بوطنه الذي حمله في قلبه في حله وترحاله. ورغم اغترابه بقي على علاقة مستمرة من خلال زياراته للوطن وكذا تواصله مع الوفود الزائرة والفرق الرياضية التي تمثل جسور التواصل بين المغتربين ووطنهم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حيث كان ضمن من يستقبلهم ويحتفي بهم بحرارة، وظل حلمه العودة لخدمة وطنه والاستقرار النهائي في أحضانه مع الأهل والأحباب.
وكان قَدَره إن عاد مع بداية الوحدة (المغدورة) وحط رحاله في عدن على أمل الاستثمار والاستقرار في الوطن حينما أتيح المجال للرأسمال المحلي ورجال المال بخوض مجالات الاستثمار المختلفة بعد التضييق عليهم أثناء فترة التوجه الاشتراكي، ولأنه شخص مثقف ويدرك قيمة العلم وتقنياته الحديثة فقد اختار الاستثمار في مجال له صلة بحاجة الوطن ومستقبل الأجيال، فأسس أول معهد خاص للكمبيوتر وتعليم اللغة الإنجليزية في العاصمة عدن، بدأ في خور مكسر ثم انتقل إلى كريتر، وأسماه (معهد شمسان للكمبيوتر واللغات)، وتزامن افتتاحه مع ذكرى عيد الثورة 14 اكتوبر 1991م، ثم أفتتح له  فرعاً آخر في المنصورة. وبمبادرة منه، وبدافع روحه الوطنية، قدَّم عند الافتتاح لإدارات محافظة عدن بمختلف الأقسام المالية، الكهرباء، المياه، الضرائب..الخ منحاً دراسية مجانية بمعدل عشر مُنح لكل إدارة لتمكين كوادرها من التعامل مع تقنية الكمبيوتر التي كانت وليدة في الإدارات حينها.
بالطبع كان المعهد والشركة التي تحمل نفس الاسم شراكة مع عدد من زملائه المهاجرين الذين عادوا إلى وطنهم ممن منحوه ثقتهم، ومنهم شقيقي (أبو صالح التاجر) الذي لم يطل به المقام فعاد أدراجه إلى قطر ثانية  بعد حرب اجتياح الجنوب عام 1994م  التي كان من تداعياتها التضييق على المستثمرين الجنوبيين، بل وتعرضوا للابتزاز والنهب لممتلكاتهم، ورغم كل ذلك حاول أبو وضاح الاستمرار بعد انفضاض الشراكة مع زملائه التي أفسدتها تلك الحرب وقضت على طموحاتهم وبددت أملاكهم ورؤوس أموالهم. ورغم ذلك فقد كان عند حسن ظنهم ووفياً لثقتهم به، حيث حرص على إعاد أسهُم شركائه بالوفاء والتمام،على حساب أسهمه، إذ بقي يواجه المشاكل وتبعاتها لوحده حتى الآن.
ثم أنه بقي بدون عمل في ظل الأوضاع التي أفرزتها حرب احتلال الجنوب، رغم امتلاكه لمهارة الكمبيوتر وشهادة جامعية وثقافة عامة تؤهله لأية وظيفة محترمة مقارنة بمن سيطروا على الوظائف ممن اجتاحوا الجنوب وأحالوا الجنوبيين قسراً إلى التقاعد.
وفي معمعان النضال السلمي برز اسم أبو وضاح كواحد من أبرز النشطاء الجنوبيين على وسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً تحريضياً ومعنوياً في تأجيج مشاعر الغضب الجماهيري ضد الاحتلال، ثم كان من القيادات الميدانية النشطة والمتحركة في ساحات النضال ومن العناصر المؤثرة فعلاً، من خلال عضويته في اللجنة الإشرافية العليا لمخيمات الاعتصامات في ساحة الحرية بخور مكسر -عدن، ورئاسته للجنة الخدمات فيها، وهي من أهم اللجان العملية التي كانت توفر للمخيمات المؤن والإمدادات، بدعم غير محدود من المغتربين الجنوبيين في مختلف الدول خاصة في أنمريكا والسعودية والخليج وغيرها.
وبعد انتصار شعبنا على الغزو الثاني عام2015م، الذي كان لأبي وضاح شرف المشاركة في صنعه من موقعه النضالي ودعمه للجبهات بما كان يضخه المغتربون من أموال سُخّرت لشراء أسلحة وتموين الجبهات، حيث كان يحظى بثقة الداعمين من كل بلدان المهجر ممن لن يبخلوا في دعم نضال شعبنا في حراكه السلمي ، ثم في مقاومته للغزاه، وصولاً إلى قيام المجلس الانتقالي الجنوبي..وظل أبو وضاح يناضل بصمت وبنكران ذات، دون أن يبحث عن مغنم أو وظيفة أو منصب رفيع، رغم أحقيته، مقارنة بكثير من المتسلقين الذين كانت مواقف البعض منهم متماهية مع نظام الاحتلال، فسبقوا المناضلين على أبواب المناصب وكراسيها..وكان وما زال حلمه وأمله استعادة الدولة الجنوبية وبناء دولة النظام والقانون.
وقُدّر لأبي وضّاح بعد كل هذه السيرة الوطنية العطرة أن يغادر وطنه من جديد ويعيش تجربة الاغتراب مرة أخرى..ولكن هذه المرة في أقصى الأرض، في الولايات المتحدة الأمريكية، التي غادر إليها عام 2018م، للإقامة والعمل، لكسب لقمة العيش بشرف. لكنه ظل وما زال مخلصاً لوطنه الذي يسكن سويداء قلبه في حله وترحاله، ويعود إليه بين فترة وأخرى، وهناك في مهجره الجديد ظل مشعل نشاط في صفوف الجالية الجنوبية في شيكاغو ومن أبرز الشخصيات التي تحظى بالاحترام والتقدير، لحرصه على وحدة الجاليات الجنوبية وربطها بقضايا الوطن وقضية الشعب التي كان للمغتربين هناك، مع غيرهم من المغتربين، دورٌ سباقٌ ومتقدِّم في تصدر النضال السياسي والوطني في الخارج، ثم في دعم النضال السلمي ومقاومة الاحتلال والغزو في الداخل، وما زال كتلةً من النشاط والحيوية. 
فتحية لأبي وضاح(حسين بن صالح قاسم القعيطي) ولأمثاله تُرفع القبعات..