آخر تحديث :الثلاثاء-30 أبريل 2024-11:22م

المصالحة بين الملهاة والمأساة

السبت - 08 أبريل 2023 - الساعة 05:25 م

علي البكالي
بقلم: علي البكالي
- ارشيف الكاتب


يتسائل البعض عن قراءة المرحلة ومتغيراتها؟ وهل ستنتهي معاناة الشعب ؟

باختصار سترغم كل القوى المحلية على قبول مصالحة شكلية هي جزء من متطلب دولي واقليمي، ولكنها لم ولن تبلغ درجة الضرورة الوطنية لدى كل الأطراف، مصالخة اسمية تكتب في اللافتات والجدران وتعلن في القنوات والصحف، ولكنها  ستجمد الحرب فقط ولن تعالج الأسباب والمسببات، وستحتفظ كل ميليشيا بكيانها وجغرافيا نفوذها في إطار لعبة المصالحة.

هذا اللفيف المتناقض قيميا وسياسيا سيعلق الدولة لتنشأ عوضا عنها سلطة محاصصة طائفية ومناطقية، تحت أي مسمى، وحتما ستكون تحت الوصاية والإملاء الخارجي المتعدد، وتتأثر بمتغيرات الصراع الدولي والاقليمي.

فضلا عن ذلك وفي ظل اللفيف المتناقض ستظل العاصمة والبنك المركزي والجيش ثلاثية ملغزة أشبه بثقوب سوداء أو أسئلة محيرة، حتى وإن تضمنتها أسطر المصالحة، فصنعاء كعاصمة يحكمها الحوثي ومشروعه الإمامي، وعدن لها مشروعها الخاص، وغيرهما من المحافظات يعني دولة ثالثة ورابعة!

أما البنك المركزي فمن السهل توحيده ولكن من الصعب التحكم فيه كمؤسسة وطنية مركزية تديرها الدولة، بل سيخضع كغيره للمحاصصة وتقاسم الدخل.

أما جيش وأمن الدولة فسيظل لغزا محيرا غير قابل للإجابة، وقد تستعير سلطة اللفيف من أطراف التناقض بعض أدواته، ولكن ذلك لن يحقق الأمن والاستقرار العام، ببساطة لأن  الوحدات العسكرية والأمنية لا تمثل الدولة اليمنية الواحدة بقدر ما تمثل كياناتها وطوائفها.

هذه المصالحة في الحقيقية لن تسمح بعودة الدولة، ولن تنهي التفكك السياسي والاجتماعي، ولا مظاهر الملشنة، كما أنها لن تحقق الاستقرار والرخاء، بقدر ما ستجمد الحرب والمواجهة مرحليا تلبية للمتغيرات الخارجية.

إنها ليست مصالحة حقيقية، بل ملهاة موسمية لا أدرية، أشبه بفرقة رقص وسط الظلام في حقل ملغوم، ومن ثم فهي ليست حل، وإنما لغم كبير للتفجير الجذري.

صحيح أننا نطالب منذ سنوات بإيقاف الحرب وعودة الدولة، ولكن بشروطها الموضوعية والقانونية التي تكفل إختفاء كل مظاهر الملشنة والتطييف، طبقا للقرارات الدولية، بحيث تنسحب الميليشيا من المدن والقرى وتسلم السلاح وتدمج أو تسرح الجماعات المسلحة، ويعاد تأهيلها كجيش لليمن الواحد، ويحاسب المجرمون والقتلة، وتعاد حقوق الشعب، ويقام القانون وتعود المؤسسات.

أما بهذا الشكل وهذا اللفيف الكرتوني وإن أطلق عليها مصالحة وسلام وغيرها من المصطلحات فليست سوى تخدير مؤقت للانتقال إلى وضع الانفجار العظيم.

مهما كانت الضمانات الخارجية دون عودة الدولة واختفاء الملشنة، وانتهاء مشاريع الإمامة والتشطير، فليست المصالحة سوى ثقب مظلم للانتقال عبره لا إلى المجهول ولكن للحظة الانفجار الكلي.

ستأتي لحظة الانفجار بشكل سريع لأن عوامل وشروط ولادتها قائمة في لفيف المصالحة الشكلية، فكل ميليشيا تبسط نفوذها على جزء من الجغرافيا، وتمتلك كل مقومات الدويلة، ولا ينقصها سوى المشروعية والمصوغ العام، وهو ما ستحققه المصالحة الشكلية في لحظة فشلها، إذ سيصبح كل طرف يملك الاعتراف بسلطته كجزء من اللفيف، وفي ذات الوقت سيحصل على الشرط النفسي المتمثل في تخلق القناعة بفشل المشروع العام.

ستنفجر الحرب مجددا في غضون عامين فقط كإعلان لحظة الفلاش، والأطراف كلها لن يكون لديها من الإرادة والعزيمة لمواصلة الحرب، وستتقبل انفصال بعضها عن بعض بسهولة.

سيذهب كل بما تحت يده، وسيعمل كل طرف لإثبات وجوده ونفوذه المستقل بإعلان نفسه سلطة ومشروعية.

وستصبح الدولة دويلات، واليمن يمنات عدة. وسيتكرر أمام أعيننا وبشكل ساخر عصور الدويلات والطوائف.

سنخوض اللعبة في البدء كملهاة تحت مسمى مصالحة شكلية استجابة للطلب، دون تحقق بالشروط النفسية والزمنية والقانونية، لكننا سنغرق في لجتها وتنفجر بنا سفينة القش، ويا لها من مأساة لا نستطيع تخيل أثارها على الحاضر والمستقبل.

سيحتاج الشعب بعدها لثورات جديدة تكرر ٢٦ سبتمبر و١٤ أكتوبر  ليستعيد ذاته وكيانه من جديد، وقد يستغرق ذلك عمر أجيال.