آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-10:47ص

عدن روح اليمن وروحانية رمضان

الجمعة - 31 مارس 2023 - الساعة 12:00 ص

خالد الصرمي
بقلم: خالد الصرمي
- ارشيف الكاتب


لوهلةٍ إستصعبتُ تقبل فكرة قضاء يومٍ من أيام رمضان المبارك في مدينة عدن لحرارة مناخها وعدم استقراري فيها أو لأني لا بيت لي فيها وأهلي يعيشون في مدينة أخرى. شعور متضارب في خلجاتي ومما لا خلاف فيه أنه من الصعب قضاء رمضان بعيداً عن منزلك وأهلك. ثم تركت الأمر للوقت ليريني حقيقة الأمر.
هنا عدن ثغر اليمن الباسم ، وعروسته الزاهية ، هنا حيث الجمال يكسوها من كل أطرافها ، لا ننكر أنها قد تضررت بفعل الحرب ومزقت جزءً من حلتها البهية ، لكنها وبالرغم من ذلك تبقى مدينتنا الجميلة التي أحببنها ونحبها بأي حالٍ وحلةٍ كانت.
بدأت ريحُ رمضان تفوح وصوت حاديه يصل قبله بأيام فتتزين المدينة لتراها كأنها قديسة، أو زاهدةً من زهاد الله في دينه فتسرج طرقاتها وتُنَار حوافيها " حواريها" وأزقتها بصورة جذابة تجعل الرائي يسبح لله من هذا الجمال . .
على طول الدرب في شارع الملكة أروى بالتحديد سوق "الدرج" ترى المارة يلقون التحايا ،ويتبادلون التهاني ببهجتهم الكبيرة وأرواحهم البسيطة فترى الجار يبادر جاره الشاب بتساؤل " أيش ياصهير قالوا بكرة رمضان بتصوم والا زي كل سنة بتهب له زبادي وتونه" . 
الأطفالُ أيضاً يستقبلونه كالعادة باللعب والسهر في أزقة الحي يشعلون إطارات السيارات ويفجرون الألعاب النارية ووجههم تتسحرُ حينها بالبسمات . 
لقد بدأت الشوارع والأسواق تزدحم وتعج بالنساء ، محلات الأواني والأدوات المنزلية تشتكي زحمتهن حين تراهن يتبادر للذهن أنهن طوال العام يستخدمن المعلبات الفارغة في المطبخ ، أسواق الخضار أيضاً ومحلات البهارات وكل ذلك إستعداداً منهن للشهر الفضيل .
في اليوم الثلاثون من شهر شعبان هذا العام والليلة الاولى من ليالي شهر الخير والغفران وقد أعلن أن الغد هو أول أيام شهر رمضان إرتفعت المأذنُ معلنة عن تراويح الروح  .

في نهار  اليوم الأول من شهر رمضان مررت بشوارع عدن الكبيرة والجميلة ، كلهن مزدانة ومسرورة بهذا الضيف الجميل ، صور كثيره رأيتها توحي بجمال ارواح أبناء هذه المدينة ، رغم اختلاف الأعراق فيها والمناطق إلا أن جمالهم كان لوناً واحداً من التكافل والتعاضد والتراحم . 
مساجدها الكبيرة تزدحم وتعج بالمصلين في الفروض الخمسة من الشباب قبل الشيوخ ، وأصحاب المحلات والحوانييت ، يستوقفك في التراويح صوت الامام في مسجد آبان في كريتر ، وينشرح صدرك حين تصلي خلف إمام مسجد ال  البيت في خور مكسر ، وتطمئن روحك حين تقف مؤتماً في مسجد عثمان هناك في ساحل ابين ،ومابين جامع السلام في جولة القاهرة والعيدروس في الشيخ عثمان تسرح روحك وتهيم في فيضان جمال هذه المدينة. 
ما كنت أظن للحظة أنني أستطيع الصيام فيها في ظل أجواءها الحارة وبعدي عن اهلي وبيتي ، إلا أن الأيام الثمان من رمضان التي قضيتها فيها كانت من أجمل الأيام التي أكاد أن أجزم أنها من أفضل الأيام التي مرت في عمري .

نُبل شبابها ، وكرم أهلها ، ولين جانب أبنائها ، وبساطة الجميع فيها كفيل بأن ينسيك حرارة جوها ، وغياب اهلك ، وبعدك عن بيتك ، لتبقى وصيامك محمولاً مكفول في ظل كرم أبنائها وتبقى عدن روح اليمن الكبير ورمضان له فيها روحانيةً أخرى ..

#خالد_الصرمي