بقلم : فاروق المفلحي
تعود اليوم ذكرى تلك المبادرة الخيرة ، ذكرى التصالح والتسامح ،والتي اعلنت في عام 2006م حيث دعت (جمعية ردفان) الى لقاء هام ، خرج بإعلان التصالح والتسامح الجنوبي ، بحضور العديد من الشخصيات الجنوبية من مختلف مناطق الجنوب.
تعود هذه الذكرى اليوم ، وهي اكثر ثباتاً وتقبلاً ورسوخاً ، ونحمد الله اننا في الجنوب نتمتع بهذه الروح المتسامحة ، ولا تجرنا الاحداث الاليمة مرة اخرى الى مربعات العنف ، رغم كل التربصات ومحاولة تخليق الفتن ما ظهر منها وما بطن .
ومن نافلة القول ان ما وحد شعب الجنوب بهذه الصورة الملهمة، هو الاحساس العميق ، اننا بدون ان نتصالح ونتسامح ستذهب ريحنا ويتمزق صفنا ولن نقوى بعد ذلك على الدفاع عن حريتنا وارضنا . وفي لحظة حاسمة نجت سفينة الوطن من الغرق .
على ان المجلس الانتقالي كحامل وطني اثبت ان التصالح والتسامح يلزمه حالة من التصالح مع المكونات والرموز ايضاً ، ونجحت تلك الحوارات ،وهي اليوم تحقق الهدف المنشود . وتتميز هذه المصالحة الجنوبية انها لم تتخلق كمبادرة في مكاتب الامم المتحدة او الدول الكبرى والتي لا تدخل في عُرس الا ولها قرص .
لا زلت اتذكر تلك المبادرات التي كانت برعاية اممية ومناديب وهم كشاهدي الزور ، فحولهم تدور اكثر من علامة استفهام والشكوك تدور حول صدق نواياهم واخلاصهم ، واثبتت الايام انهم كانوا يحضرون لمشاريع ظاهرها السلام وباطنها الفتنة .
وتذكروا وعودوا الى حوارات ( فندق موفمبيك ) التي دارت ولمدة سنة ولم تكن الا لتمرير مشاريع خبيثة تبينت فيما بعد . وكم اتمنى ان لا تثق الدول العربية في اي مبادرات اممية بل ان تثق بمبادرات عربية فعلى الاقل ان لم تنجح ، فلن تدس لنا السم في الدسم .
على ان هناك من يعجب لصمود مبادرة التصالح والتسامح ! والحقيقة فإن السر في هذا الصمود لهذه المصالحة هو حالة وعي استثنائي وملهم ، توفر لكل الجنوبيين في لحظة مواتية وفي ظروف صعبة ، حيث ان الجنوبيين ادركوا ان عزهم ونصرهم وثباتهم هو في رص صفوفهم وتصالحهم مع بعضهم البعض اما الفتنة والتحاقدات فهي الحالقة .
تذكروا اخوتي ان المسلمين عجزوا عن التصالح وتحييد تاريخهم ، ومحاولة عدم ايقاظ ذاكرة الثأر ، ففتكت بهم العداوات والفتن ، إذ لا زالت واقعة الجمل والصفين ومقتل الحسين في كربلاء تحشد ذاكرتها وتجرد سيوفها للثأر وذلك بعد انقضاء كل هذه القرون . لهذا فقد تمزقت الامة الاسلامية الى شيع تعادي وتتربص ببعضها البعض حتى اليوم .
نبارك لانفسنا هذه المصالحة ونتمنى ان نجعل من هذا اليوم يوم اجازة وطنية في الجنوب ، فما تحقق ذلك اليوم في ردفان كان اعظم حدث في تاريخ الوطن الجنوبي .
واخيرا لا تبعثوا الذاكرة الاليمة من مراقدها باي صورة من الصور ، فهذا يساهم في استعادة الاحزان ، فالتصالح والتسامح يَجُبُ ما قبله ويسدل ستاراً من النسيان الملهم ويضفي على النفوس هدأتها ، وعلينا ان نتعلم ان نسيان الموجعات هو شكل من اشكال الحرية .