آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-11:53م

الى جردان ..رحلة محفوفة بالخطر للوقوف على قصة نجاح ..!

الجمعة - 25 نوفمبر 2022 - الساعة 10:26 م

زبين عطية
بقلم: زبين عطية
- ارشيف الكاتب


  زَبين عطية :

   تشييد( سد الملحق ) في مديرية جردان بمحافظة شبوة يُسجل نموذجاً رائعاً للمبادرات الأهلية والخيرية التي تعكس صورة جميلة عن مجتمع تسوده قيم الأخاء والتعاون والألفة والتماسك والتكافل والتراحم وهي سمات انسانية سامية وعظيمة لا تتصف بها إلا المجتمعات الراقية والناجحة.

"سد الملحق" يحكي لنا قصة نجاح عنوانها الأول "اذا ما وجدت الإرادة لا يبقى شيً صعب " ، وهي النظرية التي تجسدت عمليا في تنفيذ هذه المبادرة .
نعم.. في سنوات خلت كان مسالة وجود سد بهذا الحجم و السعة مجرد حُلم يراود الكبير والصغير من سكان منطقة يثوف والقرى المجاورة لها في جردان، لكن هناك من اعتقد ان تحقيقه مستحيل سيما في الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة ، فضلا عن صعوبة الوصول الى الموقع المناسب للسد نتيجة التضاريس الجبلية الوعرة والذي يتطلب الى إمكانيات مادية هائلة وتعب وجهد لنقل المواد الإنشائية الى قعر السد الذي يفوق عمقه من سطح الجبل مايزيد عن مئتين متر .
ولان معاناة الاهالي تفاقمت في ازمة المياه ويكلف نقلها مبالغ مالية باهظة ،هذه المعاناة ولّدت التفكير الجدي وقرار بحتمية البدء بانشاء السد .
عندما طرحت الفكرة وقتها اعلن فاعل خير عن تبرعه بتقديم مبلغ مالي قدره خمسة واربعين الف ريال سعودي وبادر بتحويل المبلغ الى احد ابناء المنطقة المشهود لهم بالامانة والنزاهة والخير والصلاح وهو طيب الذكر الاخ محمد احمد كعوات بايوسف ، إذ كان هذا المبلغ فاتحة خير لتشجيع الاهالي والدفع بالاخرين الى تقديم المزيد من التبرعات التي انهالت من الداخل والمهجر بسخى من الكرماءو اصحاب الاياد البيضاء ورجال البر والاحسان والتواقين للمتاجرة مع الله ، الأمر الذي شجع على البدء في تنفيذ الاعمال الإنشائية للمشروع ،وقد بلغت قيمة التبرعات نحو مائة وخمسين مليون ريال وهو المبلغ الذي تم إنفاقه لبناء جدران السد الاساسية . 
بعد الانتهاء من ذلك اوصى المهندسون بضرورة وضع  جدار رديف لجدران السد ، الامر الذي دفع  المشرفين على المشروع  فتح باب التبرعات مرة اخرى لإنشاء الرديف ومايزال باب التبرعات مفتوح للمساهمة في استكمال هذا المبادرة الإنسانية والخيرية التي سيستفيد من مشروعها مايقارب عشرة الف نسمة بل سينهي فصولا من المعاناة تجرعوها لعقود من الزمن .
لقد زرت "سد الملحق واطلعت عليه عن قرب في رحلة كانت محفوفة بالمخاطر والمتاعب ،  دونت تفاصيلها في سجل مذكراتي اليومية ..! 
زياتي جاءات تلبية لدعوة عدد من مشائخ ووجاهات المنطقة ، حيث كنت برفقة عضو المجلس المحلي بالمحافظة الشيخ / احمد خميس بن ضباب وفريق هندسي جيولوجي .
فعند نحو الساعة الثامنة صباحا انطلقنا من مدينة عتق بإتجاه جردان وبعد قطع مسافة ستين كيلو متر وصلنا مركز المديرية، وهناك استقبلنا عدد من اعيان منطقة يثوف الذين طلبوا مننا الترجل عن سيارتنا وامتطا سيارتين نوع دفع رباعي ، حيث انطلاقنا عبر طريق ترابية في بطن وادي جردان المكسو بالاشجار الخضراء والمطرزة جوانبه بالمباني الطينية الملتصقة بالجبال المطلة والمتناثرة هنا وهناك . 
ما ان لبث الوقت غير بعيد حتى بدأنا الولوج الى ماتسمى عقبة باراح  قطعنا مسافة تقدر كيلو مترين صعودا في طريق متعرجة ومحفوفة بمخاطر المنحدرات الشديدة.
لما وصلنا سطح الجبل المسمى باراح احسست اننا دلفنا كوكب اخر نظرا لخلوه من اي كائنات بشرية او حيوانية كما بدأ لي وقيل ان بعض الاهالي يهاجر إليه في مواسم الصيف بحثا عن الاجواء المعتدلة .
قطعنا مسافة 10كيلو مترات تقريبا بسطح الجبل حتى وصلنا وجهتنا " موقع سد الملحق " وهناك استقبلنا بعض الاهالي بحفاوة وترحاب .
هذا السد يشبه جرف شديد الميلان يتوسط منحدرات لسلسلة جبلية متوازية تتجمع اليه الامطار والسيول المتدفقه من معظم الشعاب ، حينها طلبوا مني النزول الى السد عبر الدلوا والحبال ،طبعا اعتذرت لان النزول  بهذه الطريقة تعتبر مغامرة خطرة ، لكن اقنعوني انه بالإمكان النزول راجلا "مشيا على الاقدام" كخيار اخر ،إذ وجدت نفسي ملزم بالموافقة ،  انصرفنا وبدأنا بالنزول هرولة كما يقول المثل الشعبي ولكن الطلوع الذي لم احسب حسابه..!
حقيقة كدت افقد حياتي وانا اقطع مسافة طويلة متسلقا ومتشبثا بالصخور والمنحدرات وسط انزلاقات وكبوات متكررة التي اجهدتني بدنيا وذهنيا وبعد اكثر من ساعتين بالتسلق تمكنت من العودة الى سطح الجبل وقد ارتميت منهك القوى والذهن ، كانت عيناي جاحضتان فيما كان صدري يطلق ازيزا ونبضات قلبي تتسارع وانفاسي تلهف ، ولكن الغريب والعجيب ان من كان بصحبتي في رحلة النزول والطلوع بعض الشخصيات من اعيان المنطقة الذين كانوا يتسلقون الصخور والحجارة ( كالوبران ) رغم تقدمهم في السن والبعض من هو اكبر مني باكثر من 25 سنة ولا ادري هل للعسل الجرداني الذي تغرق به منازلهم دور في ذلك ، ام هي خصائص وتركيبة الانسان الجبلي تختلف عن الإنسان الصحراوي ..! 
رجعت من مديرية "جردان "موطن النحل ومنبع العسل وانا منهك القوى خالي الذهن ارتميت على الفراش ولم افارقه لاكثر من ثلاث ايام خلالها مشاهد رحلتي هذه تتكرر في مخيلتي بين حين واخر !

عدت الى عتق ولا احمل معي غير كمية من الصور وثمة انطباع ايجابي عما قام به الاهالي متمثل بإنجاز هذا المشروع الحيوي في موقع كان مستحيل الوصول اليه وكذا في وقت هو الاصعب على اليمنيين تحقيق ابسط الاحلام والامنيات التي يتطلعون تحقيقها .