آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-08:23ص

المؤسس ورجل الدولة..ناصر بن ناصر جبران الجعدني!

الأحد - 16 أكتوبر 2022 - الساعة 04:32 م

حسين السليماني الحنشي
بقلم: حسين السليماني الحنشي
- ارشيف الكاتب


مع صخب الحياة ومتطلباتها ومشاكلها، وضعف البنية التحتية،وقوة وطغيان المشاكل القبلية وشراستها وانتشار القيم المشجعة على الثأرات في نفوس الكثير من الناس، والتنافس على مساحات الارض والرعي والماء مما ساقهم الى تغيير سلوكياتهم إلى اعمال لاتحمد عقباها،
ومع كثرة هذه النزاعات والفتن والحروب التي تعصف بالمجتمع القبلي للمنطقة الوسطى والقبائل المجاورة، ومع تعدد الكوارث الطبيعية ، ومع وجود الأمراض التي يصعب علاجها .
يتساءل المرء ،إلى متى يعيش الإنسان هكذا حياة؟
وهل لهذه المشاكل من نهاية؟ 
وكيف يمكن للإنسان اليعيش في ظل هذه الأوضاع بنفس مطمئنة؟  
وكيف يستطيع أن يتجاوزها ويخرج منها وقد حفظ نفسه وأفراد قبيلته وحافظ على ممتلكاتها، وحافظ على العادات والتقاليد التي تشكل القيم والنظم الاجتماعية؟.
وقام بما عليه من واجبات ! 
وكيف يستطيع الإنسان أن يمنع اليأس والتشاؤم من أن يصل إلى حياته؟
وفي ظل هكذا مشاكل تبرز  الرجال من ذوي الهمم العالية التي لاتعرف التوقف واليأس والتشاؤم ؛بل تسعى للتفاءل وتستبشر بقدوم الفرج وتبدل الأحوال وتغيير الظروف وزوال الغمة وحلول النعمة، رغم ما يحيط بها وما يظهر لها وما ينزل بساحتها وحياتها من مصائب وابتلاءات!
وتظل تبحث تلك الهامات للقوة التي يجب أن تلجأ إليها وتثق بها وتستمد منها العون والمدد في إيجاد الحلول التي يتم فيها تبديل الأحوال وتغيير الظروف!
ومِن خلال السير على الطريق الذي يتعايش معه الرجال المخلصين لتحقيق الاهداف المنشودة.
ومن هنا تبرزت الرجال التي تتوهج منها الطاقات نحو الارتقاء بمستوى الخدمات التي تحلم بتحقيقها على واقع الحياة.
وتكون اهداف ملموسة يتفاعل معها الكثير من الناس.
كانت الشخصية الابرز والاجدر والتي هي تعمل لتحقيق هذا الحلم المستبعد عند الكثير.
كانت في شخص المؤسس الاول:  :ناصر بن ناصر منصور مقبل بن جبران الجعدني.
لسوق الثلوث وبناء البنية المتطلبة لقيام أول سوق بين قبائل آل بالليل التي تشكل اغلب مديرية الوضيع.
ويكون في ارضها وبين اهلها وهي المستفيدة الاولى من قيام هذا السوق.
وهو المؤسس الاول ايضاً لمدينة الوضيع العاصمة،وباني النهضة العمرانية في الوضيع ـ المدينة،
والمولود تقريبا في/ 1850ميلادية وتوفى تقريبا في عام/ 1946 ميلادية .
ويعتبر الاب الروحي لجمع قبيلة الجعادنة،وجامع شملهم في الالتفات حوله فله مميزات خاصة لقبيلته(الجعدني)
فقد جعل مكانة جيدة لقبيلة الجعادنة!
وعنده نظرة  جيدة في خلق التالف بين القبائل مما جعله محط انظار القبائل الأخرى وقبائل آل بالليل التي ينتمي إليها.
وهذا ساعده في إثبات وجوده وجعله محل رضا للكل.
ومن هذا المنطلق اسس (السوق) في مدينة الوضيع وجعل منها مركز محوري يضم تلك القبائل في مصالح معنوية ومادية تعود عليها وعليه بالنفع والفائدة للجميع.
فكانت(الوضيع السوق) تتطور بروح الإنسان التواق لبناء امته وخدمة مجتمعه الذي كان بحاجة ماسة لمن ياخذ بزمام المبادرة فيه .
وماهي الا ايام وتتحول تلك القرية إلى ترانزيت مكتض بالحركة والعمل، ويفرض عليها وعلى مجتمعاتها الغنية بالزراعة التعامل الاقتصادي وتبادل السلع العينية و المصالح والمنافع التجارية الأخرى، حتى تحولت إلى تجارة ومنها كان التاسيس الاول لسوق الوضيع( الثلاثاء من كل اسبوع)
وهذا لم يلد من صدفة بل سبقه عمل وتفكير وجهد مبذول من قبل المؤسس الاول (بن جبران الجعدني)
ليجعل مدينة الوضيع مقر قبلي مع القبائل التي ينتمي إليها (آل بالليل)
وكان لابد من البنية التحتية للمدينة التي سيقع فيها السوق ومن تلك إن (بن جبران) عمل على تذليل تلك الصعاب وقام:
١ـ حفر أول بئر للشرب :
حيث إن المنطقة شحيحة في مياه الشرب ،وكان لابد من مصدر المياه الذي هو عامل اساسي لوجود السوق وقيام المدينة التي تتعدد فيها الخدمات .
٢ ـ بناء اول جامع( مسجد) منه يستغني الناس عن الفتوى التي كانت تأتي إلى قبائل آل بالليل من بلاد الحسني التي كانت تتميز بالقضاة  وكان اكثرهم بروزا على سبيل المثال العلامة( بن درامة) الذي تأتي الفتوى منه برمضان وبعيد الفطر وكذا باقي الامور الدينية.
وعندما أنشأ ناصر منصور بن جبران، مسجد الوضيع طلب من العلامه ـ حسين بن درامة ـ أن يرسل له أمام لمسجد الوضيع وارسل له أحد اقاربه وهو الشيخ/ محمد السعدي حتى توفي.
وهكذا توالى شيوخ العلم عليه ،واصبح مركز تاتي إليه الناس لتأخذ الاحكام الشرعية ،مماجعل المنطقة تستغني به عن غيره.ومن شيوخ العلم الذي كان المسجد يشع منه نور العلم على فترات من زمن التأسيس إلى اليوم، وله مكانته واهميته في الفتوى للمجتمع المحلي وهم:
الشيخ/ عبدالله حسين درامه .
الشيخ /سالم باهرمز .
الشيخ /صالح محمد السقاف - وبقي امام المسجد إلى الاستقلال الوطني من الإستعمار البريطاني .
وبعده كان أمام المسجد الشيخ/ صالح شيخ عزان.
عليهم رحمة الله تعالى.
٢ـ جود الصّناع والحرفيين :
وبوجود الصناعات التي كانت لها اهمية ومنها الصناعات الزراعية ،وصناعات الأدوات المنزلية مثل الطبخ،وصناعة الحبال ، وصناعة الاحذية ،ونجارة الابواب والنوافذ وغيرها.
وتوفير تلك الصناعات المنزلية إلى جانب الصناعات الزراعية والتي تعتبر من وسائل الإنتاج الزراعي الذي من خلاله يزيد الإنتاج ،وتتوفر الحاجات في السوق وتصبح مدينة تصل إلى إشباع رغبات المستهلك من السوق.
٣ـ تامين سوق المدينة المعروف ب( الثلوث) : والأمن هو المطلب الأساس في أنشأ السوق،حيث يأمن التجار وزوار السوق على أنفسهم، والاستفادة منه بشكل كبير ،وكل ما كان الأمن ضعيف كان السوق هابط ويمكن سقوطه والاستغناء عنه.
لكن كان لسوق الثلوث( الوضيع) سمعة قوية وكانت الزيارات التي تأتي إليه من مناطق بعيدة؛ تثبت ذلك،
وكان حُسن الاستقبال والضيافة التي يتصدرها الموسس الأول وعائلته التي عُرفت بالكرم والبذل ،وتأمين الوافدين وراحتهم ،وهذا مما شجع الكثير من الوافدين للسوق والاستمرار في تبادل السلع وازدهار المدينة ،حيث أصبحت مركز تجاري ،وثقافي يتبادل فيه السلع والامسيات الشعرية وغيرها مما عكس نفسه إلى وجود أماكن خاصة بهذا.ومنها:
٤ـ انشاء ديوان الاستراحة للوافدين للسوق من مناطق بعيدة، والشعراء من قبائل آل بالليل وخارجها .
وكان السوق بمثابة الممول الاول للمنطقة لقُربه منها ،وكذلك ساهم في التجارة الخارجية للمناطق المجاورة ومنها :جيشان، المحفد ،مودية ،لودر ،مكيراس، الحد يافع .واحور ، ووصول بعض التجار من البيضاء،و شبوة،وحضرموت.
وكان هذا يعطي (ابن جبران )ظهور غير عادي بين القبائل ؛ وهو ما جعل بيته مقر لبعض المتنازعين وحل المشاكل بينهم وكان يطلق عليها(سلقة بن جبران) 
وهي بمثابة المحكمة لحل المشاكل إلى جانب (سلق متعددة)في القبائل المجاورة لحل الخلافات والمنازعات التي تقع بين الأفراد والقبائل!
وكلها تلتقي في هدف واحد ، حل النزاعات واستقرار المنطقة ، ومما ميّز سلقة (بن جبران) أنها تمتلك الموقع والزمان الذي قد يستفيد منه المتنازعين ،حيث كان للوقت قيمته الزمنيه بالنسبة للناس حيث تمتلئ أوقاتهم بالاعمال،ومما هو محبب لهم أن(سلقة بن جبران) تأتي مواعيدها بيوم السوق وهناك يمكن لهم أن يستفيدون من السوق ومن وجود الخدمات وحل مشاكلهم في وقت قصير. وقد كانت من السلق المشهورة،في المنطقة الوسطى سلقه: الشيخ (ناصر بن ناصر منصور جبران) حيث كانت احكامها تلاقي القبول من الاطراف المتنازعة وهذا ما يؤكده اختيار العديد من المتنازعين في المنطقة وخارجها .
ويعد هذا إنجاز لايستهان به وهو عامل الاستقرار في قيام المحاكم المتمثلة في( السلق)!
وكان لقيام الوضيع كمدينة مواكبة المدن الكبيرة في المنطقة الوسطى مثل: مدينة موديه و لودر المعروفة اليوم!
وحين تكون الشخصية غير عادية فهي تستغل الظروف المحيطة بها والتطورات والحاصلة،حتى تتمكن في الوصول إلى تحقيق أهدافها.
وفي رحله لمؤسس.ـ الوضيع ـ إلى بلاد العواذل لحل النزاع الحاصل بين سلطان العواذل، وقبيلة أهل دمان ـ حول أرض زراعية ، وبعد الانتهاء من الصلح استضاف السلطان وشيخ أهل دمان ـ ناصر منصور ، لكنه لم يلبي الدعوة - وقال: ناصر منصور جبران ـ  أمام الحاضرين أنا ضيف عند (احمد عبدالله الحداد)وهو عريفة "الحدادين" في منطقة العواذل واستغرب الجميع بما فيهم كبار الشخصيات التي دعته إلى أن ينزل عندهم! ولكن عريفة الحدادين رحّب بهذه الضيافة التي يعتبرها شرف له ،وبعد تناول الغداء طلب (بن جبران) ما كان يبحث عنه في تحقيق الأهداف المرجوّة لوجود الصناعات من عريفة( الحدادين)ان يمنحه اثنين من الحدادين للانتقال إلى الوضيع للقيام بأعمال الحدادة.
والتزم "بن جبران " لعريفة (الحدادين) ببناء محدادة وهو الضامن  لأجورهم من المستفيدين منهم على أعمالهم التي سيقومون بها لإصلاح الأدوات الزراعية له ولمزارعي المنطقة وان لهم مما يملك"بن جبران" اثنين من (اتلام ؛ وهي إخدود يحدثه الفلاح على آلة حديدية محدبة مرتبطة بقاعدة خشبة تضع على اكتاف البقر، و تشق الارض ويضع داخلها او تحت ترابها البذر من الحبوب،و يبدا من بداية الارض المزروعة إلى نهايتها ،وحين تزرع تكون الاعلاف مع حبوب الذرة للحدادين)،في كل(جربة) وتعني الجربة، فدان في الغالب أو أكثر من فدان، من الأرض المزروعة) .
ووافق عريفة الحدادين على هذا الطلب ،وبذلك توفرت أدوات العمل من (السحوب 'والفؤوس' والمجارف) وغيرها؛ وهي من ألادوات اليدوية القديمة كان لها استعمال في الحراثة وبعض الأعمال .
وبتوفير أعمال الحدادة كان لها أهمية بالغة حيث أن الاعتماد عليها بشكل كبير من الناس.
وتتوج تلك الأعمال الصناعية بوجود (المعصرة) وهي صناعة يدوية قديمة يستخدمونها لعصر السمسم (الجلجل)لإستخراج الزيوت منه,(الدهن) إلى جانب صناعة الابواب والنوافذ وغيرها ،وهذه ألادوات لا يوفرها غير حرفيون عندهم المهارة وهم أهلا لها. وبذلك فقد أرسى مؤسس الوضيع ؛اهم الاعمال التي تنهض بالبنية التحية بجود سوق يستطيع مواكبة الأسواق المحيطة به.
وقد دفع هذا الاهتمام والفضول (ببن جبران المؤسس الاول) الى السفر  والبحث عن الايادي العاملة في تأمين بعض مايحتاج إليه السوق،وكان السفر الى شبوة من قبل (بن جبران المؤسس) لاستقدام عمال النجارة المهرة  وكانت عائلة (العود) هي المنوطة بهذا المسؤولية.
وإلى جانب تلك العائلة الكريمة لابد من توفر صانع الحبال والتي لها الطلب من قبل الناس بشكل كبير.
فقد كانت عائلة ( السعو العوذلي وحسين امبرهمي العوذلي) من منطقة العوذلي.
لهم الصدارة والعلامة التجارية حتى يتم الابداع والعمل في إيجاد هذه السلعة ؛ لأن الطلب عليها كبير لما لها من أهمية واستخدام في تلك الأزمنة!   
ومن هنا بداءت ملامح المدينة(الوضيع) بالتوسع وتوفرت الايدي العاملة ومنها عمال فلاحة الأرض وبناء المنازل وكانت المدينة ملتقى العمال،وأبناء المناطق التابعة للمديرية وأخذ العمال إلى مناطقهم مما جعلهم يتوافدون إلى مدينة الوضيع(السوق) لتميزها بخدمات التي يحتاجها العمال لوجودهم.
وأيضاً وجود الزوار للسوق لبيع ما لديهم من حبوب ومواشي وكانت هي اغلب الأجور العينية للعمال ...
وكان اكثرهم يعملون في زراعة الارض التي زاد الإنتاج فيها بشكل ملحوظ!
وتحولت اغلب الأرض الغير المزروعة إلى أرض زراعية خصبة ووفرت الغذاء ،وكان أغلبها اذا لم نقل كلها من الحبوب إلا ماندر من زراعة القطن وغيره!
ويعتبر جود السوق من أهم العوامل التي وفرت الاستقرار وزيادة الانتاج
وهو الذي جعل سوق الوضيع المعروف بسوق(الثلوث)من أهم الأسواق في المنطقة الوسطى ،بما يتميز به بالكثير من الأغنام والابل والبقر والحبوب وتميزه بحبوب السمسم(الجلجل) عن باقي الأسواق المجاورة ومنها
سوق السبت الحسني (المنتقل إلى مدينة مودية حاليا)وسوق الأحد (لودر العوذلي)وكذا سوق الاثنين( مكيراس العوذلي) وكذا سوف الخميس (امصرة التابع للنخعي) الفضلي.
وكانت تلك الأسواق تستقبل 
المنتجات الصادرة من الوضيع مما زاد القوة الاقتصادية ومردودها على مواطنين المنطقة وهذا ما كان ليحدث لولا الهمة التي يتميز بها هذا الرجل العملاق.
أنه حقا *ناصر بن ناصر جبران* الجعدني المؤسس..ورجل  الدولة بمعنى الكلمة...!