آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-12:15م

العالم الرباني

الإثنين - 29 أغسطس 2022 - الساعة 10:00 ص

هاشم بن عبدالله الحامد
بقلم: هاشم بن عبدالله الحامد
- ارشيف الكاتب


من فضل الله علينا وجود العلماء الربانيين بيننا
فلولا وجودهم بين أظهرنا  لكادت التربية تتعذر، ولذهبت الأعمار سبهللا، وكثر الجهل وحصل التخبط ، لأنهم ينفون عن الدين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين  وعند فقدهم يترامى أهل الأهواء على مناصبهم ، وتقمّص شخصياتهم   وتُصاب الأمة بثلمة في الإسلام لايسدها شيء، 
   لولا وجودهم بيننا لتقادم الزمن بنا وشاخ ولأصبنا بالهرم ولم نعرف أدب تمييز المقامات، وتعظيم القدوات، ولم نعرف مكارم الشريعة  ، فبهم همنا حبا ووجدا، وبصحبتهم ثارت أشواقنا، وفاضت بالدموع عيوننا  ، حبا لله العظيم ورسوله الكريم.

    ولقد رأينا بأم أعيننا في  الأيام الماضية  تسارعاً وزيادة في موت ثلة من العلماء الربانيين، من مشارق  الأرض ومغاربها، وكأن السماء بدأت تسترد نجومها، وتأخذ من الأرض شموسها .

     من هؤلاء العالم الرباني  الحبيب ابوبكر المشهور رحمه الله فقد كان مربيا بحاله ومقاله، ومهتديا بنور الله، ومتمسكا بكتاب الله، و يدعو الناس إلى شرع الله، يقول كلمة الحق ، كانت حياته تحذيرا من الشهوات والشبهات لأنها هي سبب الأهواء والغفلات،  وقد تحقق فيه قول القائل :
إذا رؤوا يشهر ذكر الله.
            فهو لهم سيما على الجباه

فقد أحيا الحبيب أنفسنا كادت تنحرف  ، وزكى قلوبا كانت ستنجرف  ، وقوّم ألسنة معوجة بالأوراد الربانية والحضرات الإحسانية والمؤيدات الروحية، فكانت الأذكار هي مشروع الولاية والاستقامة  في الطريق إلى الله في منهجيته التربوية ، المستمدة من القرآن الكريم  والسنة النبوية، فكان أشبه بالكتاب المفتوح ، واضح المعالم متخلقا بخلق أبي القاسم  صلى الله عليه وسلم، حريصا على خدمة الدين ، والاشتغال به تعليما وتربية  ونشر الخير ونفع الناس.

   لقد تحقق رحمه الله بأوصاف العالم الرباني، فأدى وظيفته ومهمته بتناغم عجيب، فكانت ربانيته عميقة كأن الزمان ينصت لقراءته وتسابيحه ويردد المكان أوراده ودعواته فكم عهدناه وهو  يزين المجالس وتتشرف بحضوره المحافل وبأدبه وسمته  يحدو الناس للسير إلى الله، وبمواعظه يدعو  لتصحيح التوبة، وله مغناطيس  في فنون التفاعل ومهارات التأثير ، فعندما يقرر لتلاميذه كتب بدايات الطريق ككتاب آداب سلوك المريد، وكتاب بداية الهداية، ، كانت شروحاته رائعة أشبه  بقنطرة للمريد  تنقله إلى عالم ملكوتي  وتمنحه حركة روحية وسموا قلبيا  ، يشعر  من خلاله بارتفاع منسوب التقوى لديه، وعلو الهمة وصدق العزيمة.

   في مجالسه المتنوعة مع شرائح المجتمع كان يخاطب الضمائر الحية احيانا  بعتاب المشفق وتارة بالملاطفة وأخرى بحزم ولكنها لا تخلو جميعها من رحمة وشفقة   تجعل من يحضر يشعر بالتقصير ، ولكن مع الأيام يتحول هذا الشعور إلى مصاحبة ومجالسة ومحبة وتعلق ثم إلى مشروع بناء وعي وإدراك ، ولصياغة النفس، وتعزيز القيم ، وأداء الرسالة.

  كان رحمه الله منذ بداياته ووصوله إلى بلاد اليمن يتعامل مع مريديه كأبنائه فكان حريصا عليهم ولطيفا معهم ، كنا نرافقه في بعض مجالس الإمداد والإسناد والاتصال بأهل الكمال ، فكان حريصا على أن يزور بطلابه  مجالس  مشايخه ومن ربوه وعلموه وكنا نرى فيه التواضع في مجالسهم ،  يطلب منهم بإلحاح الولد الإجازة والإلباس والإطعام، وكان حريصا على أن يعطوا طلابه ما اعطوه.

   كانت مناهج تربيته ترتكز على قواعد ثلاث   مجالس الإنشاد ومجالس الإرشاد ومجالس الأوراد فكانت مجالس المديح، أشبه بترانيم روح ،  كان يصنع في المنشدين ذوق الكلمة وروح الأداء وجودة الصوت وأما مجالس الأوراد و الأذكار اليومية فكانت إصلاحا للسرائر ، واكتشافا للذوات، وطمأنينة وراحة. وأما مجالس الإرشاد فأساسها علم الخشية، ونور الفكرة.

      كانت بساطته وصلاح نيته   هي سر ربانيته وعلى ذلك تشكلت  شخصيته والتي  لها أهميتها في مرحلتنا المعاصرة ، وهي تحتاج إلى دراسة بعمق وقد تفتح أمام الباحثين  معالم ومنطلقات  تربوية، تكون فائدتها على الأمة كبيرة بعد مماته كما كانت في حياته.

وللحديث بقية
هاشم بن عبدالله الحامد