آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-05:44م

لقد تقدم بي العمر ياعدن !!

الإثنين - 30 مايو 2022 - الساعة 10:50 ص

أنيس محمد الحبيشي
بقلم: أنيس محمد الحبيشي
- ارشيف الكاتب


 

‏ ‏

كنا نصحو السادسة صباحا .. كانت المدينة كلها تستفيق .. كل البيوت تفتح الإذاعة ، وتبدأ الأمهات بتحضير أبنائها للمدارس .. ويبدأ الموظفون بتجهيز أنفسهم للعمل ..

‏ ‏

كنت أستمتع جدا بصوت أحبه ومازال محفورا في ذاكرة كل عدني وهو يحدثنا عبر الراديو ببرنامجه الشهير "كلمتين اثنين" .. إنه المعلم المثقف الجهبذ الأستاذ الوالد الراحل أحمد عمر بن سلمان لروحه الرحمة والسلام .

‏ ‏

حينما تبدأ خطواتنا تدوس التراب ونحن في طريقنا إلى المدارس كنا نلتفت مرارا للخلف لنرى آثار أحذيتنا التي حفرناها في وجه الندى الذي يغطي وجه التراب ..!

‏ ‏

كنا نرى تجمعات الممرضات والطبيبات في إحدى الأماكن اليومية الثابتة لهم منتظرين باص المستشفى ليمر ويأخذهم ..

‏ ‏

وكنا نرى في زاوية أخرى تجمع العساكر والضباط بملابسهم الرسمية ورتبهم اللامعة ينتظرون باص وحدتهم .. وهكذا في كل زاوية ترى تجمعا منتظرا باص مرفقه ..

‏ ‏

مشهد يومي يتكرر في كل صباحات عدن .. كل الشوارع قد استفاقت لتستقبل يوما جديدا مملوءا بالحياة وضجيجها .. فتشعر وكأن هؤلاء البشر ليسوا إلا كدماء تضخ في شريان هذا الوجدان ليستمر نبض قلب هذه المدينة العريقة كعراقة التاريخ ..!

‏ ‏

بعد أن ينتصف النهار .. وتخف حرارة الشمس ووهجها تنتقل هذه البلدة إلى كوكب آخر .. وواقع يومي آخر في كل عدن ..

‏ ‏

تجدنا كلنا نخرج للعب في حوافينا .. بس لما نخرج كنا نخرج نظافا مغسلين مبدلين ممشطين وكل واحد برأسه نص قصعة كريم صيني وفارق من الجنب .. صح ده كل بيتعمبص ونروح بيوتنا كلنا تراب ورشح .. المهم أننا كنا جيلا لازم يخرج وهو نظيف !

‏ ‏

من منا ما يتذكر لعبة من كبته طيار؟!

من منا نسي لعبة بيع التيس؟!

من منا كان أخطر واحد بلعب سبع الصاد؟!

من منا نسي أوجاع ومرارة أن يقزعوك العشر فتاتير حقك وتروح زعلان؟!

‏ ‏

لقد تقدم بنا العمر ياعدن !!

‏ ‏

تقدم عمر ذلك الولد الشقي الذي كان يتنطط فرحا في عرصات حضنك الحنون !

‏ ‏

تقدم العمر يا أمي ومازال الحب هو الحب !

‏ ‏

ومازلت أنا ذلك المتناثر فيك كمكعبات السكر .. وحين يأتي المطر تذوب تلك القطع لتشرب روحي حبات الرمل الذي كنت كل يوم أراقب فيه أثر حذائي وأنا أدوس على طبقة نداه حينما أذهب إلى المدرسة !

‏ ‏

ستظلين ياعدن أنت الأرض والوطن والإنسان .. ونحن راحلون !

‏ ‏

ستظلين موجودة في التاريخ إلى أبد الأبد !

‏ ‏

ونحن أحباؤك وأولادك سنظل نحبك حتى تفنى أجسادنا وتتوارى تحت ثراك أو ثرى أي بقعة في المعمورة .. حينها فقط تكون دائرة الحب قد اكتملت ياحبيبتي .. فالبداية أنت ؛ والنهاية أنت يا عدن !

‏ ‏

فأي حظ عظيم هذا الذي حباني الدهر فيك يا عدن الحبيبة !؟

‏ ‏

ألا فكوني بخير - دائما وأبدا - يا عدن !!