آخر تحديث :السبت-21 سبتمبر 2024-11:54م

الانتقالي طفل يشيخ مبكراً

الخميس - 09 ديسمبر 2021 - الساعة 02:34 م
وضاح اليمن الحريري

بقلم: وضاح اليمن الحريري
- ارشيف الكاتب


الانتقالي طفل يشيخ مبكرا
وضاح اليمن الحريري 
يمر اليمن بالتأكيد بمرحلة عصية وعصيبة على جميع اهله ومواطنيه، في كل بقعة منه، ولا يستطيع احد ممن هم في داخله، او ينتمون اليه وهم في الخارج ان ينفوا مدى خطورة هذه المرحلة..فلا المناطق المحررة من سيطرة الحوثي قد ارتاحت ولا المناطق التي في سيطرته قد تحسنت ظروفها واطمأنت لعيشتها، لعلها لعنة الحرب التي مازالت مندلعة ولم تظهر لها بوادر للتوقف، ومما زاد الطين بلة ان التشظي الحاصل نتيجة تعدد اطراف السلاح ومراكز الهيمنة، التي مازالت تخوض رهاناتها على اساس فكرة الانتصار على الخصوم عسكريا بنصر حاسم متوج بالوصول لأهدافها الخاصة التي تعنيها فقط, لم يعد يبشر بالخير.
في خضم هذه الأحداث المندلعة والمهرولة منذ سبعة أعوام، تشكل المجلس الانتقالي الجنوبي، ككيان سياسي يقدم نفسه باعتباره الرافعة لمشروع دولة الجنوب القادمة بالانفصال او بالاستقلال او اي كان المصطلح، ولأن الأحداث في تطورها لم تسعف أحدا من القوى المتحاربة، القوتين الرئيسيتين، كذلك هي لم تسعف الانتقالي أيضا، بعد ان صار لزاما عليه ان يواجه المشكلات الواقعية والموضوعية، خارج اطار التمحور حول الذات، والتصور ان النصر سيحالفه بمجرد ان يرتكب الآخرون أخطائهم، لأن هذا التوهم المخادع، سيجره إلى خانة الانغلاق والتصلب والذي بأي حال من الأحوال لن يفيده في نيل ما يصبو اليه.
قصة الانتقالي كقصة الطفل الذي يشيخ مبكرا دون ان يدري لماذا يحدث ذلك، والشيخوخة هنا لا تعني بالضرورة معنى سلبيا، والعبرة فيما تؤول وستؤول اليه الامور في التعامل مع الشق الموضوعي والواقعي وحل مشكلاته، لا مراكمتها كما جرت العادة خلال السنوات الماضية.. والنتيجة المنطقية أن هناك شركاء آخرون إذا لم يعد بالإمكان حل المشكلات بطريقة منفردة.
قال لي صديق من قيادات الانتقالي التقيته اليوم في فعالية، متى بنشوفك ونجلس مع بعض، قلت له مشكلتكم إنكم حساسون جدا ولا تقبلون غيركم، وضحكنا وافترقنا، قد تكون ضحكة المجاملة او الاحترام المتبادل، لكن الامر جرني الى التفكير مليا في الدقائق اللاحقة، إنهم يمرون بفترة حرجة في الانتقالي وبامتحان صعب..هم يعرفون أن الساحة ليست ملكا لهم وحدهم ولا هي تحت هيمنتهم بالمطلق، لكنهم يعتبرون انفسهم المعبر الوحيد عن الجنوب وإن لم يعلنوها او اعلنوها، هم يعرفون ان ليست كل الجغرافيا الجنوبية في سيطرتهم لكنهم ينتظرون اقتناص الفرصة المواتية ليفعلوها، والأهم من هذا وذاك هم يدرون بما يحل بالناس من ويلات ومع ذلك يقفون غصبا عنهم او برضاهم مكتوفي الأيدي ومحنطين.
معركة الولادة بالتأكيد صعبة لكنها يسيرة في مواجهة المعركة مع الزمن فالذي يولد في ثواني او دقائق عليه ان يتعامل مع الحياة لسنوات طويلة فيما بعد، بكل مافيها من مفاجآت وازمات، عليه ان ينجح في تجاوزها وتخطيها بما ينتج عنه وضعا افضلا مما سبقه، اما ان تنقاد الأمور بمثل ما يحدث فمعنى ذلك، ان هناك ارادة تسلب وان مقومات الكائن وخصائصه لا تتناسب وما يلقى على عاتقه بفعل الظروف الموضوعية وواقع الحياة، والأكثر خطورة أن تحمل البندقية بيدك كي تقاتل من اجل نصر، قد لا يكون لك فيه نصيب كمجتمع خلاق، المعركة واضحة مع الانتقالي وأين تكمن فرصها لكنه يعجز عن اكتشافها والوقت لا يسعفه حتى يكتمل حلمه الذاتي جدا. 
لا يستطيع المرء أن يتعلم بدون التجربة لكي ينضج، لكن التجربة ذاتها قد لا نقيمها بحق بين أمواج متلاطمة، قد نكبر سريعا إذا أدركنا جوهر الحدث، وقد نكبر ونحن مازلنا لم ندرك،  وهذا الذي أخشى أن يكون حادثا مع الانتقالي..إنه كطفل يشيخ مبكرا.