آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-07:23ص

خائن ياطرخون.

الثلاثاء - 02 نوفمبر 2021 - الساعة 11:58 ص

عيظة بن ماضي
بقلم: عيظة بن ماضي
- ارشيف الكاتب


نجبرُ على الوقوف منصتين حينما ينادي البائع في حوري دمشق العقيقة على السلع المتنوعة المعروضة امامه وذلك لما للمناداة من واقع متصل مع اصل الصنف ونشوئه او طرق اكله وطبخه واستخدامه في الوصفات المختلفة وهذه المناداة تمتاز بها سائر الاسواق العربية إلا إن الدمشقية لها واقع مختلف.

يستخدم نبات الطَّرْخُون لإعطاء نكهة عطرية للمأكولات كالسلطات واللحوم وغيرها  وهو من نبات الشجيرات الكثيفة ذات الأوراق الملساء الرفيعة وينمو إلى ارتفاع يقارب اقصاه الـ 150سم في الأماكن الدافئة الجافة.

استوقفني المنادي ذات مرة في مدخل احدى الاسواق العتيقة وهو ينادي بأعلى صوته "خائن ياطرخون خائن ياقليل الأصل ياطرخون"... وهنا دونما تفكير توجهت للبائع وفي استغراب سألته... فين الطرخون؟ ارتسمه على محياه صورة تعجب وهو يشير إلى نبات خضري مرصوف في حزم متناسقة مع البقدونس والورقيات الأخرى.

اردفت عليه السؤال هذا الطرخون اجاب نعم هذا هو الا تعرفه اجبته بلا اعرفه لكن لماذا اصبح اليوم خائن؟ ابتسم ونادا "خائن ياطرخون خائن ياطرخون" وهنا قاطعته لماذا لماذا اصبح خائن وهو نبات لاحول له ولا قوة مثله مثل ماجاوره من نبات... وكانت اجابته باختصار هذا تزرعوا ببستانك يطلع ببستان غيرك!!!.

لعل هذا الشرح او التفسير المقتضب يصف الصلة المرتبطة بين المسمى والفعل لهذه النبتة المورقة ذات الرائحة العطرية المميزة والتي جعلتني افكر بشكل مباشر يا ترى كم شتلة طرخون زرعت في أرضنا الطهور شربت وترعرعت وعندما اشتد عودها طُرحت في أرض الغير لتبث سمومها باتجاهنا وكآنها بذور الشيطان تخطط وتمول وتحيك كل المكائد والضغائن المرهقة للوطن والمواطن.

ولعل الصفة المرتبطة بين نبات الطرخون وطراخيننا هي مقدرتهم على الحديث والتشدق بالولاء إلى هذه الارض التي لم تجني منهم الا المكائد والمصائب والخذلان المستمر والمرتبط بحب وجودهم على رأس السلطة الناهبة لمقدرات وثروات الوطن دونما تمييز ولا تقديم أي ملموس على الواقع الحقيقي.

يتنكر جُل الساسة لهذه الارض في العطاء لا الانتماء فهم يتشدقون بكل مسمع إنهم أبناء هذا الوطن المكلوم ويحملون قضيته وهمومه واوجاعه وجراحه ولكن دونما الخوض ولو في الحديث عن إيجاد الحلول و المقترحات الفاعلة لانتشاله أو الرقي بها إلى الأفضل بعيداً عن العويل والوعيد.

ولو عدنا للطرخون نجد إن وصفه بالخائن لم يكن إلا لتنكره للأرض والإنسان المعتني في زراعته وسقيه وحفظه دونما إلحاق أي أذى بهما وذلك عكس طراخيننا الناهبة لثروات ومقدرات هذه الأرض والشعب المنهك عليها لمجرد مصالحهم الذاتية فقط دونما اعتبار لأي شيء يذكر ولو من باب المجاملة والرياء.