بقلم / غازي المفلحيالقول ان الصحفي النزيه في بلدنا عملة نادرة حقيقة يصعب دحضها ، قبل الإنقلاب تولى نظام الفساد مهمة شراء ضمائر القسم الأكبر من الصحفيين من خلال الحاقهم في جوقة المطبلين والمزمرين مستخدما ما توفره السلطة في العالم الثالث من اساليب ضغط او اغراء ليس اقلها الهيمنة على الوظيفة العامة والمال العام حيث تستخدم هذه الوسائل بكثافة الى جانب وسائل الضغط الأمنية لجلب الصحفيين الى مربع الدفاع عن الحاكم وتمجيده ثم اضيف لها في نهاية القرن الماضي مهمة الترويج والتبشير بالتوريث الذي انخرطت به معظم النظم الثورية العربية آنذاك .قليلين جدا هم الصحفيين الذين رفضوا الإنحناء لإلتقاط العطايا والجوائز ، بل واكثر من ذلك فقد اعجزوا ارهاب العصا عن النيل من صمودهم واصرارهم على التمسك حتى النهاية بما اعتبروه مبادىء غير قابلة للتنازل ، تغلبت عزة نفوسهم وكبرياءهم ونظافة ايديهم على مغريات الجزرة وارهاب العصا واختاروا بشكل كامل ونهائي الإنحياز لشرف الكلمة ونزاهتها .القائمة صغيرة وتضم بين اسماءها كتاب وصحفيين كبار مثل البرودوني وابوبكر السقاف وعبدالباري طاهر والفقيدين احمد طربوش ، وعبد الحبيب سالم ، وبين هؤلاء كان لسامي غالب مكانة ومكان ..تابعت صعود نجمه من تسعينات القرن الماضي عندما التحق متدربا في صحيفة الوحدوي تحت ادارة المفكر والمثقف ايقونة الصحافة اليمنية حسن العديني ، ثم تحت ادارة الأستاذ الكبير احمد طربوش ، وكتلميذ يتوقد ذكاء وموهبة تعلم سامي سريعا اسرار المهنة ولم يمض كبير وقت حتى اصدر صحيفته الخاصة باسم النداء . لم تقدم النداء سامي للناس فقط كصحفي متمرس ومحترف تمكن من ناصية البيان والحرف وقد كان ، بل قدمته قبل ذلك نموذج الصحفي الذي يرفع احترامه لنفسه وقلمه وكلمته الى مقام اعلى بكثير من مصلحته الشخصية .كان بامكان سامي غالب ان يحول صحيفته الى مصدر للإرتزاق كما فعل كثير من الصحفيين الذين اصدروا صحفهم الخاصة في ذلك الوقت ، ولو انه استجاب للمغريات وما اكثرها لما كان اليوم بحاجة احد ، لكنه شرف الكلمة التي تطوع سامي لحمل رايتها ودفع بسببه الثمن غاليا .في زمن صحافة الردح قدم سامي نموذج صحافة السمو والرقي ، كان تنوير المجتمع والدفاع عن المحرومين والمسحوقين هو الهدف الذي حدده سامي لنفسه وصحيفته ، فاستضاف على صفحاتها من يمكن ان يطلق عليهم التنويريين امثال الدكتور ابوبكر السقاف والبردوني وتخصص في عمل التحقيقات في كثير من القضايا المجتمعية مثل المختفين قسريا وزواج القاصرات ومعاناة غلاء المعيشة على الطبقات الشعبية ، وباختصار فقد رسم سامي لنفسه وصحيفته حدود الحركة وهي الإلتزام بشرف الكلمة ونزاهتها ونشر الوعي والمعرفة والإنحياز الكامل لمعاناة الناس وهمومهم .وبهذه الخطوط الأخلاقية الصارمة كان لا بد ان يأتي الوقت الذي تعجز فيه صحيفة محترمة كالنداء وصحفي شريف كسامي عن تحمل تكاليف استمرار اصدارها ، فلم يكن الممولين مستعدين لتمويل صحيفة لا تمسح الجوخ ولا تلمع الأحذية .توقفت النداء ولم يتوقف سامي عن الكتابة وفي كل كتاباته ظل وفيا لمبادئة والتزامه ، مسكونا بهموم البسطاء وهدف التنوير والإرتقاء بمستوى الوعي العام .اين سامي اليوم ؟اليوم يرقد سامي في مستشفى في القاهرة بعد تعرضه لجلطة ونزيف دماغي .... نسأل الله له الشفاء وكمال العافية .. والف سلامه عليك يا ملك .