آخر تحديث :الأربعاء-08 مايو 2024-03:21ص

أبعد من الارتباط

الجمعة - 18 نوفمبر 2011 - الساعة 09:05 م

د.أحمد علي عبد اللاه
بقلم: د.أحمد علي عبد اللاه
- ارشيف الكاتب


لعل فكرة " أبعد من الارتباط " لا تأخذ منحى لغة ادونيس " في: أبعد من النظام " ، رائد الحداثة في كتابته النقدية حول الثورات العربية وبقائها الافتراضي حبيسة الفكر التقليدي ذي البعد الديني المتزمت وعدم وضوح الرؤيا حول بناء مجتمع بخصائصه الحداثية تجاه أمور الحياة والدولة.

أسوق هذه الفكرة القابلة للجدل لأنه يجب ان نتعلم كيف يكون هناك جمع خلاق بين الثوري الصانع للتغيير، والمفكر الساعي لتشريح الحدث والواقع، والشاعر المتنبئ بغد ربما مجاز، والمثقف العام النخبوي، وكل العناصر الحيوية الفاعلة في فورات حياتنا صعودا وهبوطاً. وان لا تضيق بنا رحابة الأرض إزاء جدلية حادة التضاريس أو خلاف أو غموض..الخ، لأنه يتوجب عند صناعة المستقبل أن نضع الغرائز جانبا ونتمثل خلائق أكثر حركية وديناميكيه وان لا نضع حالنا على طرفي التضاد لان هذا النزوع ينتمي لعوالم لاعقلانية ذهبت بنا إلى حضيض قاس، بل نوجز ثنائياتنا أو أكثر أن وجدت في نهج تكاملي ولا يجوز ألبته أن يكون التضاد ملهم لتحديد فكرة المستقبل. وفي وضع ليس مجافيا لتلك الفكرة ومع جمال التنوع وترشيد الاختلاف نقول أن التنوع حول مصائر حاسمه يجب أن تتحلى ملامحه بالصحوة وشدة الوضوح وان احتدم الأمر وتباعدت أقطابه أو ضاقت مساحة الجدل فانه لا غالب إلا جماهير الشعب الواسعة ولا مرجعية سواها فهي من يحدد كيف سيكون عليه مستقبلها.

لقد ظلت جماهير الجنوب لحقبة غالية من تاريخها تعلق مصائرها على أكتاف نخبة حكام ما انفكت تقودهم نرجسية القدرة، وهاجس فرادتهم، وهوسهم النظري، أو لنقل قناعتهم بأنهم وحدهم من يستطيع أن يفعل أموراً عظام من اجل الشعب.،وكان التاريخ يكذبهم كلما انقشع الرماد وتوسعت لفحة جمر بعده جمر.

لعل القارئ يلمح هذا المدخل العملي ويوظفه بطريقته وهذا شانه إن أراد. لكن المتن في السياق يتعلق بالجدلية الدائرة حول مصير الجنوب بعد الارتباط القسري حيث بدا السياسيون ذوي " التاريخ " الحار وبعد أن أخرجهم الحراك الجنوبي " ثورة الجنوب " إلى العلنية بدءوا بصياغة مشاريع أهم ما فيها أنها غير واحده أو غير موحدة، أن الخوف ليس من الاختلاف والتنوع بل من إعادة إنتاج التضاد والاستقطاب الحاد المؤلم المؤسف الذي أضاع من عمر الجنوب جيلا كاملا لو قدر له أن يسير على طريق التنمية والسلام لكانت عدن اليوم عاصمة الجزيرة العربية بامتياز، ولكن لندع التباكي على ماض تولى ونبش ما تجاوزته أحداث العقدين الماضيين من زمن الارتباط لنوجه نظرنا إلى:

كيفية صياغة إجماع وطني حول بلورة هدف واضح غير غامض ولا يقبل التأويل أو المخاطرة أو الالتباس أو التشكيك .. الخ من مفردات التأكيد على بريق المبتغى وإنضاج الخطى الواثقة نحوه. هدف يلخص مستقبل الجنوب بالحروف التي سنتها دماء الشهداء ومعاناة الجماهير ونضالها، تلك من حررتنا دماؤها جميعا وجعلتنا نهتف بصوت مسموع بعد صمت وغياب. هدف يبنى على إرادة شعب الجنوب باعتباره وحده من يحدد مصيره . ودون التماهي أو تغليب إرادة الخارج الإقليمي أو الدولي بشكل مفرط او عاطفي، وان لا تزيد سماكة الحجج " العقلانية " أو ما يسمى بفن الممكن بحيث تصبح هي الأساس ذات اللون السائد في المشهد المصيري.

لم يحصل في التاريخ أن ثارت الشعوب على طريقة فن الممكن بل أن الدماء صنعت المستحيل وهذه ليست مغالاة خطابيه، ولا جمل تعبوية ثقيلة الوزن خفيفة المعنى، بل أنها تأتي في سياق خصب لما نعيشه اليوم في ظل الثورات العربية ضد الظلم . إن فن الممكن لا يجب أن يكون منطوق رئيسي في سلة المبررات من اجل المصير ولتغليب فكرة زيد أو خيبة عمر. ولا يعني ذلك أن تجاهل الظروف والمخاطر المحدقة وكل المعضلات والمعوقات هو ما ينصفنا ويختصر الدرب، بل أن الحكمة تتطلب الأخذ بكل المعطيات الوطنية والخارجية والنظر إليها بشكل جاد من كافة زواياها ونواحيها ولكن على قاعدة أن أي اعتبارات أو ظروف مهما كان حجمها وخلفياتها لا يمكن السماح لها بان تتجاوز هدفاً كانت قد رفعته جماهير ثورة الجنوب " التي للأسف لم تحقق قيادتها الوحدة الصلبة المرجوة حتى في هذا المفترق الحاد " بشكل واع وقدمت من اجله دماء أبنائها وكانت فاتحة لحركات وثورات التغيير. سيكون فن الممكن قد أخذ شكلا ملحمي عندما يرتقي إلى تحقيق كل أهداف ثورة الجنوب في ظل تحديات داخلية وخارجية وليس الفن هو رفع وتيرة القبول بما تشهده عين مجرده.. حيث أن المستجد اليوم في السياسة يتقادم غداً ولا ثابت في الأحوال سوى مصالح ومستقبل وطن أضعناه ونمضي الآن باحثين عنه، ولا يجوز لنا خاصة في هذا المسعى أن نختلف حول الهدف الأساسي. أن جل ما يقال هو أن الاصطفافات وراء الأفراد وتعميق ولاءات معنوية خاوية قد أدمتنا وأحرقت من التاريخ ما أحببنا وقصفت هامات باسقة وأذلت شموخ شعب عصي على الاندثار والتغييب، وكم يخيفنا ونحن أمام فواصل مهيبة من تاريخنا المعاصر - أن نرى إرهاصاً مزعجا للتنادي والحشد حول ياسر أو عمار وننسى في غمرة الحصاد ما زرعنا . أن العودة للجماهير من اجل تحقيق مصيرها هو ما يجب أن يعلو الآن وفي المستقبل لان الزمن هو ربيع الجماهير وليس غيرها وربما يبدو هذا النوع من الطرح بأنه تجريدي، إلا أن العملي في الأمر يجب أن يقوم على ترجمة ذلك بشكل خلاق من خلال وضع كل إمكانياتنا من اجل تحقيق طموحاتها. و لهذا ندعو مع كل من يدعو إلى الاصطفاف وراء شعب الجنوب، وان تحتكم كل القيادات بمستوياتها في الداخل والخارج إلى إرادة الشعب وتستجيب ماثلة لتلك الإرادة وتترجم ذلك بوحدتها ولم شملها. وبهذا يبدأ الوفاق النوعي والتاريخي من اجل وضع الأساس المتين للمرحلة القادمة ومواصلة النضال السلمي لتحقيق كامل الأهداف.

 

"التغيير"