آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-12:05ص

لو قدّر للقنبلتين الأخريين أن تنفجرا !

الخميس - 14 يوليه 2011 - الساعة 02:49 م

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله
- ارشيف الكاتب


خيرالله خيرالله

استقر رأي الرئيس علي عبدالله صالح على بث شريط الفيديو الذي يتحدث فيه إلى مواطنيه وذلك بعد أخذ ورد طويلين. بعد ذلك، ظهر الرئيس اليمني في لقاء مع مسؤول أميركي. لا شك ان القرار بالظهور على التلفزيون، مرتين في خلال اسبوع، كان قراراً شجاعا، خصوصاً في ضوء الإشاعات التي رافقت نقل الرئيس اليمني إلى مستشفى عسكري في الرياض لمعالجته من الجروح والحروق التي أصيب بها. كذلك، كان ظهور علي عبدالله صالح على الشاشات التلفزيونية وآثار الحروق على وجهه تطوراً في غاية الأهمية على صعيد تطور الأزمة في اليمن.


تبيّن أن الرئيس اليمني نجا من محاولة اغتيال استهدفت أيضاً التخلص من كبار المسؤولين في البلد. بين هؤلاء رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس النوّاب ونوّاب رئيس الوزراء، وعدد لا بأس به من مساعدي الرئيس. لو قدّر للقنبلتين الأخريين المزروعتين في المسجد الانفجار في الوقت ذاته، لكانت حدثت مجزرة حقيقية قضت على معظم المسؤولين اليمنيين وعلى رأسهم علي عبدالله صالح نفسه.


شاء القدر أن تتعطل القنبلتان الاخريان كما جاء انفجار الثالثة في وقت كان الرئيس ومن حوله ساجدين، فنجا هؤلاء من الموت في حين كان معظم القتلى من ضباط الحرس الرئاسي وعناصره الذين ظلوا واقفين خلال الصلاة. ما حصل يوم الثالث من يونيو الماضي في مسجد «دار الرئاسة» في اليمن كان محاولة انقلابية بكل معنى الكلمة. الواضح أن هناك من اخترق الأمن الرئاسي بطريقة أو بأخرى من منطلق مناطقي على الأرجح.


ما يمكن قوله الآن ان هذه المحاولة الانقلابية فشلت وأنه يفترض في جميع اليمنيين أن يأخذوا ذلك في الاعتبار. صحيح أن علي عبدالله صالح أصيب بحروق كما دخلت جسده شظايا، لكن الصحيح أيضاً أنه لم يشطب من المعادلة السياسية اليمنية وسيكون قادراً بعد شهر أو شهرين من العودة إلى صنعاء لمتابعة علاجه وممارسة صلاحياته نظراً إلى أنه لم يفقد شيئاً من قدراته الذهنية. الأهمّ من ذلك، أنه لا تزال هناك قوات موالية له قادرة على السيطرة على صنعاء ومطارها وعلى مناطق واسعة في اليمن، كما هناك جمهور اسمه جمهور علي عبدالله صالح في صنعاء والمناطق المحيطة بها وحتى في مناطق يمنية أخرى. وهذا الجمهور موجود لأسباب قد تكون عائدة إلى شبكة مصالح كبيرة ربطت كثيرين بالرجل الذي وصل إلى السلطة قبل ثلاثة وثلاثين عاماً بالتمام والكمال.


هذا هو الواقع الذي لا مفر من التعاطي معه. اليمن ليس مصر، ولا تونس، ولا سورية بوضعها الخاص جداً، ولا ليبيا التي هي موضع اهتمام حلف الأطلسي. هناك وضع يمني مختلف يفرض نفسه على كل من يسعى إلى إيجاد مخارج من الأزمة العميقة التي يعاني منها البلد والتي ستكون لها انعكاساتها على منطقة الخليج كله. هل من مخارج في اليمن؟ الجواب نعم كبيرة ولكن في حال اعتماد الحكمة أولاً وأخيراً. بداية البدايات تتلخص بالبحث عن عملية سياسية تؤدي إلى انتقال هادئ للسلطة استناداً إلى نص الدستور. ما لا يمكن تجاهله أن الرئيس اليمني أعلن قبل فترة أنه لا يريد التمديد وليس في وارد التوريث. عملياً، لم يعد قادراً على ذلك. ولكن لماذا لا يمكن الانتظار قليلاً لإيجاد تفاهم يتخلى بموجبه علي عبدالله صالح عن الرئاسة في ظروف لائقة ووفق شروط توفّر ضمانات واضحة له ولأفراد أسرته ولكبار معاونيه ولماذا لا يكون «المؤتمر الشعبي العام» حزباً من الاحزاب اليمنية يتنافس مع غيره في أي انتخابات من أي نوع كان قد يشهدها اليمن يوماً؟


لا تزال المبادرة الخليجية حية ترزق ولا تزال في حاجة إلى توقيع علي عبدالله صالح. يمكن أن يترافق ذلك مع تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها السلطة الحالية والمعارضة، طالما أن أحداً لا يستطيع الغاء أحد في اليمن وأن البديل من المرحلة الانتقالية مزيد من سفك للدماء ومزيد من الشرذمة. المهم أن تكون هناك بداية لعملية سياسية. كان ذلك قريباً، كلما كان في مصلحة اليمن واليمنيين خصوصاً أن البلد الفقير يعاني من مشاكل ضخمة ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تفتيته. لعلّ أخطر ما يشهده اليمن حالياً الوضع في تعز، المدينة الأكبر من حيث عدد السكان، والمناطق المحيطة بها. تضمّ هذه المناطق مع تعز نحو أربعين في المئة من سكان اليمن. هناك حراك في هذه المناطق ذو بعد مذهبي أخذ طابعاً مسلحاً للمرة الأولى في تاريخ اليمن الحديث. فأهل تعز والمناطق القريبة منها كانوا بعيدين عن السلاح وقد انصب اهتمامهم على التجارة والصناعة والزراعة، إضافة إلى وجود علاقة تاريخية ربطتهم بعدن.


لا يمكن التفكير في مخارج لليمن من دون فترة انتقالية يتفاهم خلالها على كيفية الانتقال الهادئ للسلطة بعيداً عن أي نوع من أنواع الرغبة في الانتقام والتشفي. انتقم الحاقدون على علي عبدالله صالح ما فيه الكفاية. عليهم التفكير من الآن في مستقبل اليمن وفي البديل من الانتقال الهادئ للسلطة بما يحافظ على الدستور المعمول به. هل يكون البديل أن يكون علي عبدالله صالح آخر رئيس لليمن الموحد بعدما كان أول رئيس له؟ ولنفترض أن البلد تفتت، وهذا خطر حقيقي، هل من يضمن اقتصار ذلك على وجود إقليمين فقط، كما في الماضي، في ضوء ما تشهده تعز وما يحصل في شمال الشمال؟

*الرأي الكويتية