د. سمير عبد الرحمن شميري
عدن لها نكهة خاصة في سريرتي ووجداني أشعر بألفة وحميمية في شوارعها وأزقتها وميادينها العامة وأقرأ في وجوه أناسها جمال الروح ونظافة العقل وذكاء البصيرة وشقاء وذل وألم إنساني ،أنا ابن لهذه المدينة الوديعة ، ابن لهذا الوطن ، ابن لهذه الأمة المتواضعة التي أهان كبرياءها الزمن .
لا أشعر بألم أو ملل وأنا أشاهد إبداعات ومسرحيات فرقة خليج عدن التي تسير بخطوات عريضة ومتألقة . فالمخرج والمؤلف عمرو جمال وفرقة خليج عدن ايقضوا فينا الإحساس بالتذوق الفني والجمالي والمسرحي وأشعلوا فينا ثورة المتعة الوجدانية والتلذذ بجمال الفن ، فصرنا نعانق تحت هذه السماء الزرقاء ثورة الاعتصام السلمي وثورة التلذذ بجمال الكلمة وخفة الحركة والمسرح الجميل الذي غاب عنا منذ سنوات .
كلما شاهدت مسرحيات المخرج والمبدع عمرو جمال وفرقته الشابة ( فرقة خليج عدن ) التي وطنت في أنفسنا الثقافة البصرية والحسية والسمعية والتذوقية ، كلما تذكرت ما قاله أحد المفكرين : " لا يتذوق الفن إلا من يملك ثقافة فنية " .
إن ما يبدعه عمرو جمال وفرقته المسرحية ليس ضرباً من التكلف المسرحي ولا حركات مسرحية مفعمة بالطمطمة اللفظية الفارغة ، إنه إبداع خال من المشاهد المحبوكة المتصنعة . إن من يشاهد مسرحيات هذا المبدع يؤمن أن هذه الأرض حبلى بالمواهب ، على الرغم من أن هذا الشاب وفرقته المسرحية محاطون بحقول شائكة من الألغام ويمشون فوق أرض مزروعة بالأشواك والسكاكين .
فالمسرحيات متواضعة جداً بإمكانيتها وكبيرة بدلالاتها الفكرية والرمزية والفنية والوطنية ، لقد أستطاع هؤلاء الشباب إن يضعوا بصمتهم في جبين الزمن بطعم جديد وأسلوب رائع يدخل إلى الأفئدة بدون جواز مرور . لقد تجاوزوا الأسوار والمحاجزات فأصبح صوتهم قوي وجهوري يتردد في جنبات الوطن وخارجه ويثقب الصمت ، بتكنيك مسرحي شائق وبلهجة عدنية جميلة الجرس عالية اللذة وببصمات فنية رائعة بدون رتوش ولا
مساحيق تجميل الوجه .
ينتقدون الظواهر السلبية في المجتمع ومسالك النظام الفاسد والسلوكيات المتعفنة والصدوع الداخلية بلغة فنية غير ممجوجة ، ويشيدون معمارهم المسرحي بإتقان ، ويعكسون حركة المجتمع وتفاصيل الأحداث اليومية لحظة بلحظة فيغرسون خيوط الأمل في نفوسنا بمنأى عن أجواء الخوف والرهبة والخنوع .
إن المخرج عمرو جمال وفرقته المسرحية يؤمنون كما يؤمن المبدعون والأحرار بقضية الشعب من أن :
الصمت عار
والخوف عار
من نحن .؟
عشاق النهار
نحيا
نحب ..
نخاصم الأشباح
نحيا في انتظار
سنظل نحفر في الجدار
إما فتحنا ثغرة للنور .. أو متنا على وجه الجدار ( د. عبد العزيز المقالح )
* أستاذ علم الإجتماع بكلية التربية -جامعة عدن