د. سمير عبدالرحمن شميري
أشعر بطعنة ألم قاسية في فؤادي عندما أرى بعيني القتلى والجرحى يسقطون في الشوارع برصاصات حاقدة . شاهدت النار واشتعال الحرائق ، ورأيت الدماء تسيل في الشوارع ، وسمعت أزيز الرصاص ودوي الانفجارات وصلصلة الحديد للآليات والمركبات التي تتجه صوب الشباب المحتجين .
لما هذا الدمار ؟ وما مبررات هذه القوة الباطشة لشبان في ربيع العمر ؟إن هؤلاء الشباب لا يرون بصيص أمل في الأفق ، محرومون من ابسط مقومات العيش الكريم ، يحلمون بوظائف وبغد أفضل ، يحلمون بكساء ودواء وسكن ، وبنظام اجتماعي يحترم آدمية الإنسان ، لا بنظام يضع كعب رجله في أفواه العامة .
إن الأنظمة التي نعيش في كنفها قد فقدت كل مقومات الوجود ، وأضحت كابوساً مرعباً على صدورنا يهدد حياتنا بالفناء ، لقد أدخلتنا في حروب ومحن دموية واقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية . لقد أكلت الخيرات وعطلت الطاقات ، وشوهت وجه الحياة ، وأوقفت ديناميكية الحركة ، وأوصلتنا إلى نقطة حرجة من اليأس والقنوط ،فمن جسدها تنبعث روائح العفونة وتنطلق الفيروسات القاتلة .
لقد التهمت كل شيء وبددت الثروات ، ودمرت البشر والدافعية ، وحولت السواد الأعظم من الشعب إلى فقراء ومتسولين يعيشون على شيء من القلة والشظف ، وأعطبت العقول ومؤسسات العلم والثقافة ، ومحقت الأخلاق وولدت الخراب والبؤس العام ، وفككت صواميل اللحمة الوطنية ، وأحدثت تمزقات وانكسارات في نسيج المجتمع ، ودمرت بشكل قصدي الدولة والمؤسسات والأنظمة والقوانين وحولتها إلى مؤسسات ضعيفة شوهاء تسبح باسم الفرد .
إن الغطرسة والتعنتر الفج ملمح من ملامح الأنظمة القمعية ... فالنظام العادل هو الذي يحمي الشعب ولا يدمر الشعب ، ومؤسسات القوة تحمي المجتمع ولا تدمر المجتمع ، ولا تكتم الأنفاس الطامحة للحرية ولا تطلق الرصاص على الأطفال والنساء والشباب والشيوخ .
إن القمع والبطش العسكري والاستخدام المفرط للقوة ضد المعتصمين الذين يطالبون بإسقاط النظام مسلك غير حكيم . فلا يمكن حل مشاكل المجتمع بالقوة الغليظة والفتن الفتاكة ولا بالرصاص والبطش ولا بإذلال رجولة وكبرياء الشباب .
إطلاق الرصاص على المتظاهرين والمعتصمين خطأ بالغ القسوة وجريمة لا تغتفر والرصاصات الخبية التي قتلت الأبرياء في شوارع صنعاء و عدن وتعز والمكلا والبيضاء ولحج ومأرب والحديدة والضالع وأبين وشبوة وعمران وحجة وذمار والجوف ... في ساحات الحرية ، كان يجب أن تصوب الرصاصات في رؤوس وأفئدة الفاسدين ، وليس في رؤوس وقلوب الطامحين للتغيير .
إني أشعر بالعزة عندما أرى هذه الرؤوس الشامخة في ساحات التغيير تطالب بطريقة حضارية وسلمية بإسقاط النظام وبحقوقها في الحرية والعدل والإنصاف والمواطنة الواحدة وبلقمة عيش نظيفة و بإجتثاث الفساد الذي تحول إلى معول ناسف لطموحاتنا وكسر أضلعنا وأعمى بصرنا وبصيرتنا وجعلنا نعيش في دوامة من القلق والخوف والفوضى والفقر المدقع و الإعتساف والبلطجة والنهب والتدمير العمدي للقيم المدنية .
إني احترم هذه الصدور العارية التي تصد رصاصات الغدر وتكسر رماح وخناجر و نصال البلاطجة وتؤازر الحق وتقاوم الظلم والهيمنة والنهب والتهميش وسياسة لي الذراع ومنهج إخراس صوت الشعب أن سقوط أكثر من 40 قتيلاً و200 جريحاً في ساحة التغير بصنعاء يوم الجمعة الدامية 18 /3 /2011 م برصاصات القناصة المحترفين وبأيدي القوات النظامية الرسمية جريمة بشعة يندى لها الجبين وعمل غير أخلاقي وغير متعقل يشعل النيران ويؤدي إلى تداعيات خطيرة وإلى مزيد من تأزيم الفضاء العام .
أشكركم أيها المعتصمون من رجال ونساء وشيوخ وأطفال على شجاعتكم ، لقد بددتم الخوف الذي يقبع في النفوس ، شجعتم الشعب على الثبات والوقوف في وجه المتجبرين ، خلقتم في أفئدة الناس إرادة فولاذية لا تهزم تقاوم الأغلال والقوة والغطرسة والغرور الزائف ،لقد أشفيتم علل الجسد وأوجاع الروح ورممتم الصدوع والتشققات في وجداننا وحركتم المياه الراكدة ، وأشعلتم شرارة الثورة السلمية ، وأيقظتم العقول النائمة التي افترستها أحاسيس العجز والخنوع .
إننا نؤيدكم في سلامة القصد ونـُــبل الغاية وحماسة الانطلاق ، نؤيدكم ونشد على أياديكم في صلابة ورسوخ مواقفكم الهادفة إلى التغيير وللخروج من ظلمات الفوضى وقوقعة التجمد ،فقضيتكم عادلة وواضحة كمقلة شمس والشمس التي تحلمون بها أراها تخرج من جوف الليل الدامس .
*أستاذ علم الإجتماع بكلية التربية –جامعة عدن