آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-02:57ص

من القادم إلى البيت الأبيض ؟

الإثنين - 07 مارس 2016 - الساعة 11:48 ص

محمد الرميحي
بقلم: محمد الرميحي
- ارشيف الكاتب


السؤال في العنوان يحتمل الكثير من الأسئلة الفرعية. قبل الإجابة عليه ،ومن أمثال تلك الأسئلة الفرعية، هل يهمنا نحن في الشرق الأوسط والعرب علي وجه التحديد من هو القادم الي الحكم في الولايات المتحدة؟ وكثيرا ما قيل لنا إنها بلاد تحكم من خلال ( مؤسسات) لا من خلال رغبات ( أفراد) ! ثم هل سوف نتأثر نحن العرب بتغير ( الحرس ) في البيت الأبيض، البعيد نسبيا وجغرافيا عن محيطنا؟

ربما الإجابة عندي هي نعم بكل تأكيد، فمازالت الولايات المتحدة عنصرا فاعلا في تشكيل الكثير من السياسات الدولية، بما فيها ما يؤثر علي بلداننا العربية نسبيا ، في وقت وصلت فيه السيولة السياسية في المنطقة أقصاها. نحن نعرف أن هناك حزبين عادة ما يتنافسان علي المكتب البيضاوي كل أربع سنوات في الولايات المتحدة، وفي بعض الأوقات يحصل الرئيس القابض علي الحكم فرصة لسنوات أربع أخري، كما حصل مع السيد باراك أوباما. اليوم الحزبان هما نفسهما الديمقراطي و الجمهوري، والأشخاص اختلفت اجتهاداتهم، فالأول يبدو أن المرشح الأكثر حظا هو السيدة هيلاري كلينتون، وهي (القديمة) في الشأن السياسي، وليست بعيدة عن أجواء البيت الأبيض، فقد كانت زوجة لرئيس سابق هو بل كلينتون وهي السيدة الأولي وقتها، عدي خوضها تنافسا صراعيا مع باراك أوباما عندما سعي الاثنان قبل ثماني سنوات للفوز بترشيح حزبهما للسباق الرئاسي، وقتها فاز السيد أوباما، ولكنها التحقت بإدارته لمدة أربع سنوات كوزيرة للخارجية.

الاختلاف هو في الحزب الجمهوري الذي يحتاج ما يدور فيه إلي معرفة معقولة من قبلنا نحن العرب، ومحاولة تفسير ما يحدث في صفوفه. فقد ترشح عدد من الجمهوريين لدخول السباق الأولي من بينهم دونالد ترامب المليونير القادم جزئيا من خارج كوادر الحزب الجمهوري المباشرة، هو مليونير و صاحب أعمال صناعية وتجارية ضخمة، لكن أيضا شديد الميل إلي التطرف، لم يكن كثيرون يعتقدون أن له حظا في السباق عندما انطلق، نظر إليه المراقبون انه (فقاعة) سياسية لتسخين المشهد السباقي سرعان ما يخفت بريقه، إلا أن حصوله علي أصوات مندوبين لسبع ولايات من إحدي عشرة ولاية في التمهيد الأولي لاختيار مرشح الحزب في انتخابات (الثلاثاء الكبير) (الأول من هذا الشهر) كما يعرف في التاريخ الانتخابي الأمريكي، وضع الرجل (بجدية) قدميه بشكل أكثر ثباتا من قبل في احتمال وصوله إلي التزكية من الحزب في اجتماعه في الخريف القادم!

السؤال الكبير ما هي الأسباب التي جعلت من دونالد ترامب بهذه الشعبية، وحصوله علي تلك الأصوات من ذلك العدد من الولايات، الأمر لم يعد (مزحة) علي الرغم من شعاراته وتصريحاته الكثيرة التي اقل ما يقال فيها إنها يمينية وعنصرية، حتي الحبر الأعظم بابا روما انتقد تلك التصريحات،عندما قال ما معناه، إن الرجال الحكماء يخفضون الأسوار، لا يُعلوها بين الشعوب، تعليقا علي تصريحات ترامب التي قال فيها انه سوف يمنع الهجرة من المكسيك المجاورة ويبني جدارا حدوديا، و تدفع المكسيك أيضا كل تكلفته! لم يكن ذلك هو الشعار الوحيد المستفز للعقلاء، بل تحدث عن أن قوة أمريكا في العنصر (الأبيض) فقط، وقد طرد أكثر من مرة رجالا ونساء سودا (أمريكان من أصل إفريقي) من مقر حملته، كما تحدث عن منع المسلمين من دخول أمريكا، وربما حرب مع الصين، لأنها تسرق (وظائف) الأمريكان! وقبوله بتأييد طائفة متطرفة بيضا هي (الكلوكسكلان) اليمينية والذي طالبه البعض برفض تأييدها له ولم يفعل. علي الصعيد العربي كال ترامب الكثير من النقد حول سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، ليس سياسة الديمقراطيين فقط، ولكن حتي الجمهوريين أيضا خاصة سياسة بوش الابن الذي قال عنه إن سلام الشرق الأوسط للفوضي جراء سياسته، وكذب علي الجمهور الأمريكي بادعاء أن العراق وقتها تملك أسلحة دمار شامل، بل ودافع عن فكرة أن تحكم (داعش) سوريا وغيرها من المناطق، لان ذلك ليس من اهتمام الولايات المتحدة.

سلسلة تصريحات السيد ترامب في الشؤون الداخلية الأمريكية والخارجية لم تعد سرا ، هي في مجملها تتوجه (العزلة) عن العالم والعزلة الداخلية بين الأعراق المنتمية للولايات المتحدة والعدوانية علي الأعراق والجماعات الأخري التي تشكل في رأيه تهديدا لاقتصاد الولايات المتحدة. كل ذلك معروف وليس جديدا.

الجديد الذي أريد أن ألفت النظر إليه هو أن السيد ترامب لو قال ما قاله من هذا القبيل ولم يلتفت إلي فجاجته احد، لقلنا إن الديمقراطية تصلح نفسها ولا بأس من بعض (الشذوذ) إلا أن الأمر أكثر جدية، فكيف يمكن لمثل تلك الأقوال المغرقة في العنصرية والناظرة إلي الداخل الأبيض الأمريكي باعتباره العنصر المختار ، كيف لها أن تحصد كل تلك الأصوات من الناخبين؟ تلك قضية يجب أن نتوقف أمامها و نحاول تحليلها.

لابد أن الجمهور الناخب (علي الأقل الجمهوري) قد ضاق ذرعا بالسياسات الليبرالية التي تمت في السنوات الأخيرة، من قبل يمين الوسط (الجمهوري) و(يسار الوسط) الديمقراطي، في كل من سياسات بل كلينتون وجورج بوش وما بعدهما، علي الأقل في العقود الثلاثة الماضية، وأصبح الجمهور الأمريكي أو قطاع منه يضع اللوم في أسباب التدهور الاقتصادي والأزمات المتكررة والتردد في السياسة الخارجية، علي تلك السياسات المتخذة، والتي يرغب الآن أن يفارقها بشكل معاكس ،وعندما تدغدغ آماله من قبل أشخاص مثل السيد دونالد ترامب، علي سذاجة وسطحية ما يطرح، يستقطب ذلك الجمهور. ما يشد الجمهور سياسات لها مواصفات التحيز العرقي والجنسي والمناطقي وأيضا تجاه الآخر خارج الحدود سواء من المهاجرين، أو الدول أو المناطق البعيدة وهي سياسات سلبية .

ما يطرحه ترامب لا يستوعبه العقل المتوازن، ربما تنجذب إليه العاطفة، لأن الجمهور الأمريكي اليوم في حيرة من أمره ويبحث عن بديل، وهو دليل آخر علي أن (المرحلة) الأمريكية في العالم تتجه إلي الانحسار، هي لم تنحسر بعد، ولكن مظاهر مرض الانحسار يمكن قراءتها في ساحة الصراع الانتخابي الحاصل هناك وسذاجة الطرح في البرامج الانتخابية. فهناك مجموعة ديمقراطية لم تجد أمامها إلا السيدة هيلاري كلينتون وهي الليبرالية القديمة، يعاضدها تاريخ مناصرة زوجها للأقليات، حتي قيل في أدبيات السياسة الأمريكية إن (بل كلينتون أول رئيس أمريكي اسود) كناية عن مناصرته لحقوق السود إبان رئاسته، ولم يستطع الديمقراطيون تقديم وجه أو وجوه جديدة بسياسات طازجة تتعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين، كما أن الجمهوريين يفرض عليها متشدد من رجال الأعمال خارج السرب التقليدي للجمهوريين، ويكسب كل تلك المكاسب بين الجمهور الذي يريد التغيير ولكن ليس أمامه تغيير ايجابي بل سلبي.

خلاصة الأمر إن القرن الأمريكي في العالم الذي بدا ربما بعد الحرب العالمية الثانية يتجه إلي الأفول، لأسباب داخلية وخارجية، كما أن القوي الأخري الدولية مصابة بنفس فيروس الضعف والأفول لأسباب اقتصادية وأيديولوجية كامنة أو ظاهرة. خاصة بها، بقي النظر حولنا في هذا الإقليم العربي الذي يحتاج إلي نظرة إستراتيجية واسعة ومتكاملة لقراءة ذكية للمتغيرات والاستعداد لمفاجآتها، من أجل الحفاظ علي مصالحنا المهددة من قوي إقليمية، تري أفول القوي الكبري فرصة سانحة للتمدد في خاصرتنا العربية.

نقلا عن “الاهرام” المصرية