آخر تحديث :الأربعاء-30 أكتوبر 2024-10:23م

وإذا خاصم فجر

الأربعاء - 13 أغسطس 2014 - الساعة 07:16 م
فاروق المفلحي

بقلم: فاروق المفلحي
- ارشيف الكاتب


سأتحدث هنا عن الخصومات في وطننا، والذي إذا قيض لها أن تشتعل، ومنها خصومات وعداوات إلى الان الا زالت تعتمل في القلوب، تتلظى كالنار. وهي كل يوم تأكل أصحابها، بل والوطن أن لم تجد ما تأكله، وإذا قيض لهذه الخصومات أن تكتمل أركانها؛ لذهبت لأصبحنا في قبضة التوحش المهالك والفناء، وهذه الخصومات ليس للوطن فيها لا ناقة ولا جمل. وكنا نحن نعم حصادها ووقودها وهشيمها.

 

بعد ان كُشفت مؤامرة النفق من شارع صخر. ولطف الله بعباده؛ فان العقل اليوم مطلوب استحضاره بسرعة وبقوة من بين كل هذه الموجعات والآلام والخيانات. ويا للهول!!  كيف أصبحت العداوات قوتنا اليومي وهمّنا وهواجسنا، وأصبحت منتشرة نيرانها وسكاكينها وصواطيرها من صنعاء إلى حضرموت، وإلى صعدة، وعدن، وتعز، والضالع، وكل بقاع الوطن من الجبل إلى البحر.

 

اليوم تنتشر هذه العداوات كما تنتشر النار في الهشيم، وتضرى كل وتتوحش، وهي تستشري ومنتشرة بكل ترصد واتقان وهندسيا وبالقلم والمنقلة والفرجال، تغذيها الأحقاد واستحضار الماضي وتتفنن في سردها واشعالها و(شعللتها) الناس والمقايل والأقاويل والدسائس والمنابر والصحف والمحطات الفضائية بل وتصب زيتها على النار الجهالات القبلية المقيتة وتتوغل في النفوس الى مرحلة الفناء والعدمية.

 

وأشير إلى ما كانت ستكشفه الأقدار من أهوال ونكال إذا تحققت مآرب مخططي نفق (شارع صخر) في صنعاء، فان وقعت كارثتها - لا سمح الله - واكتملت أركانها؛ فإنها كانت سوف تولد (سونامي) كاسح يأخذ كل الوطن على موجة الحقد والغل والجنون ويلقي به إلى مهاوي الردى.

 

لقد توقفت بذهول، بل وصدمة، (وما أكثر الصدمات في وطني). توقفت عند خبر مشروع حفر النفق من شارع صخر ليمتد الى قصر الرئيس السابق علي عبد الله صالح . لتفجير قصره بوضع عبوات تحت أساساته وليس كما قيل لبلوغ المسجد! وهذا هو التحليل الأدق لهذه العملية المخيفة.

 

علمًا أن الرئيس السابق (صالح) لا زال يغالب مواجعه، وتذكروا إخوتي إنه لم يأمر حين وقوع حادثة القصر بالانتقام العدمي، وكانت رسالته الاولى وهو ينزف ويصارع الموت أن لا تنتقموا ولا تردوا واحموني فقط، وهذا موقف انساني لا يمتثل به في وقت عصيب وموت محدق لا يتمثل به إلّا رجل عاقل وحصيف، ولكن نحن في خضم العدوات والخصومات لا ننصف اي خصم ولا نذكر له، الّا ما نحب ان نسمعه من عيوب.

 

كما وان الرئيس السابق (صالح) لا زال يكابد جراحاته ومواجعه واحزانه على فقدان اعز واخلص اصحابه ومنهم رئيس الوزراء السابق وصديق الرئيس الحميم المرحوم عبد العزيز عبد الغني طيب الله ثراه . ولقد كان ولا زال الرئيس يعاني من جرّاء حادث مسجد القصر الجمهوري و الى اليوم يعاني ، فجاءت مؤامرة النفق لترسم اهوالها وتجد الجرح ،وهذا هو ما نطلق عليه باللغة العامية (يا جرح فوق مكوى).

 

عن هذه الخطة المخيفة الماكرة، ولحسن حظ الوطن، فأنها لم تكتمل اركانها، ولو كانت اكتملت اركانها لمزقت الوطن شر تمزيق ، ولدخلنا في صراع لا يُبقي ولا يذر وانصافا وان كنت لست مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، في مواقف سابقة ، الا انني اشجب ان تصل الخصومات والانتقامات بينه وبين خصومه الى هذا الفجور والعدمية والشر المستطير!

 

لقد صدمني الخبر ، لأنني ادرك بل انني موقن انه لولى لطف الله بنا، لكنا اليوم قد راينا صنعاء تشتعل بحرائقها، فما كان سيقع من تفجير او قتل مروع و لن يمر دون انتقامات عدمية ساحقة ماحقة . ويقيني بعدها ان الوطن لن يتعافى مما اصابه، وستأخذنا الانتقامات الى مهالكنا جميعا.

 

وعن النفق فمن كانوا يرسمون خططهم عن غل ، ولم يبلغوا هدفهم فقد لطف الله بعباده . كان هدفهم هو القيام بجريمة استئصالية ، بحيث يعتقد ان من يقوم بها انه لو نجح فقد انتصر على خصومه وسادت الدنيا له .

 

والحقيقة انه هذا العمل المخيف كان سوف يفتح على الوطن ابواب جهنم، والنار كانت ستأتي على الجميع، فتحرق الاخضر واليابس، حيث اليمن من المجتمعات المتخلفة المتسلحة حتى اسنانها . تحب الشحناء وتميل الى الانتقامات السريعة ، حيث اننا ننتقم ونمارس حمقنا وجهالاتنا خارج منظومة القانون، ولا نعود الى القانون الا بعد ان نكون قد استنفذنا طاقتنا وارواحنا ، في الانتقام والقتل.

 

وما هو الحل اذن؟ بعد ان اكتشفنا خطوط العملية وما قاموا به هؤلاء المتربصون او المجموعة من تخطيط مخيف متقن ، لم يشهد مثله الوطن عبر تاريخه . فتقنيات حفر انفاق بهذه الدقة مع توفر معدات حديثة ووسائل حفر ومولدات كهربائية وربما اسطوانات اكسجين ومضخات مياه . هذه المعدات الحديثة لحفر الانفاق، تعبر عن اتقان وتفنن في الحقد.

 

وعن مشروع العملية فقد رافقتها تقنيات اخرى منها تلافي الانحراف وتلافي الانهيارات بل وتزويدهم اي العمال بكمامات وبالأكل والشراب والقات والمداكي بل وربما الاكسجين . ومن اهمها ايضا كيفية ايهام ان الورشة او الهنجر يختزن بضائع متداولة ، تدخل وتخرج ، وهي في الواقع ليست سوى اتربة وصخور. تصدر وتورد اليه اجهزة ومولدات واخشاب تصل الى الموقع بكل سرية وحذق.

 

هذا العمل ليس سهلا بل متقنا وفنيا ، وهو عمل هندسي لا يتقنه الكثيرون من المهندسين .بل والادهى عمل ، يتطلب سرية عالية واموال طائلة . وكان لو سمح الله لو حدث فسوف يحقق هدف المُنتقم . ولكنه كان سوف يشعل الوطن من اقصاه الى اقصاه .

 

اين تكمن الحكمة واين الحلول ؟ بعد ان فضحتنا احقادنا وكشفت غلنا .ونزعت عنا صفة أراف قلوب والين افئدة نزعتها تماما والى قرون قادمة . بعد كل هذا لا نركن على حكمتنا ولا نتشدق بها فلقد بعناها بيع المزاد الانكد في شارع صخر .

 

ويقيني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالها عن اليمنيين في وقت كانوا ابناء اليمن يتمتعون بحكمة الملكة بلقيس وورع وزهد ابي هريرة ورقة الحضارم والاشاعرة . وفروسية سيف بن ذي يزن وشموخ وكرم أمرى القيس . .قالها رسولنا في ذلك الوقت ، اما اليوم فنحن احمق اهل الارض واجهلهم واشر عباد الله في الارض.

 

نعود الى ما العمل؟ . واملي من كل كاتب يتحدث عن هذه الفاجعة . ان يضع الخبر ويقترح ضمن سرده للحدث عن مخارج . وبعض الحلول او المقترحات. واملي كمقترح وقد يكون مقترحا طوباويا . ولكنها فكرة قد تصيب او تخيب .

 

والفكرة تتلخص في ان يهب الاخ الرئيس عبدربه منصور هادي الى معالجة ما اعترى المصالحة الهشة من (نكوص) عند لقاء مسجد الصالح في صباحية عيد الفطر . والتي علمنا ، ان المملكة والاخ الرئيس هادي قد رموا بكل ثقلهم خلفها والدفع بها الى ان وصلت ما وصلت اليه.

 

وأمنيتي أن يهب، و ان لا يفقد الرئيس (هادي) حماسه في غمره الحنق والغضب التي تعتري القلوب الان . ان يهب ويعمل بكل حماس ودأب على ايجاد لقاء عاجل يجمع كل الاطراف على مستوى الساحة ،كل الاطراف، الاصلاح وقياداته وشيوخ حاشد والقيادات الحزبية من كل مساحة الوطن ومنهم والاهم اطراف الصراع الشيخ صادق الاحمر وحميد الاحمر والزنداني والحوثيون واللواء علي مسحن الاحمر . . والمشترك بكل حلفائه بل و قادة الحراك ،جميع القادة في الداخل والخارج . والبحث عن تصالح وتسامح وطني شامل والتوثيق والتعاهد لعهد جديد و على نبذ الفرقة والغل والحقد والانتقام والخروج بالوطن من هذه الوعثاء .

 

ويقيني ان ذلك لن يتأتى بدون ان تكون المملكة العربية السعودية حاضرة وبقوة وبكل اخلاص وتفاني حاضرة في هذه اللقاء فهي اعرف باليمن وخلافاته واحقاده ودسائسه اعرف بها، من ابناء اليمن انفسهم. بل ومن المستحب اشراك مندوبين عن الدول الراعية للحوار مع حضور المندوب الدولي جمال بنعمر .ربما نخلص الوطن من سقوطه واذا فلشلنا فيكفي المحاولة على ان لا تتوقف المحاولات ابدا.

 

هل نتعظ وهل نعتبر من هذه المؤامرات والغل والحقد؟  لقد كنا قاب قوسين أو أدنى نلمس بوادر تعايش ومصالحة، ولكن جاء خبر النفق ليضع الوطن برمته في نفق مظلم، لا نعرف كيف الخروج منه، ولكن يبدو لنا في نهايته بصيص نور؛ لنقتفي شعاعه، فلعله مخرجنا من بين سدل الظلمات، في أنفاق الوطن المخيفة.