آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-11:47ص

ملفات وتحقيقات


تحليل: العسكريون العائدون.. هل حان موسم الهجرة العكسية إلى الشمال؟

الأربعاء - 07 يونيو 2023 - 09:29 ص بتوقيت عدن

تحليل: العسكريون العائدون.. هل حان موسم الهجرة العكسية إلى الشمال؟

(عدن الغد)خاص:

قراءة في ظاهرة عودة العسكريين الشماليين إلى المناطق الخاضعة للحوثيين ومعرفة أسبابها ودوافعها وآثارها على سير المعركة ضد الحوثيين..

لماذا يعود العسكريون الشماليون إلى مناطق الحوثي؟

لماذا يتم تحمليهم أخطاء الضربات الجوية وهل من المنطق اتهامهم بذلك؟

ما الذي ستخسره الشرعية اليمنية بعودتهم.. وهل لها وجود أصلا؟

هل عاد مدير مكتب الفريق الأحمر حقاً أم أنها مجرد بروباجندا حوثية؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

"اللهم احفظ الجمهورية إلى النصف والملكية إلى النصف"، هكذا قال قائلهم في الستينيات من القرن الفائت إبان حرب الجمهورية والملكية في صنعاء.

حينها كان يتدفق ذهب الملك وفضة الزعيم على اليمن الشمالي، فلم تكن المصلحة أن تنتهي الحرب لأي طرف.

يثير العائدون من العسكريين الذين قاتلوا في صفوف الشرعية ضد الحوثيين الكثير من التساؤلات والشكوك، فلا ندري من سيكون غدا بين يدي محافظ ذمار محمد البخيتي، المُعين من قبل الحوثيين؟.

ليست هذه المرة الوحيدة التي عادت فيها قيادات عسكرية محسوبة على العسكرية الشمالية، وبالطبع لن يكون مدير مكتب اللواء علي محسن في محافظة الحديدة، العميد عبدالحميد  النهاري، إن صدقت الأخبار، هو آخر العائدين.

فمن الذين استقبلهم البخيتي أيضا معاذ مرشد العميري قائد محور البقع رئيس دائرة التدريب في المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت والعقيد بكيل الحباري قائد بالقوات الجوية بالجيش الوطني ونائب مطار مأرب الدولي العميد ناجي داحم.

لم يكونوا عسكريين عاديين، فالبعض منهم كان ممسكا بملفات عسكرية مهمة.

ولن تقف ظاهرة الهجرة العكسية إلى الشمال حيث ينتظر البخيتي العائدين، فلربما البعض قد أكمل مهمته، وإذا ما أحسنا الظن بهم فلربما عانوا من التهميش والإقصاء وطال بهم المقام في الحرب حتى ظنوا أن لا هدف ولانهاية لهذه الحرب اللعينة.

ومنذ اندلاع الحرب في اليمن والمواقف تتبدل، وليست مقتصرة على العسكريين بل شملت شرائح من المجتمع والنخبة السياسية اليمنية، ولا يمر وقت إلا ونسمع أن فلانا قد انتقل إلى ضفة الخصم والقتال في صفه، وأنه بحسب وصف الحوثيين له، كان من المغرر بهم وحانت لحظة العودة إلى صف الوطن، الوطن كما يراه الحوثيون من وجهة نظرهم بالطبع.

وعلق نائب وزير خارجية الحوثيين حسين العزي بقول نسبه إلى قائد الجيوش العثمانية فيضي باشا حين قال: "إذا غزوت اليمن فلا تبالغ في دعم أي يمني يلتحق بك، لأنه سيقسمه 3 أجزاء: جزء لأخيه الذي يحاربك، وجزء ضمان عودة يبيعه ويأكل ثمنه، وجزء يخفيه ليضربك به لاحقا".

> العائدون.. بين الخيانة والتماس العذر

يذكر الإعلامي العسكري عبدالرحمن المصري الذي ينتمي إلى محافظة ذمار ويعمل في التوجيه المعنوي في مأرب بعضا من هده الأسباب بقوله: إن قطاعا كبيرا من القيادات والسياسيين الذين فروا خلال السنوات الماضية من مناطق سيطرة الحوثيين إلى مأرب عادوا مجددا إلى مناطقهم في صنعاء ومحيطها.

وأشار المصري إلى أن عودة هذا القطاع الكبير من القيادات والعسكريين جاء بسبب ما أسماها بتصرفات القيادات العسكرية في مأرب.

وأقسم المصري "يمينا مغلظة" في سياق حديثه قائلا: أقسم بالله العظيم الذي خلق السماوات والأرض إن كثيرا من الشباب الأبطال ومن خيرة القوم عادوا إلى المناطق التي تحت سيطرة الحوثيين والقيادة يعلمون بذلك، بسبب تصرفات القيادات العسكرية السيئة"، واصفا إياها بأنها "أسوأ قيادة عرفها التاريخ".

ثم ذكر المصري بعض معاناة العسكريين العائدين بأنهم "عاشوا مشردين ونازحين وباعوا كل ما تحتهم وما فوقهم".

ويشاطر المصري آخرون، وينصحون بتخفيف اللوم على العسكريين الذين عادوا، فقد تركوا آهلهم ومنازلهم ومصالحهم تحت يد الحوثيين ثم ذهبوا للقتال مع الشرعية، ولكن قياداتهم خلال السنوات الثمان لم يكونوا معهم إلا في إجازات العيد أو الأعياد الوطنية الرسمية لإشعال شعلة الثورة والجمهورية هنا أو هناك.

لكن في المقابل هناك من وصف هؤلاء القادة العائدين إلى المناطق الخاضعة للحوثيين بـ"الخونة" الذين أدوا مهمتهم في الفترة السابقة، وأن هذه القيادات كانت تتخادم مع الحوثيين، خصوصا البعض منهم ممن كان ممسكا بملفات عسكرية مهمة.

ويصنف البعض العسكريين إلى أربع فئات: فئة عادوا بعد أن أكملوا مهمتهم لصالح الحوثيين طواعية، دون أي ضغوط، وفئة تعرضوا لمضايقات وظروف سيئة من قبل قياداتهم وفضلوا العودة، وفئة ثالثة تخشى من فوات ممتلكاتها الواقعة في نطاق الحوثي وتخشى عليها من المصادرة، والفئة الأخيرة ما تزال ثابتة على قناعاتها ونصرة  قضيتها، وعليها تفرض الضغوط حتى تسلم وتترك تلك القيم وتعود.

كما لا ينسى البعض أن يضيف فئة خامسة وهي التي تخشى من موجة الكراهية لدعاة الانفصال أن تطالهم، وهذا ينطبق على العسكريين الذين غادروا مدينة سيئون مقر قيادة المنطقة العسكرية الأولى التي يطالب أنصار الانتقالي بخروجها.

> العائدون وضربات التحالف.. الماضي يعيد نفسه

ما إن يعود ضابط مهم إلا وتوجه إليه التهمة بأنه كان يرفع إحداثيات خاطئة لغرفة التحالف، وإن 90% من ضربات الطيران الخاطئة سواء أكانت للمواقع العسكرية أو معظم الأعيان المدنية كان يقف وراءها هذا الضابط أو ذاك.

كما أن البعض ينسب نجاة الحوثيين من ضربات الطيران إلى هؤلاء اللذين يسربون المعلومات، ولاسيما العسكريين الذين كانوا مرتبطين بقيادات عسكرية كبيرة وتشغل مناصب مهمة وحساسة كاللواء علي محسن الأحمر، على سبيل المثال وليس الحصر.

وأشار أصحاب هذا الرأي إلى أن مثل هؤلاء العسكريين قد تسببوا بمقتل وجرح أكثر من 60 ألف جندي مصري في حروب الجمهورية والملكية، وأن هذا الصنف من العسكريين- حسب وصفهم- قد "دوخ" بالزعيم جمال عبد الناصر وجيشه بالنظر إلى حجم الدور الذي كان يلعبه (جمهوري في النهار وملكي في الليل)!.

يخشى البعض أن تكون قد تسربت ملفات وأسرار عسكرية مهمة ومحاضر اجتماعات سرية قد تخدم الحوثيين في معركتهم ضد التحالف العربي بقيادة السعودية، ويرجع من يذهب لهذا الرأي إلى أن الحوثي قد تمكن بالخدمات التي قدمها هؤلاء من إطالة أمد الحرب، وهي لم تكن تحتاج كل هذا الوقت، لولا التخادم الذي جرى بين الحوثيين وقيادات عسكرية ومدنية على هرم الشرعية اليمنية.

ومع كل عسكري يعود إلى صنعاء يتذكر البعض الذين خانوا الأمانة، ويبدأ يتحسر على الشباب الذين قضوا نتيجة الإحداثيات الخاطئة وذهبوا ضحية لها أو على أولئك الشباب الذين سقطوا في معارك انسحبت قياداتهم منها.

وهناك من عاد بذاكرته إلى الوراء وبدأ يحصي الضربات الخاطئة للتحالف ويحملها "خونة الإحداثيات"، وكيف أنها لم تترك ملعبا ولا فندقا ولا جولة ولا محطة وقود ولا طريقا ولا جسرا ولا معلما تاريخيا وحضاريا ولا سوقا ولا مستشفى ولا مدارس ولا مصانع ولا صوامع غلال.

ومع كل عسكري منشق وعائد يظل السؤال قائما لماذا عادوا وما أسباب هذه العودة؟.

> عودتهم.. هل تضر الشرعية؟

بصيغة التهكم يتساءل أحدهم: "ما الذي تبقى لدى الشرعية من عناصر القوة لتستمر في بيع الوهم للتحالف وللعالم أجمع؟". ثم تأتي منه الإجابة على هذا النحو: "لم تستطع الشرعية اليمنية تحقيق انتصار واحد حين كانت تملك نصف مليون مقاتل، فماذا ستحقق اليوم بعد أن انشق عنها معظم القيادات والأفراد؟!".

لا يتوانى بعضهم في استذكار الخيانات لبعض قيادات الجيش أيضا طيلة سنوات الحرب الثمان.

وكما يبدو فإن كل شيء محفوظ لدى الكثيرين، فمن خيانة وصول أسلحة التحالف والطيران المسير إلى الحوثيين، إلى الانسحابات العسكرية من جبهات القتال في الشمال والشرق والغرب.

ومن موقع الانتشاء بعودة العسكريين يغرد في تويتر حسين العزي   المعين من قبل الحوثيين نائبا لوزير الخارجية قائلا: تريدون اللعب على المكشوف؟. يجيب العزي: حسنا.. باتت العديد من معسكرات الخصوم تدين لنا بالولاء ومفاجآتنا ستذهل العالم!.

وهنا لا تدري إن كان العزي يقول الحقيقة أم يرسل رسائله لأكثر من طرف بغية خلط الأوراق، وفي سياق الحرب النفسية التي يحترفها العزي، وليست هي المرة الأولى التي يعلق بهكذا تعليق مثير للجدل.

لم تفت تغريدة العزي مغردا جنوبيا حين رد عليها بقوله: لم تأت يا عزي بجديد وما تعتبره سرا نحن نعرفه منذ سنوات، كلكم الشمال واحد في الانتماء والهوية والهدف قد تختلفون قليلا على التقاسم والحصص، ولكنكم ضد الجنوب واحد (حوثي وإصلاحي ومؤتمري)، فالشماليون حسب وصفه جبهة واحدة والدليل 8 سنوات مسرحيات ومن لم يلتحق بكم اليوم سيلتحق بكم غدا.

> هل عاد النهاري حقاً؟!

يتساءل أحد المستاءين من عودة العسكريين إلى مناطق الحوثي بهذا السؤال: لماذا تستغربون من وصول النهاري أو الأهدل إلى صنعاء، فقد عاد إلى أبناء عمومته، وهنا يشير إلى أن ألقاب هؤلاء العسكريين تعود إلى الهاشمية السياسية.

ثم يواصل حديثه: هل كان علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح يدرك حقيقة وأمثال هؤلاء من الذين عادوا أو ما يزالون في أواسطهم أو أن المسرحية مشتركة وما يحدث مجرد لعب أدوار على أرضية مشتركة.

يرى آخرون أن التعميم هنا فيه تحامل في غير محله، وأن كل من عاد إلى صنعاء ليس بالضرورة هاشميا أو إصلاحيا، فمن أبناء القبائل الكثير منهم قد عاد أيضا ومن أحزاب أخرى، وليس الأمر محصورا على أبناء الهاشميين ولا على حزب الإصلاح، بل إن بعض الهاشميين استشهدوا في صف الشرعية والكثير من الإصلاحيين ولم يفرطوا بالقضية الوطنية.

وفي نفس السياق نفى موقع المصدر أونلاين القريب من علي محسن الأحمر في معرض دفاعه عن الأحمر أن عبدالحميد النهاري الذي استقبله محمد البخيتي ضابط برتبة عميد يدعى عبدالحميد النهاري لا علاقة له بمكتب الفريق على محسن صالح، بل إن آخر عمل له في السلك العسكري قبل 2015 كان قائد كتيبة في محافظة الحديدة التي كانت ضمن انتشار الوحدات التابعة للفرقة الأولى مدرع.

وقال المصدر أونلاين إن العميد عبدالحميد النهاري ينتمي إلى مديرية زبيد وهو من الضباط الذين أعلنوا ولاءهم للمليشيا بعد سيطرتها على صنعاء عام 2014، وسافر إلى صعدة لإعلان الولاء لجماعة الحوثي مبديا استعداده للعمل ضمن المنظومة الجديدة، وحسب ما نقل مقربون منه، فإن ذلك الموقف كان بدافع الحفاظ على أراض وعقارات كثيرة في صنعاء والحديدة اكتسبها أثناء عمله كقائد عسكري.

يضيف المصدر أونلاين، حسب المعلومات التي تقصاها، فإن موقفه هذا وتوظيفه لنسبه كونه ينتمي لعائلات هاشمية، لم يكن كافيا لصد شهية النهب لدى المليشيا القادمة من الجبال وحماية ممتلكاته إذ وضع الحوثيون يدهم عليها ضمن ما سيطروا عليه في صنعاء والحديدة، ولم يشفع له موقفه لحمايتها إذ ظل في نظرهم مصنفا ضمن العملاء.

وتابع المصدر أونلاين: بعد أن فشلت محاولات النهاري في حماية ممتلكاته غادر صنعاء في وقت متأخر عام 2016 إلى مدينة مأرب عام 2016، لكن موقفه السابق في صنعاء أفشل جهوده في محاولة إقناع قيادة الجيش التابع للحكومة الشرعية في الحصول على منصب.

وزاد المصدر: بقي النهاري في مأرب فترة قصيرة ثم انتقل إلى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت حيث استقر فيها كغيره من السكان الذين فروا من مناطق سيطرة المليشيا، بالإضافة لمحاولته الحصول على العلاج حيث يعاني من عدة أمراض مزمنة بينها السكري.

ولفت المصدر أونلاين: إن النهاري كان من ضمن الذين قاتلوا الجماعة في الحروب الستة في صعدة وتعرض لإصابة خلالها، وبعد جهود وساطة تلقى رسالة إيجابية بإعادة بعض أملاكه من قبل الحوثيين، ولهذا عاد إلى صنعاء، ليستقبله البخيتي ويحوله إلى انتصار إعلامي ضمن البروباجندا التي تنتهجها الجماعة لإقناع السكان في مناطق سيطرتها أن مصير كل خصومها عودتهم إليها.

أيا تكن دوافع عودة العسكريين الشماليين، سواء أكانت إقصاء وتهميشا من قبل قياداتهم أم لأسباب شخصية وتصاعد موجة الكراهية من قبل دعاة الانفصال الجنوبيين أم كونهم اكملوا المهمة التي أوكلت لهم، في الأخير لا ينفي هذا إن عودة العسكريين من الجبهات المناوئة للحوثيين إلى شمال البلاد حيث سيطرتهم أصبحت ظاهرة تتنامى مع الوقت، ولا يمكن انكارها ويجب الوقوف عندها بجدية بالرصد والتقييم والمراجعة.