آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-09:27م

ملفات وتحقيقات


تقرير: مشروع الحوثي يعرقل مشروع الوحدة

الخميس - 01 يونيو 2023 - 11:40 ص بتوقيت عدن

تقرير: مشروع الحوثي يعرقل مشروع الوحدة

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول التسويات المحتملة للحل النهائي في اليمن..

بقاء المشروع الحوثي في صنعاء هل منح أنصار الانفصال مبررا كافيا ومسوغا قانونيا للمضي في مشروع استعادة الدولة الجنوبية؟

هل تذهب تسويات الحل النهائي إلى حوار جنوبي شمالي دون عراقيل؟

هل نحن أمام مصير مشابه (جنوباً) لما حدث لقوى الشرعية (شمالاً)؟

هل أضحت الوحدة مع الجنوب ليست من ضمن أجندات الحوثي؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

وكأن لا مشكلة تبقت من حرب السنوات الثمان سوى ترتيب سياسي يليق بقوى وشخصيات كانت يوما ما هي الشرعية اليمنية.

إذ من الملاحظ أن الحرب في اليمن أفرزت قوتين صاعدتين بسطت على الأرض عسكريا وأمنيا في شمال البلاد وجنوبها، هما الحوثي والانتقالي.

فالحوثي يطالب بحوار ثنائي مع السعودية من واقع أنه انتصر عليها، حسب زعمه، وما تبقى من قيادات الشرعية اليمنية سيتفضل عليهم بالعفو العام أو بحوار شكلي هو المهيمن فيه.

أما الانتقالي فلا ينظر إلى قيادات الشرعية اليمنية إلا كقوى شمالية هربت من بطش جماعة الحوثي، وما تبقى من قوى وشخصيات شرعية محسوبة على الجنوب فلهم حوار أو العفو العام.

وبعد أن صار ثلث المجلس الرئاسي بمعية الانتقالي الجنوبي، يبدو أن الأمور كما يراها مراقبون تسير وفق سياسة الأمر الواقع، إذ ستغدو التسوية السياسية في شكلها النهائي بين شمال وجنوب، بعد أن يهضم الحوثي ما تبقي من قوى الشرعية في حوار شمالي شمالي، وفي المقابل يفعل مثل ذلك الانتقالي جنوبا، بعد أن يغدو آخر وريث للشرعية اليمنية في جنوب البلاد، يزاول عمله من المحافظات الجنوبية والعاصمة المؤقتة عدن، ولا يبقى بينه وبين تمثيل الجنوب وقضيته سوى عبور الحوار الجنوبي الجنوبي.

> الحوثي يضع الحجر الأساس للانفصال

وضع الحوثي قدما في العاصمة اليمنية صنعاء فوضع الانتقالي القدم الأخرى في العاصمة المؤقتة عدن، وعليه، فلا أحد ضرب الوحدة والجمهورية في الصميم أكثر من المشروع السلالي الطائفي والمذهبي الذي يتبناه الحوثي.

يتفق الكثير من المحللين السياسيين من النخبة السياسية في الشمال والجنوب أنه منذ الانقلاب الحوثي على الدولة والتوافق الوطني في 21 سبتمبر 2014، والانفصال قد حدث واقعا، بسقوط الجمهورية والوحدة والدولة في العاصمة صنعاء.

فالوحدة، في نظرهم، ليست إلا شعار بالنسبة للحوثي كشعار "الصرخة" الذي يردده مرارا وتكرارا بقصد التكسب السياسي، فكيف يدعو إلى الوحدة وهو الذي قسم محافظات اليمن ومزقها كل ممزق؟!.

ووفق هذا الرأي فالحوثي شطر اليمن في شمالها طائفيا وحتى جغرافيا، كمدينة تعز التي شطرها إلى شرقية وغربية، على سبيل المثال لا الحصر.

أما في جنوب البلاد فقد دفعهم دفعا إلى تشطيرها جغرافيا ومذهبيا، وعزلها عن محافظات الشمال القريبة منها.

ولم يقتصر على تشطير البلاد طائفيا، بل شرع في تجريف البنية التحتية للدولة ومؤسساتها في العاصمة اليمنية صنعاء، واستبدلها بمؤسساته الطائفية ابتداء من المؤسسة العسكرية والأمنية، مرورا بالاقتصاد وانقسام العملة والمؤسسات الخدمية، لكن أخطرها هو تغيير المناهج التعليمية والكتب المدرسية.

يقول قائل: إن كان الأمر كذلك، فهل يقع اللوم على الجنوبيين إن لم يعودوا إلى صنعاء مرة أخرى؟.

> ثنائية (الحوثي والانفصال)

ما إن وجد المشروع الطائفي في العاصمة صنعاء، حتى قابلته نزعات الانفصال جنوبا، فالأول سبب للثاني، يدور معه حيث دار.

يرى متابعون أن الوحدة مع الجنوب ليست من ضمن أجندات الحوثي، ولا عودة  الجمهورية إلى الشمال هي أولوية للانتقالي، على الأقل في الوقت الحالي.

يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور محمد جميح إن وجود الانتقالي بعدن مهم للحوثي ليظهر مدافعا عن الوحدة، كما أن وجود الحوثي في صنعاء مهم للانتقالي لإعطائه سببا لرفض الوحدة مع الانقلاب.

وأوضح جميح: بما أن الطرفين ينظران من تلك الزاوية، فلا يمكن مساعدة الأول لاستعادة الجمهورية في الشمال، ولا مساعدة الثاني في الحفاظ على الوحدة مع الجنوب، حد قوله.

في الأثناء تتعالى الأصوات الجنوبية اليوم رافضة للوحدة مع شمال يحكمه الحوثي، مبررين ذلك أنهم رفضوا الوحدة مع نظام سياسي جمهوري، فكيف نقبلها مع نظام إمامي سلالي أسقط الجمهورية والدولة والتعددية السياسية والحزبية ودستور دولة الوحدة؟!.

في المحصلة، فإن بقاء المشروع الحوثي في صنعاء يعني منح الانفصال في جنوب البلاد مبررا كافيا ومسوغا قانونيا ودستوريا للمضي في مشروع استعادة الدولة الجنوبية، وإن الانفصال لم يعد مصدره هذه المرة الجنوب بل بات "ماركة" شمالية مصدرها الحوثي.

> الانتقالي يلعب فوق الطاولة

منذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في 4 مايو 2017 وكل تطلعاته المستقبلية في استعادة الدولة الجنوبية باتت فوق الطاولة، فلم يعد أي شيء يختبئ تحتها.

منذ نشأة المجلس الانتقالي وأهدافه معلنة، ولم يتبق له سوى استكمال السيطرة العسكرية والأمنية وقيامه بالإدارة الاقتصادية والمدنية للمحافظات الجنوبية، ولم تعد رغبة السيطرة هذه بخافية على أحد، فقد جاءت على لسان قيادات من الصف الأول في الانتقالي.

قال نائب رئيس المجلس الانتقالي ورئيس الجمعية الوطنية في المجلس، اللواء أحمد بن بريك، في مقابلة له بقناة (الغد المشرق): إن المجلس الانتقالي لا يمانع من الجلوس للتفاوض مع الحوثيين بشأن تحديد مصير الشمال والجنوب، وإن كان بعدها استدرك أن هذا سيكون في إطار تفاوضي بالشراكة مع الحكومة المعترف بها دوليا.

وأضاف بن بريك: نهيئ شعبنا لفك الارتباط حين نكون جاهزين، بعد استكمال الأركان والجوانب العسكرية والسياسية والمدنية، ولن نتصرف كالحوثي وانقلابهم، إذ  نأخذ بعين الاعتبار موقف التحالف العربي ونحرص على إرسال رسائل لنظام صنعاء بين حين وآخر.

وأكد بن بريك أن القيادة السياسية الجنوبية تحرص على أن تكون خطواتها نحو النصر محسوبة تجاه ردة فعل الإقليم مع مراعاة الموقف الأممي المساند.

وعلى الرغم من أن الانتقالي بات جزءا من الشرعية اليمنية منذ اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019، مرورا بتمثيله في مجلس القيادة الرئاسي بموجب إعلان نقل السلطة في 7 أبريل 2022، إلا أن بن بريك عبر عن خشيته في حالة مغادرة الشرعية اليمنية، والاستعجال بالانفصال من طرف واحد أن يلقى هذا الخيار الأحادي، مصيراً مشابها لجمهورية أرض الصومال التي فرضت واقعاً عسكرياً وأمنياً منذ أكثر من 20 عاماً ولم يعترف بها أحد.

> هل يكرر التاريخ نفسه؟

بالعودة إلى التاريخ السياسي المعاصر، نجد أن الإمام يحيى بن حميد الدين حين عجز عن تحقيق أي انتصار جنوباً، لجأ إلى توقيع اتفاقية مع بريطانيا في عام 1934 بشأن تقسيم اليمن شمالا تحت حكم الأئمة وجنوبا تحت الحكم البريطاني.

يذكر المؤرخون أن الإمام كان يسعى من وراء توقيع هذه الاتفاقية مع بريطانيا إلى  الاعتراف به حاكما وملكا على الشمال اليمني بعد فشله في البقاء في الأراضي الجنوبية، ولم يكن الإمام جادا باستعادة المناطق الجنوبية المحتلة من الإنجليز، كونه يفتقد للحاضنة الشعبية التي تختلف معه مذهبيا ولن تقبل بسهولة بأن يحكمها، وهذا الحال ينطبق بالتمام والكمال على علاقة الحوثي بالجنوب اليوم.

ومن هنا حسب البعض فإنه ليس لدى الحوثيين مانع في انفصال جنوب البلاد، مقابل أن ينفذ الحوثي مشروعه الإمامي في الشمال، آملا بالعودة إلى الجنوب لاحقا حين تتغير المعطيات السياسية والعسكرية على الأرض لمصلحته.

> الشرعية اليمنية تتآكل.. والانتقالي يكسب

وفق الشواهد السابقة فإن قوى الشرعية اليمنية باتت تتآكل، ولم يعد لها من حماية وسند إلا عاصمة قرار الشرعية (الرياض)، فضلا عن سور عالٍ من القرارات الدولية الصادرة بشأن اليمن.

أما في الداخل فلا تحضر إلا في أجزاء من المحافظات الشمالية كمأرب وتعز، وفي جنوب البلاد تتقاسم مع الانتقالي الجنوبي المناصب والمهام في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي.

أما السيطرة العسكرية على الأرض، فهي للانتقالي الجنوبي الذي يقوم بتوفير الحماية الأمنية لتحركات قياداتها في العاصمة المؤقتة عدن.

وحسب المؤشرات الحالية، لا بوادر بعودة الشرعية اليمنية إلى صنعاء عسكريا على الأقل في المدى القريب المنظور، إذ بات من الصعوبة بمكان هزيمة خصومها الحوثيين عسكريا بعد مرور 8 سنوات، كما أن الحل السياسي الذي يتبناه الإقليم والعالم بشأن اليمن لن يعيدها إلى صنعاء، وما يزال هذا المسار متعثرا حتى الآن.

وبالنظر إلى المعطيات السابقة، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي سيمضي بخطوات إلى الأمام، يستكمل من خلالها من السيطرة على الإدارة العسكرية والأمنية والاقتصادية والمدنية، وفق الرؤى السياسية التي وردت في الميثاق الوطني الجنوبي، تاركا لقوى الشرعية اليمنية هامشا صغيرا للحركة والمناورة ريثما تتدبر أمرها بحوار ثنائي شمالي شمالي بينها وبين الحوثيين.

وما يعزز من فرضية أن ما تبقى من الشرعية اليمنية مصيره إلى الضعف والتواري، ما ورد على لسان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي في آخر مقابلة له في قناة (الغد المشرق) حين قال: إن سيطرتنا على الأرض لا تعكس حقيقية وجودنا في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي والوفد التفاوضي.

وهناك من يرى أنه إذا ما تم الذهاب إلى منح الانتقالي أكثر من النصف في الحكومة وفي عضوية مجلس القيادة الرئاسي وفي الوفد التفاوضي، فإن الانتقالي الجنوبي سيصبح مع مضي الوقت هو ما تبقى من قوى الشرعية اليمنية.

ومما تقدم، فإن مناصري قوى الشرعية اليمنية وشخوصها يخشون مصيرا مشابها للرئيس السابق عبدربه منصور هادي ورجالاته في العاصمة صنعاء.

في الأخير، تبقى فرضية أن يذهب إلى نهائي التسوية السياسية في اليمن الثنائي (الحوثي والانتقالي) كممثلين عن الشمال والجنوب بعد هضم ما تحت يدهما من قوى ومكونات بالحوار أو بالقوة ممكنا، بالنظر إلى الوقائع على الأرض، لكنه في نفس الوقت لن يمر هذا السيناريو بهذه البساطة، فهناك الكثير من التعقيدات والمصاعب تنتظر الجميع، وقد تختلط أوراق اللعبة في أي وقت، ولا تدع هذا السيناريو يمر بسلام.