آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:12م

ملفات وتحقيقات


كيف استوجبت ظروف الحرب تشكيل كل هذه القوات التي باتت عبئاً مالياً وسياسياً؟

الإثنين - 20 مارس 2023 - 03:32 م بتوقيت عدن

كيف استوجبت ظروف الحرب تشكيل كل هذه القوات التي باتت عبئاً مالياً وسياسياً؟

((عدن الغد))خاص.

هل تفكر أطراف ما بالتخلص من الوحدات العسكرية أو دمجها وهيكلتها للتخفيف من أعبائها؟

لماذا كان يتأخر صرف مرتبات الوحدات العسكرية خلال السنوات الماضية؟

الكم الهائل من القوات العسكرية التي تكونت خلال سنوات الحرب.. ما مصيرها؟

مع اقتراب بوادر إنهاء الحرب.. هل ستبقى هذه القوات موجودة؟

ما المشكلة المتوقعة عند توحيد مرتبات الوحدات المسلحة أو تسريحها؟

كيف ستنعكس مشكلة توقف المرتبات أو تسريح الوحدات المسلحة على آلاف الأسر؟

حلم السلام.. هل يمكن أن يتحول إلى كابوس؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

فرضت الحرب على السلطات في المناطق المحررة من البلاد اللجوء إلى تشكيل وحدات مسلحة عسكرية وأمنية بعد الفراغ الكبير الذي نتج عقب عملية التحرير.

فكافة الوحدات العسكرية التي تشكل القوات المسلحة كانت موالية للحوثيين عند اجتياح المحافظات الجنوبية تحديدًا، وحتى المحافظات المحررة شمالًا، وهذا ما شكل فراغًا.

الفراغ الناتج عن هذا الوضع دفع التحالف العربي، وحتى الحكومة الشرعية إلى الإسراع بتشكيل وحدات عسكرية وأمنية مسلحة، كانت نواتها الأولى من المقاومة الجنوبية والشعبية في مختلف المناطق المحررة.

 لكن هذا الإسراع والتعجل لشغل الفراغ الأمني والعسكري تسبب بعشوائية واضحة في عملية استحداث الوحدات المسلحة، سواءً على مستوى الانتماء والولاءات، وهو ما جعل التشكيلات الموجودة اليوم متضاربة ومتناقضة.

العشوائية في تشكيل الوحدات المسلحة عقب عام 2015، لم يقتصر على الولاءات والجوانب التنظيمية، بل حتى على الالتزامات المالية تجاه أفراد ومنتسبي هذه الوحدات، التي لم تنتظم عملية صرف مرتباتها طيلة ثماني سنوات ماضية.

واليوم، تبدو هذه الوحدات العسكرية تشكل عبئًا ماليًا، تستلزم من التحالف العربي ومن الحكومة الشرعية صرف مرتباتها، بالإضافة إلى أعبائها السياسية والعسكرية التي تثقل كاهل المشهد العام في اليمن، وأبرزها كأحد المخاطر المحدقة والمهددة للاستقرار.

 الأمر الذي جعل من هذه الأخطار حافزًا لأطراف يمنية وفي التحالف العربي أيضًا، للتخلص منها وتجاوزها، عبر خطوات وإجراءات إدارية وهيكلية لاحتواء التضارب والتشظي الذي تعيشه القوات المسلحة، وأعباءها المالية المتزايدة.

التخلص من الصداع

قد تكون المرتبات وتأخر صرفها للوحدات العسكرية المختلفة، سواء المنتمية للمجلس الانتقالي الجنوبي أو للحكومة الشرعية، أحد مسببات الصداع الذي تثيره هذه الوحدات، لكن هناك ما هو أكبر من المرتبات يثير صداع السلطات المتحكمة.

فالملف الأمني والعسكري لم يكن يومًا مقتصرًا على الجانب المالي أو المرتبات، ولكن عملية استيعاب هذه الوحدات والتشكيلات العسكرية المختلفة في قوام موحد ومؤسسة واحدة هو ما تسبب بمشاكل متعددة، وجعل معضلة توحيدها أمرًا في غاية الصعوبة والحساسية.

حيث كان هذا الملف أحد الملفات الساخنة في مشاورات الرياض 1، ومشاورات الرياض 2، والتي رغم تركيزها المستمر على عملية دمج الوحدات المسلحة وإعادة هيكلتها في وزارتي الداخلية والدفاع إلا أنها لم تنجح منذ أواخر عام 2019 وحتى اليوم.

لهذا السبب تشكل هذه القضية معضلة كبرى، سواء لقيادات التحالف العربي أو المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية، بل إنها سبب لعدم الاستقرار الذي تعيشه مدينة عدن والمدن المحررة الأخرى ومواطنيها، نتيجة المواجهات والاشتباكات التي تندلع فيما بينها كل فترة وأخرى.

وهذا الصداع المستشري في البلاد شعبيًا ورسميًا منذ تأسيس الوحدات المسلحة عسكريًا وأمنيًا، يعود في الأساس إلى عدم وجود رؤية موحدة وواضحة لأسباب تشكيل تلك التشكيلات، التي كان دافع تأسيسها لأغراض سياسية أكثر منها لحفظ الأمن وحماية الناس.

ويبدو أن هذه الأسباب هي من قادت إلى تأخر صرف المرتبات الخاصة بمنتسبي تلك التشكيلات المسلحة، إما بسبب الضغط عليها أو لمساومتها وتوجيهها لتحقيق غايات وأغراض ضيقة، أو لاستخدامها في أجندات محددة لصالح أطراف محددة.

قد تكون الضائقة المالية التي تعيشها الحكومة الشرعية وراء تأخر صرف مرتبات منتسبي وحداتها العسكرية، لكن الوحدات التي شكلتها أطراف في التحالف وتستلم مرتباتها منها لا يمكن القول إن السبب فيها هو ضائقة مالية، ولكن قد يكون السبب ضغوطات سياسية كما يشاع.

وإذا كان الأمر صحيحًا، فإن صفة "الصداع" الذي تمثله هذه التشكيلات المسلحة في رؤوس الأطراف المحلية والإقليمية قد يكون مؤكدًا ومناسبًا كصفة، وما تأخير المرتبات عنهم إلا من باب محاولة "إسكات" هذا الصداع، الذي تتم تهدئته بمسكنات مؤقتة بين الحين والآخر، غير أنها ليست دائمة.

تخفيف الأعباء أم مفاقمتها؟

 في حالة عدم نجاعة المسكنات المؤقتة في تهدئة المشاكل التي تسببها الوحدات المسلحة، المنتمية لكافة الأطراف وليست لطرف واحد دون آخر، فإن هناك رؤى ومحاولات عديدة قد تلجأ إليها الأطراف المعنية، وهي إجراءات إدارية وأخرى مالية أيضًا.

ورغم الكم الهائل من القوات العسكرية التي تكونت خلال سنوات الحرب، فإن مصيرها اليوم بات على المحك، خاصة مع اقتراب بوادر ومؤشرات إنهاء الحرب، وإمكانية التخفيف من الأعباء التي تشكلها هذه الوحدات ورميها على عاتق مؤسسات الدولة.

فكثير من التشكيلات المسلحة التي شكلتها أطراف في التحالف العربي سيسعى هذا الأخير إلى توجيه مسئوليتها إلى حكومة ما بعد الحرب في اليمن، وهي الحكومة التي ستسفر عنها أية مشاورات سلام مقبلة، الأمر الذي يُسرع في اتجاهه التحالف للتخفيف من أعباء هذه الوحدات عن كاهله.

وهنا، قد تبرز العديد من الإشكاليات التي من الممكن أن تعيق هذه الغاية، فعملية الدمج والهيكلة في ظل حكومة موحدة ومؤسسات يتداخل فيها الشرعية مع الحوثيين في مرحلة السلام وما بعد الحرب، قد يشكل بداية جديدة لأزمة جديدة تواجهها البلاد، وتثير الكثير من المشكلات المرتبطة بها.

وإذا كان التحالف يدفع نحو الضغط على هذه الوحدات المسلحة من خلال تأخير المرتبات أو إيقافها لغايات محددة، قد يكون القبول بالدمج والهيكلة أحدها، فمن غير المتوقع أن تكون النتائج إيجابية، خاصة وأن بوادر الممانعة قد بدأت تظهر حديثًا.

ذلك لأن الوحدات العسكرية والأمنية الموالية مثلا للمجلس الانتقالي الجنوبي لا تنظر لمستقبلها ضمن مؤسسات يمنية موحدة، تتشارك فيها الشرعية والحوثي معًا، فرؤية تلك الوحدات هو أن تكون في خدمة مشروع الدولة الجنوبية، أو هكذا يزعم قادتها. لهذا فإن أي محاولة لهيكلة أو دمج التشكيلات المسلحة الجنوبية في قوام المؤسسات اليمنية الأمنية والعسكرية قد تواجه بالممانعة، وهو ما يعني مفاقمة الأوضاع وزيادتها، وليس تخفيفها كما قد يعتقد البعض.

وهو أمر متوقع، حتى وإن كان الحافز هو انتظام صرف المرتبات المنقطعة،فالبعض في تلك القوات المسلحة مشروعه سياسي، وليس مجرد المرتبات.

وهذه الرؤية حتى وإن لم تكن متواجدة عند جميع المنتسبين للتشكيلات العسكرية والأمنية الجنوبية إلا أنها يمكن أن تكون منطلقًا وذريعة لرفض كافة محاولات الدمج والهيكلة تحت مبررات انتظام صرف المرتبات. تأثيرات معيشية يمثل انعكاس توقف المرتبات عن منتسبي الوحدات العسكرية والأمنية على الجوانب المعيشية لأهالي وعائلات وأسر أولئك المنتسبين، الأمر الذي قاد من سابق وحتى حاليًا إلى القيام بممارسات من قبل أفراد تلك الوحدات أساءت لها كثيرًا.

والظروف المعيشية واحتمالات تسريح العديد من الوحدات أو حلها، قد يؤدي بلا شك إلى مفاقمة الأوضاع الحياتية للأسر التي تعتمد على مرتبات أفرادها المنضوين في قوام تلك التشكيلات، بل إن انضمامهم إليها كان في سبيل دخل

مادي لأسرهم.

وفقدان هذا الدخل المادي على قلته، ورغم تأخره المستمر سيتسبب أيضًا بانعكاسات أمنية واجتماعية وخيمة، في حالة تسريح أو حتى توحيد مرتبات البعض منهم وتخفيضها في حالة الدمج والهيكلة. فمن الممكن أن يضطر البعض إلى القيام بممارسات سلبية كالجبايات والإتاوات وغيرها، وهي أعمال كانت تمارس نتيجة تأخر صرف المرتبات منذ فترات سابقة، لكن إيقاف المرتبات أو التقليل منها وتخفيضها سيعيد تلك الممارسات بشكل أكبر ويجعلها مستمرة. 

وكل ذلك يعود إلى التأثيرات المعيشية المتوقعة من عملية تخفيض وتوحيد مرتبات منتسبي الأمن والجيش في حالة الدمج والهيكلة، خاصة وأن كثيرا من الوحدات المسلحة اعتاد على مستوى دخل معين، سينتج عنه أي تخفيض إلى

مشكلات معيشية، ستؤثر على آلاف الأسر.

الأمر الذي يجعل من إجراءات وخطوات الهيكلة والدمج وتخفيض المرتبات تقود إلى معضلات اجتماعية ومعيشية خطيرة، إذا لم يتم دراستها ومعالجتها بتمعن وتروي، وعقلية كبيرة، تفاديًا لأي تبعات خطيرة على استقرار المجتمعات خاصة في المناطق والمحافظات المحررة من البلاد. تكلفة السلام والحرب تسببت الحرب بفرض واقع جديد في القطاع العسكري والأمني في اليمن، دفع إلى تشكيل وحدات وكيانات مسلحة غير منضبطة إلى حد كبير، هددت الاستقرار المجتمعي كثيرًا، سواءً بسبب تأخر مرتبات منتسبي تلك الوحدات وتوقفها أو فيما يتعلق بالاشتباكات التي تندلع فيما بينها.

غير أن خيارات السلام هي الأخرى، وما سيتبعها من عمليات الدمج والهيكلة، قد تجد نوعًا من الممانعة من قبل البعض، منتسبين أو كيانات سياسية حتى. الأمر الذي قد يحول حلم السلام، وتوقف الحرب بتبعاتها الخطيرة وتداعياتها المؤلمة في كل القطاعات الحياتية، إلى كابوس، في حالة رفض محاولات الدمج والهيكلة وما يتبعها من تخفيض المرتبات، وما يرافقها من تأثيرات معيشية.