آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

أخبار عدن


مهندس الفقراء في عدن.. إبن أشهر ملياردير !.

الخميس - 02 فبراير 2023 - 11:39 ص بتوقيت عدن

مهندس الفقراء في عدن.. إبن أشهر ملياردير  !.

عدن ((عدن الغد)) خاص:

 

عبدالفتاح الحكيمي.

تفاجأت بالمهندس الجالس على مقعد قديم مع أدوات عمله البسيطة عند كشك صغير تحت سقف أخضر من أغصان شجيرة الجَهَنَّمّية الشهيرة خلف إحدى عمارات مدينة إنماء القديمة.

لم أصدق أن الرجل المكافح بشحمه ولحمه الذي كان منهمكاً في إصلاح مروحة تهوية أمامه هو إبن أكبر ملياردير عصامي عرفه جنوب اليمن قبل الوحدة.

هل يعقل كل هذه الثروة الطائلة من الأموال النقدية والذهب والمجوهرات الثمينة  والعقارات الضخمة التي اكتسبها ورثة الملياردير الشهير بعد وفاته عام ١٩٩٢م أوصلت أحد أبنائه إلى درجة الفقر والعوز كأي مواطن أبسط من البسيط، ماهي الحكاية؟.
هل فقد الأبناء ثروة أبيهم كلها بغمضة عين بعد ذلك الثراء والغنى الفاحش ورغد العيش، وتنكر أصدقاء الملياردير ورجال الدولة الكبار الذين عرفت أنه لم يبخل على أحد منهم.
تقرأ في وجه وملامح الرجل الخمسيني صورة مثالية نادرة لمعنى عيش الأنسان بكرامة وشرف في الحياة، وأن كل شخص جاء إلى  هذه الدنيا وهبه الله الصحة والمقدرة والمعرفة مكلف برسالة عظيمة قلَّ ما نجدها في أيامنا هذه بين البشر، فما بالنا بأنسان عاش حياة ترف تبدو في الخيال، ثم وجد أن الله أعَزَّه بثروة ومال وجاه وشرف أرفع بكثير من مليارات أبيه التي ورثها مع إخوته وأخواته ، هي ثروة الإعتماد على النفس والرزق الحلال والشريف من عمل اليد والكَدّ والكَدَح والصبر والجهاد وليس تسول وانتظار ما يجود به عليه غيره، ولا مليارات وأموال الوالد وعقاراته التي لا يزال كثير منها موجوداً  ومسجلاً باسم الورثة وضمن حيازتهم الشخصية، وأبرزها الفلل الفخمة المتناثرة في مدخل جزيرة العمال بعدن.

هكذا فهمت من المهندس الإنسان ناصر الأحمدي نجل البزنس مان والمستثمر الأشهر في عدن وجنوب اليمن وإبن أحور وآل باكازم الفقيد أحمد هادي الأحمدي طوال الفترة ١٩٧٦م وحتى عام ١٩٩٢م.

قال لي ناصر باعتزاز كبير يكفي إن الناس يطلقون عليّ لقب(نيوتن) وهذا شرف معنوي أكبر من أي ثروة.
فالرجل صاحب ابتكارات هندسية فنية خاصة، لا يغادر الزبون معها محل ناصر نيوتن إلا بأصلاح أعطال المروحة أو الخلاطة أو الاستشوارات والأجهزة الأخرى مهما كانت أعطالها، وحتى قطع الغيار غير المتوفر له حلول وبدائل.

وقرأت في شخصية الرجل النضوج الإنساني وفلسفته ورؤيته للحياة والأخلاق الرفيعة، وحدثني كيف أنه حريص على أن لا تمتد أغصان شجيرة أزهار الجهنمية إلى الطوابق العليا خارج العمارة لما يعتقده إزعاجاُ لمشاعر الجيران، بينما يتمنى سكان الطوابق العليا تزيين واجهة بيوتهم بذلك المنظر البديع، فلا تكفي البلكونات سوى لأحواض صغيرة من نباتات الزينة والرياحين..

ويعيش مهندس الفقراء هذا في الدور الأرضي من المبنى، بينما لا تزال فلل الأحمدي الشهيرة في جزيرة العمال وغيرها من العقارات بحوزة الرجل وإخوته.
لكن هذا الرجل النبيل إنحاز  إلى حياة وعيشة الفقراء بكل تفاصيلها، مرارتها وحلاوتها، وعمل بسنن الأنبياء، وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده.
وقد أبقى المهندس ناصر لنفسه سر امتداد فروع الشجيرة إلى تلك المسافة الطويلة من (الزغطوط) كمظلة لنبات لا يتسلق أو يعترش ويمتد بذلك الطول في العادة، ووعد بكشف السر في لقاء قادم.
قال وهو يشير إلى صور قديمة معلقة لمشاريع الأحمدي السكنية الشهيرة في عدن: صَرَفت وأنفقت مئات مئات الملايين من تركة الوالد رحمه الله، ولا يزال الكثير من تركته من العقارات الكبيرة بحوزتنا أنا وأخوتي ولكنني لم أتمتع بهناء وطعم العيش وراحة البال إلا من دخلي اليومي المتواضع من كشك هندسة الأدوات الكهربائية الذي أمامك، ما يجعل لحياتي ووجودي معنى وفي تعبي واجتهادي راحة نفسي وضميري.

     * طفيليون بلا حدود *

تذكرت أجيال المتطفلين والمتسولين المحترمين الشبان وغيرهم من أبناء المناضلين وكبار المسؤولين في الدولة على مدى عقود طويلة شمال وجنوب البلاد يتسكعون الفتات والفضلات باسم تاريخ آبائهم المتوفين أو من لا يزال منهم على قيد الحياة، ومن يفضلون العيش عالة وكسيحة على حساب المجتمع وقيم العمل والإنتاج والاعتماد على النفس ويمارسون الأبتزاز باسم أوهام الآباء والأجداد بابتذال رخيص ومخجل.

وعلى مرمى البصر لا تزال مشاريع الوحدات السكنية للأحمدي الأب متناثرة بكبرياء في المنصورة، وخورمكسر، والشيخ عثمان، من ملعب الحبيشي وإدارة أمن عدن، إلى  الوحدة السكنية إلى حي الأحمدي على ساحل أبين، إلى حي ريمي ، وشاليهات جزيرة العمال، والفلل الخاصة خلف الحجاز مول ونجوى مكاوي، ومدارس ومستشفيات، وغيرها الكثير خارج عدن.

رغم كل ذلك نشأ ناصر الأحمدي(نيوتن) بعصامية فريدة من أب اهتم بتربية وتأهيل أبنائه وبناته قبل الأهتمام بثروته واستثماراته..
ولأن هذا الرجل يعتبر بصمة إنسانية متميزة من نماذج الكفاح اليومي في مجتمعنا فيبدو عمره أكبر من عقده الخامس بكثير، وقد حفرت السنوات خطوطها على ملامحه وجسده، لكن عزيمته وإصراره على مواصلة الحياة بنفس مبدأ الإعتماد على النفس واحترامها بقدر تكريم الله لها.
ويطول الأنبهار بشخصية نادرة وفذة كهذه ونحن محاصرون من حولنا بنماذج اجتماعية عديدة طفيلية كسيحة القيم والطاقات مذمومة في حياتنا، لا تقدم لنفسها ولا لغيرها ولا تحترم قيم العمل والإنتاج ولا في ناموسها أن يكون لوجود الأنسان عندها رسالة إيجابية في الحياة تُعْلي من شأن المجتمع والحياة.
ألف تحية واحترام لروح مهندس الفقراء ناصر الأحمدي وأمثاله من الذين يشعروننا بالتفاؤل الكبير بعطائهم وصمودهم إزاء المتاعب والمحن، وأنهم وجدوا في هذه الحياة ليعطوا أكثر من ما يأخذونه منها.