آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-01:57م

ملفات وتحقيقات


الرئيس علي ناصر يروي تفاصيل الخلاف بين عدن والرياض وما مهمة الراحل الرئيس عرفات (14)

الأحد - 29 يناير 2023 - 05:24 م بتوقيت عدن

الرئيس علي ناصر يروي تفاصيل الخلاف بين عدن والرياض وما مهمة الراحل الرئيس عرفات (14)

إعداد / د. الخضر عبدالله:

التنسيق بين صدام والسعودية  للقيام بعملية عسكرية في عدن 

يواصل الرئيس علي ناصر حديثه حول السياسة الخارجية التي اتخذها وعمل بها أثناء توليه رئاسة الوزراء في اليمن الديمقراطي .. وروايته اليوم حول التنسيق بين العراق والسعودية للقيام بعملية عسكرية بعدن ..حيث قال مستدركا :" وثمة واقعة أخرى ذات دلالة كبيرة في المدى الذي ذهب إليه الرئيس ربيع في علاقته بالسعوديين حين سأله الرئيس الجزائري هواري بومدين  فجأة أثناء زيارته لعدن :

هل توقف الخط الساخن بينك وبين فهد؟!

شعر الرئيس بالحرج والارتباك ولم يرد. كذلك كان الأمر مفاجأة شديدة الوقع بالنسبة إلى المسؤولين الذين لم يكونوا يعلمون بأمر هذا الخط الساخن بين الرجلين. ولم يكتف الرئيس بومدين بصمت الرئيس ربيع، وفي المدة نفسها تقريباً، وعندما شعر الأمير فهد بازدياد أوضاع الرئيس ربيع سوءاً، أرسل إليه مبعوثاً لمقابلته، لكن صادف أن كان الرئيس في زيارة لمحافظة شبوة، فاتصل المبعوث بموظف في وزارة الخارجية ليخبره بمهمته، وحار الموظف الذي كان اسمه عزّام الشاذلي ماذا يفعل، فاتصل بدوره بشخص اسمه أحمد علي سعيد، وكان هذا الأخير صديقاً شخصياً للرئيس ربيع، ولكنه عندما علم بنوع الرسول وأنه مبعوث سعودي من كمال أدهم (مدير المخابرات السعودية) استاء من الرئيس، واتصل بجهاز الأمن، الذين زرعوا أجهزة تنصت وسجلوا حديث الشاذلي مع المبعوث السعودي في منزل أحمد علي سعيد بالتواهي. واستخدمت هذه التسجيلات فيما بعد أدلة إدانة ضد الرئيس ربيع في أحداث 26 حزيران/يونيو 1978م.

اتفاقية فندلي 

وواصل الرئيس ناصر حديثه وقال :" على القدر نفسه من السرية غير المسوّغة، يبدو أن الرئيس ربيع خاض مفاوضات محدودة مع الأميركان عبر النائب «بول فندلي» الذي ذكر قصة هذا اللقاء في كتابه «من يجرؤ على الكلام»، حيث يقول إن المصادفة وحدها هي التي ساقته إلى اليمن الديمقراطية في آذار/مارس عام 1974م لإنقاذ مواطن أميركي ينتمي إلى دائرته الانتخابية في ولاية إلينوي، كان معتقلاً في عدن، وهذه المصادفة - إذا كانت حقاً كذلك - خدمت الرئيس ربيع الذي وجد في النائب الأميركي ضالته المنشودة، ولعل وزير الخارجية محمد صالح مطيع ومندوب اليمن في الأمم المتحدة عبد الله الأشطل هما اللذان نصحا الرئيس ربيع باستغلال الفرصة، وفتح نافذة على الولايات المتحدة عبر فندلي. والافتراضات هنا قد تكثر حول مَنْ نصح مَنْ، ولكن الثابت أن الرئيس ربيع كان حقاً يبحث عن حلفاء لمصلحة البلد (من وجهة نظره) في تلك المرحلة بعد أن اهتزت علاقاته مع كل من الاتحاد السوفياتي والصين. ومع أن وساطة فندلي لم تثمر شيئاً ذا بال، وكان كيسنجر قد تحدث مع الرئيس الأسد عن هذه الاتصالات وقال إننا لم نكن موفقين بتكليف فندلي هذه المهمة، كما حدثني بذلك الرئيس حافظ الأسد، ورغم أن زيارته الثانية التي كان مقرراً أن يقوم بها في حزيران/يونيو 1978م لعدن لم تحصل رغم وصوله إلى عاصمة عربية لأن الأحداث سبقته، وكان يمكن أن يحرز نتائج غير تلك التي أحرزها في زيارته الأولى، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار نتائج العلاقات التي نسجها مع السعودية وزير الخارجية محمد صالح مطيع، إلا أن السيف كان قد سبق العذل، واعتبروا أن التخلص من الرئيس سالم ربيع علي كان بمنزلة إيذان بالتخلص من العلاقات مع السعودية، وجاءت قرارات الجامعة العربية في تموز/يوليو 1978م بتعليق عضوية اليمن الديمقراطية في جامعة الدول العربية لتقدم غطاءً قانونياً للسعودية للتنصل من الوعود التي قدمتها إلى الرئيس سالم ربيع علي في تموز/يوليو 1977م، أي قبل عام بالكمال والتمام من رحيل ربيع عن السلطة وعن الدنيا بأسرها. 

التنسيق بين صدام والرياض 

ويكمل الرئيس ناصر ويقول :" الجدير بالإشارة أن السعوديين بعثوا خلال أحداث حزيران/يونيو 1978م عندما كانت تداعياتها لاتزال رحاها دائرة في اليمن الديمقراطية بوفد برئاسة الأمير تركي الفيصل إلى بغداد لمقابلة نائب الرئيس العراقي صدام حسين الذي كانت علاقتهم به ممتازة في ذلك الوقت. وطلب السعوديون من الرئيس صدام تقديم دعم عسكري إلى الرئيس ربيع، لكن الحسم السريع للأحداث وتعييني رئيساً لمجلس الرئاسة لم يشجعا صدام الذي كانت تربطني به علاقة صداقة طيبة على التدخل وتنفيذ المطلب السعودي، كما حكى لي الرئيس صدام الذي أكد أن السعوديين قد اقتنعوا بوجهة نظره.

استمرت القطيعة بين اليمن الديمقراطية والسعودية حتى مؤتمر القمة العربي في بغداد في تشرين الثاني/نوفمبر 1978م حين نظّم الرئيس صدام حسين لقاءً بيني وبين الأمير فهد الذي كان ولياً للعهد في عهد شقيقه الملك خالد بن عبد العزيز.

كان اللقاء ودياً وبحضور صدّام حسين. طلب فهد فتح صفحة جديدة في العلاقة بين بلدينا، وأعرب عن سعادته لوجودي على رأس السلطة، وقال: صحيح، أنه كانت لنا علاقات طيبة مع الرئيس المرحوم سالم ربيع، وكانت وفاته خسارة لنا، ومع ذلك أضاف الملك فهد: لا أخفي عليكم أننا ضُللنا لبعض الوقت في بعض المعلومات، وخصوصاً من وزير خارجيتكم مطيع الذي لم يكن صادقاً معنا ولا واضحاً، وخصوصاً في ما يتعلق بطرد الخبراء السوفيات من عدن وتنويع مصادر السلاح.

بعدها قمنا لأخذ صورة تذكارية، وكان مطيع موجوداً، وقال فهد مازحاً: «سنأخذ الصورة، ولكن دون مطيع، لأنه كان غير صادق معنا»!! وطبعاً ضحكنا.

وأذكر أنه قبل لقاء قمة بغداد هذا بيني وبين الأمير فهد، قام كل من ياسر عرفات وخالد الحسن  بتكليف سعودي بمهمة وساطة بين عدن والرياض. وقالا لي عندما اجتمعت بهما إن السعوديين يعترضون فقط على وجود القواعد السوفياتية والكوبية والفيتنامية عندكم. قلت لهما:

خذوا طائرة، وإذا أردتم، خذوا معكم مندوباً سعودياً ومندوباً يمنياً، واختاروا أي مكان تريدون في اليمن الديمقراطية واذهبوا إليه، وإذا وجدتم أي قوات مما ذكرتم، أترك الحكم لكم.

حينئذ ابتسم خالد الحسن وقال: يا أخ علي نحن وهُمْ ندرك عدم صحة هذه المزاعم. وبصراحة هم يخافون نهجكم السياسي لا أكثر وليس القواعد الوهمية.

عبد الفتاح يرفض ! 

ويشير الرئيس ناصر في حديثه وقال :" في أواخر عام 1979م وجه الملك خالد دعوة إلى عبد الفتاح إسماعيل الذي كان يشغل في هذه الفترة منصب الأمين العام للحزب ورئيس الدولة معاً، لزيارة المملكة العربية السعودية، على أمل استمرار العلاقات كما كانت أيام الرئيس ربيع. وعلى أي حال، فإن تطورات الموقف في اليمن الديمقراطية سارت بسرعة كبيرة لم يتمكن معها عبد الفتاح إسماعيل من اتخاذ قرار الزيارة حيث قدم استقالته في نيسان/أبريل 1980م وسافر إلى موسكو.

كان أول شيء وضعته ضمن أولوياتي السياسية بعد تسلمي مسؤوليات رئاسة الدولة والحزب، اتباع سياسة واقعية مع دول المنطقة، باعتبار أن المنطق إضافة إلى التجربة السابقة، أثبتا أن أي حديث عن تطوير البلد اقتصادياً واجتماعياً لن يحصل ما لم يتوافر الاستقرار السياسي والأمني أولاً بين دول المنطقة التي يؤثر بعضها في بعض، وكان من الصعب الحديث عن أي استقرار من غير تطبيع العلاقات بين بلدان المنطقة، وفي المقدمة السعودية بوابة الخليج العربي ومفتاح العلاقة مع الغرب والمنظمات الدولية.

زيارة الأولى للسعودية

وحول زيارة الرئيس ناصر الى السعودية قال مسترسلا :" أصبح الحديث عن العلاقة مع العربية السعودية لا يثير الحساسية كما كان في الستينيات وبداية السبعينيات بعد أن تحسنت العلاقة بين صنعاء والرياض وبين القاهرة والجزائر ودمشق والرياض، وموسكو ودول الخليج. لكن مصلحة اليمن الديمقراطية كانت تكمن في إقامة علاقات طيبة بجيرانها في المنطقة لإنهاء حالة التوتر والاستنفار على حدودها الشرقية والشمالية. كانت السعودية سبّاقة في توجيه الدعوات إلى الرؤساء سالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل، وكاتب هذه المذكرات لزيارة الرياض بعد تطبيع العلاقة بين عدن والرياض، ولكن عقدة الماضي كانت تقف حائلاً في طريق تطوير العلاقة والتقدم بخطوات إلى الأمام على هذا الطريق، وكان لا بدّ من جدة، ولو طال الطريق أو صعب. 

تطبيقاً لهذه السياسة، قمت بعد تسلمي مهمات الحزب والدولة بزيارة للمملكة العربية السعودية، بوابة الجزيرة العربية، في 29 حزيران/يونيو 1980م، حيث كان في استقبالنا قادة المملكة العربية السعودية، وفي مقدمتهم الملك خالد بن عبد العزيز وولي العهد الأمير فهد بن عبد العزيز ووزير الدفاع الأمير سلطان بن عبد العزيز وعدد من الأمراء، كان أبرزهم الأمير محمد الكبير  الملقب بـ «أبو الشرين» و«أبو الخيرين» الذي نادراً ما يحضر مثل هذه المناسبات، كما علمت. كان هذا الاستقبال الحافل يعكس الاهتمام باليمن الديمقراطية وبرئيسها الذي يزور المملكة لأول مرة. وفور وصولي إلى مطار جدة أدليت بتصريح قلت فيه: «في سياق البحث مع أشقائنا قادة المملكة سنتطرق إلى قضايا مهمة تتطلب مناقشات صريحة ومستفيضة، ذلك أن هناك الكثير مما يجمع شعبينا الشقيقين اللذين يرتبطان بوشائج الأخوة والقربى، ونحن نشعر بأن تحسين العلاقات بين بلدينا الشقيقين المتجاورين وتعبئة جهودنا وطاقاتنا في هذا الإطار لا يفيدان شعبينا فحسب، بل يسهمان في تثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة».

العلاقات الأخوية 

حول العلاقات الودية مع السعودية قال الرئيس ناصر :" كانت الزيارة على العموم أخوية وودية، وقد أبدى الجانب السعودي استعداداً لتقديم الدعم لبلادنا في اليوم الأول للزيارة، ولكن في النهاية لم تتمخّض الزيارة عن أية نتائج إيجابية، خصوصاً في ما يتعلق بتقديم المساعدات إلى اليمن الديمقراطية.

بشكل عام، فإنني لم أطلب من السعوديين أية مساعدات جديدة لبلادنا. وكل ما طلبته منهم هو تنفيذ الوعود التي قطعوها على أنفسهم للرئيس سالم ربيع علي عندما زارهم في آب/أغسطس 1977م، وهو ما لم يستطيعوا الإيفاء به، وكل ما استطاعوا قوله لي أنهم طلبوا مهلة شهر للرد على طلبي وعودة وزير خارجيتنا لتسلّم ردهم. وهذا الرد سمعته من بلدان الخليج الأخرى التي زرتها بعد ذلك. واتضح فيما بعد أنَّ وزير خارجيتنا محمد صالح مطيع التقى خلسة مسؤولين سعوديين، ونصحهم بالتريث في تقديم أي مساعدة حتى يتحقق التغيير المرتجى في الأوضاع الداخلية، الذي كان السعوديون يراهنون على وقوعه. وكان حصان رهانهم وزير خارجيتنا محمد صالح مطيع، كما أكد لي ذلك عبد القادر باجمال الذي ذهب معه مساء ذلك اليوم للقاء أحد المسؤولين السعوديين (حدثني بذلك بعد إقلاع الطائرة التي كانت متجهة بنا نحو أبو ظبي).(للحديث بقية )