آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-01:43ص

ملفات وتحقيقات


تحليل: هل تمر اليمن بمرحلة انتقالية من عهد إلى آخر.. أم إنها مرحلة (إقصاء).. وما الذي قد ينتج عن هذه المرحلة؟

السبت - 06 أغسطس 2022 - 08:59 ص بتوقيت عدن

تحليل: هل تمر اليمن بمرحلة انتقالية من عهد إلى آخر.. أم إنها مرحلة (إقصاء).. وما الذي قد ينتج عن هذه المرحلة؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل يغوص في أغوار طبيعة المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد ومصير الحكومة الشرعية..

لماذا لم يستمر النظام الشرعي الذي كان رمزاً للتوازن والندية ضد الانقلاب الحوثي؟

ما الذي يعنيه دخول مكونات مستحدثة مؤخرا إلى السلطة بالتزامن مع خروج رجالات الشرعية التقليدية؟

هل من المنطقي استمرار الحديث عن حكومة شرعية في ظل مغادرة رجالاتها للمشهد؟

ما الهدف من التوسع الحالي الذي شهده شكل الدولة واستيعاب كيانات جديدة؟

هل كل ذلك يعني أن عهد الشرعية انتهى وبدأ عهد سياسي جديد لليمن.. وما ملامح هذا العهد؟

من هي القوى التي تشكل منها المجلس الرئاسي والحكومة الحالية أو حتى الحكومة الجديدة المرتقبة؟

لمن ستكون الغلبة في المشهد السياسي الجديد الذي يجري تشكيله.. أم أن المآلات تؤكد بقاء المحاصصة؟

كيف ستكون العلاقة بين هذه القوى.. وهل ستكون توافقية أم متصارعة؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

لم تكن المراحل السياسية التي مرت بها اليمن على امتداد تاريخها المعاصر بالسهلة أو الهينة، واحتاجت لمخاضات مليئة بالآلام حتى تصل إلى رحلة الاستقرار.

تلك المخاضات يطلق عليها اسم المراحل الانتقالية، وتعني الانتقال من عهد إلى آخر، أو نظام سياسي إلى آخر، والانتقال بين مرحلتين مختلفتين حتى على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وليس فقط سياسا.

وتاريخ البلاد ملئ بتلك المراحل الانتقالية التي نجحت في الانتقال بالبلاد إلى بر الأمان تارةً، ولم تنجح تارات أخرى.

وفي عهد دولة الوحدة، كانت أول مرحلة انتقالية تلك التي تلت تحقيق الوحدة اليمنية في مايو/أيار 1990، واستمرت ثلاث سنوات، توجت بأول انتخابات برلمانية في أبريل/نيسان 1993، مثلت بؤرة لنزاع مسلح ودخول البلاد في حرب صيف عام 1994.

المرحلة الانتقالية التالية التي عاشتها اليمن، كانت عقب ثورة وإحداث 2011، خلال فترة ما سُميّ بـ"الربيع العربي"، والتي حددتها المبادرة الخليجية وآلياتها، وتوجت بمؤتمر الحوار الوطني (2013 - 2014)، الذي أفضت مخرجاته إلى حرب ما زالت مستمرة إلى منذ عام 2015 إلى اليوم.

واللافت في كل تلك المراحل الانتقالية التي عاشتها البلاد، أنها أفضت إلى العنف والاحتراب بين اليمنيين، رفضا لما حدده الشعب عبر الانتخابات أو الحوار المرتكز على المكونات المجتمعية والأحزاب.

كما أن كل التجارب الانتقالية السابقة، استطاعت أن تخلق عهدا سياسيا ونظام حكم مختلفا عما كان مقررا له من قبل، بناءً على رغبة المنتصر في الحرب، والذي غالبا ما ينفرد بالسلطة وتحديد شكل الدولة.

ومن الأشياء اللافتة أيضا أن ما يسبق الفترات الانتقالية هو توافق جماعي لمكونات سياسية عديدة، غير أن ما يعقب تلك الفترات هو عبارة عن صراع بين تلك المكونات يفضي إلى إما انفراد بالسلطة أو صراع عليها.

> الوضع القانوني في اليمن

محاولة النخبة السياسية الانتقال باليمن من عهد نظام صالح الذي امتد إلى أكثر من ثلاثة عقود متواصلة، إلى عهد جديد تحكمه مخرجات الحوار الوطني التي شهد الجميع بتناسبها مع وضع اليمن، باءت بالفشل.

وبدأت هذه المحاولة عقب التوقيع على المبادرة الخليجية في نوفمبر/تشرين ثاني 2012، ومضت بعقد مؤتمر الحوار الوطني، لكنها لم تكمل هذه المحاولة مسيرتها وأعلنت فشلها مع سقوط صنعاء بأيدي مليشيات الحوثي، ووأد المحاولة الانتقالية.

خاصة في ظل وجود قوى مناهضة لطبيعة مخرجات الحوار الوطني، التي تصادمت مع مصالحها، ووجدت فيها خطرا عليها، الأمر الذي جعل البلاد تدخل في منعطف من العنف والصراع الذي وصل لدرجة الاقتتال الأهلي، المتوازي مع تدخل خارجي، مباشر أو غير مباشر.

في ظل هذا الوضع من الحرب التي أعقبت مرحلة انتقالية علّق عليها اليمنيون آمالا كثيرة، برز طرفان في هذه الحرب، الأول متمثل في الانقلابيين الحوثيين الذي انقلبوا على الحكومة الشرعية والنظام المعترف به دوليا التي مثلت الطرف الثاني.

وهو ما استمر منذ سبتمبر/أيلول 2014، وقت الانقلاب الحوثي وإسقاط صنعاء، وتأكد في أبريل/نيسان 2015، حين عمّد مجلس الأمن هذا الواقع، بقراراته التي اعتبرت الحوثيين متمردين، وسلطة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي طرفًا شرعيا.

ونتيجة لذلك، مثلت الشرعية ندا ورمزا مقابلا للانقلاب الحوثي، وهو ما يشكل توازنا سياسيا وعسكريا، بنت عليه كل دول العالم علاقاتها مع طرفي الحرب في اليمن، غير أن هذا التوازن لم يستمر، مع التغييرات الجديدة في المشهد السياسي اليمني.

وهي تغييرات كانت مفاجئة لكثيرين، رغم وجود بعض من توقع بحدوثها، خاصة في ظل عجز أداء الحكومة الشرعية عن حل الكثير من الملفات الاقتصادية والمعيشية، وعلى رأسها الملفات العسكرية ومواجهة الحوثيين ميدانيا.

غير أن البعض نظر إلى تلك التغييرات بأنها كانت بمثابة "إقصاء" للشرعية، بسبب رفضها تقديم تنازلات إضافية للأطراف الإقليمية، رغم الكم الهائل من التنازلات التي سبق وأن قدمتها، وليس فقط بسبب عجزها.

ومع هذا الإقصاء، أو التغيير السياسي للمشهد العام، أو أيا كان اسمه، برزت عدد من القوى والمكونات السياسية التي استحدث عقب عام 2015، وبعد عام 2017، زاحمت الحكومة الشرعية مكانتها في قوام النظام المناهض للحوثيين.

> دخول وخروج

استيعاب قوى سياسية وحزبية جديدة في الحكومة الشرعية، ترافق مع خروج رجالات في الشرعية اليمنية التقليدية، تمتلك خلافات مع الرعاة الإقليميين ومع القوى والمكونات المستحدثة والتي تم استيعابها في الشرعية، عبر حكومة مناصفة في ديسمبر/كانون أول 2020، ثم ضمن المجلس الرئاسي اليمني في أبريل/نيسان 2022.

ولهذا التغيير الكثير من الدلالات التي تشير إلى أن الرعاة الإقليميين يسعون إلى التخلص من العناصر والقوى التي قد تحول دون تحقيق سيطرة كاملة على دوائر القرار في اليمن، وهو ما كان صعب الحدوث قبل مغادرة صقور الشرعية، أو حتى رجالات الأحزاب السياسية المحسوبة على الشرعية.

كما تعني أن المجتمع الإقليمي يرغب في تكوين جبهة للشرعية أقوى من تلك التي كانت متواجدة قبلا، من خلال استيعاب قوى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، والمجلس السياسي للمقاومة الجنوبية، وممثلين عن محافظات يمنية ذات ثقل معين، بالإضافة إلى قوى وألوية عسكرية، في المجلس الرئاسي اليمني.

كل تلك العملية من الخروج والدخول لقوى ومكونات قديمة وجديدة، يبدو أن الهدف منه هو "توسيع قاعدة الشرعية"، وليس التخلص من الشرعية أو إقصاءها، باعتبار أن وجود الشرعية يمثل مقابلا طبيعيا وندا موازيا للانقلابيين الحوثيين، وبهذا وجب توسيعها وإدخال مزيد من القوى الإضافية.

وهذا التغيير والاستيعاب قد لا يتوقف عند هذا الحد، حيث يمكن أن يتطور ويشمل التعيينات الوزارية المرتقبة في أي حكومة جديدة، أو في قوام المجالس السيادية والمناصب الأخرى.

> هل انتهت الشرعية بالفعل؟

بعض المراقبين يعتقد أن الاستيعاب الواسع والكبير الذي تضمنه المجلس الرئاسي اليمني، وانفتاحه على كافة القوى المناهضة للحوثيين، ليس سوى إقصاء واضح يضع حدا لدور الشرعية اليمنية بصفتها التقليدية التي عرفها العالم.

ويرى هؤلاء أن اليمن يشهد حاليا عهدا سياسيا جديدا، مغايرا لما سبقه من عهود سياسية، أبرز ملامحه فتح المجال لكافة القوى المشاركة في صنع القرار، تمهيدا لإقرار السلام الشامل الذي ينتظره المجتمع الدولي قبل المجتمع المحلي، ويدفعه نحو تثبيته.

غير أن المشاركة الجماعية في السلطة، قد تقود في النهاية إلى سعي كل طرف إلى التغلب على الآخرين، والاستئثار بالسلطة من خلال قربه من المتحكمين بالمشهد اليمني، وفق تحذيرات المراقبين.

وحتى وإن لم تصدق توقعات المراقبين، من مخاوف الصراع التي قد تشكلها المشاركة الجماعية لقوى متناقضة في أهدافها وغاياتها السياسية وتوجهاتها، فإن ثمة مشاكل أخرى ستكون قائمة في كل الحالات، لا تخلو من أسباب الصراع في المشهد السياسي. الجاري تشكيله.

لعل أبرز تلك المشاكل "المحاصصة السياسية"، التي يتحمل في طياتها الكثير من النزاعات، قد تنعكس على حالة الاستقرار العام في البلاد، عندها فقط ستكون المشاركة الجماعية وفتح الباب واسعا أمام استيعاب قوى جديدة ومتعددة سببا في صراعات جديدة.

وبدلا من أن يكون القرار بيد طرف أو جهة وحيدة، تتحمل كامل المسئولية أمام الشعب والناس، متجسدة في الشرعية اليمنية، سيمثل المشهد السياسي الجديد الكثير من القوى التي ستتهرب من مسئولياتها، وتتهم قوى أخرى.

وهو أمر قد لا يقود إلى أي توافق، بقدر ما يؤدي إلى صراعات لا نهاية لها، تتسبب في عدم الاستقرار والتأسيس لنظام مستدام ما دامت المحاصصة والتعدد السياسي الذي يبدو أن المشهد الراهن يقوم بناء عليه.