مازالت الخطورة الكبيرة المتوقعة عن خزان النفط العائم ( صافر ) قائمة رغم المناقشات والجهود الكبيرة المبذولة سواء الجهود الوطنية أو الجهود الدولية والإقليمية لكنها تبقى جهود لم تنجح لحد اللحظة في حل هذه المعضلة الكبيرة التي لو قدر الله وحصل التلوث أو الانفجار المتوقعين ستتخطى أرقامها كافة حوادث التلوث النفطي البحري التي حصلت من قبل لأننا نتحدث عن كمية نفط خام تقدر بـ(150,000 ) مائة وخمسين ألف طن متري أي مايقارب مليون ومائة ألف برميل.
هذه القنبلة الموقوتة والتي نشأت نتيجة الحرب الواقعة في اليمن أوضحت للأسف الضعف الكبير في التعاطي الحقيقي معها خاصة من المنظمات الدولية المختصة كالأمم المتحدة ومنظماتها وبالأخص المنظمة البحرية الدولية فكارثة مثل هذه تستدعي ضغوطا قوية على المتسبب في عدم معالجة وضع الناقلة صافر وليست مشاورات وتقارير فقط ، خاصة والعالم كله يتحدث عن التنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر والجانب البيئي كما هو معلوم هو الركن البارز في تلك الأهداف ، وأصبحنا نقرأ عن الموانئ الخضراء والاقتصاد الأخضر وضرورة تخفيض الحد الأعلى العالمي لمحتوى الكبريت المسموح به في وقود السفن إلى 0.50% ( من حد 3.5% السابق) والذي يعتبر إلزامي اعتبارا من 1 كانون الثاني/يناير 2020م وغير ذلك .
الحديث عن صافر والأضرار المتوقعة منها تناولته الكثير من التقارير الدولية والمحلية وجميع تلك التقارير تقريبا تذكر حادثة التسرُّب النِّفْطي للناقلة إكسون فالديز ( Exxon Valdez) وأن كمية النفط الموجود في صافر هو أربعة أضعاف الكمية التي تسربت من الناقلة أكسون فالديز ، وكمساهمة في التوعية بخطر هذه القنبلة الموقوتة نستعرض معكم معلومات عن كارثة أكسون فالديز والأضرار التي حصلت منها .
ففي الثالث والعشرين من مارس ١٩٨٩ غادرت ناقلة النِّفْط إكسون فالديز مرفأ خط أنابيب ترانس ألاسكا في الولايات المتحدة الأمريكية متجهة إلى "لونغ بيتش، كاليفورنيا" واتخذت مساراً مختلفاً عن المسار البحري الرسمي المعتاد، بناءً على تعليمات القبطان جوزيف هازلوود لتفادي الارتطام بالجبال الجليدية لتجنح الناقلة بعد ذلك في غفلة من الطاقم إلى منطقة قليلة العمق لا تصلح لإبحار سفينة بحجمها، الأمر الذي أدى إلى اصطدام قاعها بصخور البلاي ريف Bligh Reef المعروفة في منطقة مضيق الأمير ويليام، فأصيبت السفينة بأضرار بالغة، وبدأ النفط بالتسرب شيئاً فشيئاً.
تسببت حادثة الناقلة النفطية في تسرب ما يقدر بنحو 10.8 مليون جالون من النفط الخام (257000 برميل) (أو 37000 طن) وغطى التسرب النفطي 11000 ميل مربع من المحيط، و 470 ميلا جنوب غرب وبمساحة 1300 ميل من الساحل.
تطلَّب تنظيف التسرب النِّفْطي الذي تسببت فيه الناقلة إكسون فالديز من المعدات والعمالة والوقت مقدارًا يفوق ما تطلَّبه أيُّ تسرب نفطي آخر في تاريخ الولايات المتحدة؛ إذ شارك أكثر من أحد عشر ألف شخص، وألف وأربعمائة قارب، وثمانية وخمسين طائرة و استغرقت عمليات التنظيف ثلاث سنوات تقريباً، لمكافحة التلوث بالمنطقة التي اقتضت عمليات معقدة مثل نقل الكثير من الكائنات المائية إلى مكان آخر لحمايتها ريثما تنتهي بنجاح في الوقت الذي أتى فيه التلوث بالنفط على 250,000 طائراً بحرياً، 2,800 من ثعلب البحر، و300 من فقمة الميناء، 250 من النسور الصلعاء، وتصل إلى 22 من الحيتان القاتلة، والمليارات من بيوض سمك السلمون والرنجة.
في أوائل عام 2007 بقي أكثر من 26000 جالون من النفط من تسرب اكسون فالديز عالقاً في الرمال على طول ساحل ألاسكا، وفقاً لدراسة أجرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، وقرر العلماء المشاركون في الدراسة أن هذا النفط المتبقي آخذ في الانخفاض بمعدل أقل من 4 في المائة سنويا.
في البداية صدر حكمٌ بتغريم إكسون خمسة مليارات دولار كتعويض عن الأضرار التي تسببت فيها، لكن الشركة استأنفت الحكم، وهو ما أطال عملية التقاضي لسنوات، وأخيرًا في الخامس والعشرين من يونيو عام ٢٠٠٨ وبعد عشرين عامًا تقريبًا على حادثة التسرب، خفضت المحكمة العليا الأمريكية الغرامة إلى قرابة ٥٠٠ مليون دولار، وقد أعلنت إكسون في الثلاثين من يونيو عام ٢٠٠٩ أنها لن تُعارِض الحكم.
هذا جزء من الأضرار التي تم استعراضها من حادثة تسرب (257000 برميل) في أمريكا ، فكيف سيكون الحال مع ( 1,100,000 ) مليون ومائة ألف برميل ، وكما تم الاستعراض فإن جهود التنظيف امتدت لثلاثة أعوام وشارك فيها أحد عشر ألف شخص و 1400 قارب و 58 طائرة ، فهل لدى اليمن أو الدول المجاورة له والمتوقع وصول التلوث إليها هذه الإمكانيات .
الأمم المتحدة نشرت بيانا صحفيا تؤكد فيه ترحيبها بالتقدم المحرز في اقتراح بخصوص سفينة النفط صافر بعد أن عقدت في 5 فبراير الجاري اجتماعات بناءة مع الحكومة اليمنية في عدن بشأن الاقتراح المنسق من قبل الأمم المتحدة للتخفيف من التهديد الذي تشكله الناقلة صافر الراسية قبالة ساحل محافظة الحديدة.
في 31/7/2021م طالب المهندس محمد عبدالله مبارك الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للشئون البحرية اليمنية رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة التلوث المتوقع عن ناقلة النفط صافر في تصريح صحفي بسرعة إخلاء الناقلة صافر من محتوياتها من النفط الخام قبل أن تحل الكارثة ويحصل الانفجار والتلوث المتوقع وتتضرر المنطقة بكاملها من ذلك ، مؤكدا بأن الخطوة الأولى حاليا وبشكل سريع تقتضي نزع فتيل المشكلة الكبيرة المتوقعة من خلال إخلاء الناقلة من جميع محتوياتها من النفط الخام بمهنية وبمعايير ومتطلبات دولية بحيث يكون إخلاء آمنا من الاخطار وبالذات احتماليات الانفجار بحكم الفترة الطويلة لوجود الوقود بداخل الناقلة ومانتج عن ذلك من أبخرة متفجرة ، وقال بأن رأي اللجنة الوطنية أن يتم تكليف شركة متخصصة وذات خبرة لتنفيذ هذه المهمة ، وهو رأي مهني يهتم بالسلامة والأمان دون اعتبار للنزاعات السياسية والخلافات المالية التي بسببها أصبح وقوع الكارثة قريبا جدا .
ومن ناحية مكافحة التلوث النفطي في حالة تم اخلاء الناقلة أو حصل تلوث قبل اخلاءها فإن الهيئة العامة للشئون البحرية في الوقت الحالي – الجهة الحكومية المختصة في اليمن بالسلامة البحرية ومكافحة التلوث البحري - ليس لديها الأدوات والمعدات التي تمكنها من مكافحة تلكم الكارثة المتوقعة فقد دمرت الحرب ماتمتلكه الهيئة من معدات رمزية لن تفي بالغرض ومع ذلك انتهت، وأضاف بأنه وفي أكثر من لقاءات وتواصل مع منظمات دولية وإقليمية تم الرفع بالمتطلبات والاحتياجات العاجلة للسيطرة على أي تلوث قد يحصل في تصورات وتقارير متكاملة تم اعدادها من متخصصين في هذا الجانب .
وعن حالة الناقلة صافر فقد أكد الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للشئون البحرية بأن الناقلة لم تعد صالحة لقدمها وعدم ترميمها لفترة طويلة، وأن ترميمها حاليا سيكون كلفته باهضه أكثر من قيمة وسيلة أخرى تحل محل الناقلة صافر.
وطالب رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة التلوث المتوقع من الناقلة صافر المجتمع الدولي بسرعة اتخاذ قرار بإجراءات إجبارية لتخليص المنطقة من التلوث الكبير الذي سينشأ عن الناقلة ، وأن الوقت لا ينتظر فعاليات ومؤتمرات ونقاشات فالكارثة ممكن أن تكون في الغد والإخلاء هو الأولى حاليا .
تصريح رئيس اللجنة يؤكد استعداد الجانب الحكومي اليمني للتعاون مع المنظمات الدولية لمنع وقوع هذه الكارثة وأن التعنت هو من الطرف الآخر وهو مليشيا الحوثي المسيطرة على الناقلة منذ دخوله محافظة الحديدة في عام 2015م.
وبحسب تقرير صادر عن منصة حلم أخضر Holm Akhdar فإن اليمن ستحتاج - بعد وقوع التسرب النفطي الوشيك - الى معالجة اضرار كارثة التلوث البحري لفترة طويلة من الزمن، ولمدة تزيد عن 30 سنة قادمة (على الاقل) كي تتعافى بيئة البحر الأحمر ، وستكون الكلفة البيئية والاقتصادية من كارثة صافر أن 115 جزيرة يمنية في البحر الأحمر ستفقد تنوعها البيولوجي، وستخسر موائلها الطبيعية ، و 126,000 من الصيادين اليمنيين سيفقدون مصدر دخلهم بمناطق الصيد اليدوي ، و67,800 من الصيادين في محافظة الحديدة اليمنية سيفقدون مصدر دخلهم الوحيد ، و148 من الجمعيات السمكية التعاونية للصيادين اليمنيين ستتوقف عن العمل في 10 محافظات يمنية و 850,000 طن كمية المخزون السمكي الموجود في المياه اليمنية سيتعرض للتلف ، و 300 نوع من الشعاب المرجانية ستختفي من المياه اليمنية جراء النفط الخام وعدم وصول الاكسجين والشمس إليها و768 نوع من الطحالب في المياه الإقليمية اليمنية ستتعرض للتلف والموت و 139 نوعاً من العوالق الحيوانية التي تعيش في المياه اليمنية ستختنق ببقع الزيت الخام ، و1.5 مليون طائر مهاجر مهدد بالخطر أثناء عبوره السنوي لمنطقة باب المندب، والتي تصنف بانها ثاني ممر عالمي للطيور المهاجرة الحوامة ، و 390 نوعاً من أنواع الطيور البرية والمائية الموجودة في اليمن ستواجه نصفها خطر النفوق المؤكد في الجزر والسواحل التي ستتعرض للتلوث ببقع النفط و57 موقعاً من مواقع الطيور في اليمن سيتضرر نصفها على الاقل نتيجة تلوث السواحل والجزر ، و170 نوعاً من الطيور المهاجرة البرية والمائية التي تتواجد في محميات وسواحل الاراضي الرطبة في محافظة عدن ستتعرض لخطر النفوق جراء وصول بقع الزيت الى خليج عدن، والبحر العربي.
إن منطقة البحر الاحمر التي ترسو فيها سفينة تخزين النفط صافر، تعد منطقة شبة مغلقة، وتشير التوقعات في حال وقوع تسرب نفطي، فمن الممكن ان تنتشر بقع الزيت لتغطي كافة انحاء البحر الأحمر مما سيؤدي لتضرر سواحل عدد من دول الإقليم وهي اليمن، السعودية، ارتيريا، جيبوتي، والصومال، مما يجعل الكارثة تتعدى الحدود الاقليمية للمياه اليمنية وصولاً الى المياه الدولية.
- نقلا عن موقع المركز الديمقراطي العربي