تقرير يتناول تجاهل العالم للمشاكل المعيشية في اليمن وانهيار الاقتصاد في ظل حرب طاحنة تهدد اليمنيين بالمجاعة..
لماذا تذهب الدول الغنية لمد يد العون إلى الآخرين ويغضون الطرف عن اليمن؟
منحت اليمن جزرا وموانئ ونفوذا لدول خليجية.. فلماذا لا يتم دعمها؟
ماذا لو استمرت المعاناة.. هل سنرى مجاعة تشبه ما كنا نراه في أفريقيا؟
إلى متى سيتواصل تجاهل العالم لمشكلة الجوع وانهيار الاقتصاد في اليمن؟
منذ سبع سنوات، تتكالب الكوارث والأزمات على الشعب اليمني، لدرجة أن معاناته وصلت خلال تلك الفترة الأفاق، حتى وقف أبناءه على حدود دول أوروبا طمعا في دخولها، باحثين عن حياة كريمة.
ورغم أصداء تلك المعاناة التي دفعت منظمات الأمم المتحدة لتصنيف ما يجري في اليمن بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، إلا أن هذا العالم لم يحرك ساكنا لتدارك هذه الأزمة أو الحد منها.
حتى مؤتمرات المانحين التي تعقد كل عام بإشراف وتنسيق أممي لم تبلغ مستوى ما يكابده اليمنيون من أزمات معيشية، جعلت حياتهم تتنقل من سيء إلى أسوأ، دون أن تجد لها آذانا صاغيا.
وكل عام تتقلص مساعدات الدول المانحة، وتتراجع قيمتها، بالرغم من أنه لا يصل منها إلى المواطنين سوى الفتات، بينما تذهب ثلاثة أرباعها “ما نسبته 70 %” إلى ميزانيات تشغيلة للمنظمات الدولية والمحلية ومرتبات موظفيها.
في المقابل، يرزح اليمنيون تحت خط الفقر، نتيجة تجاهل العالم لمعاناة هذا البلد، الذي بات منسيا على ما يبدو، ليتجه سكانه نحو شفا المجاعة التي التهمت كافة شرائح المجتمع دون تمييز.
هذا التجاهل للأزمة اليمنية والكوارث الإنسانية التي يعانيها جراء الحرب، من قبل المجتمع الدولي والإقليم المحيط باليمن، لا يتوافق مع الدعاوي الإنسانية والتباكي على الجوع في هذا البلد الفقير.
حيث يتحدث المجتمع الدولي ومنظماته العاملة في الشأن الإنساني عن المجاعة التي تقترب شيئا فشيئا من النيل من كافة المواطنون، بينما في المقابل تحجم الدول الغنية في العالم والمجاورة لليمن عن مد يد العون لهذا البلد.
وكأن انعدام المرتبات، وغياب الخدمات العامة، وانهيار العملة المحلية وتأثيراتها القاسية على ارتفاع الأسعار وأجرة النقل والمواصلات، وتصاعد أسعار الوقود والمشتقات النفطية لا يعني أحدا.
حتى المرتبات التي يتسلمها بعض منتسبي السلك الوظيفي للدولة باتت لا تغني ولا تسمن من جوع، لدى النسبة الأكبر من اليمنيين، الذين لا مجال أمام سوى السقوط في براثن المجاعة المحدقة.
كل ذلك، وسط تجاهل وإقليمي كبير وواضح، لا يحتاج إلى رؤية حصيفة، فالوقائع المحيطة والمستجدات السياسية تؤكد هذا التجاهل والنسيان العالمي لأزمة اليمن.
>دعم الآخرين ونسيان اليمن
في الوقت الذي يكاد اليمنيون يستسلمون لحتمية المجاعة المحدقة بهم، بعد استحالة توفير القوت اليومي الأساسي لشريحة كبيرة من المواطنين، تفاخر دول مسئولة عن الحرب في اليمن بمنح دول أخرى مليارات الدولارات، وكأن ما يجري في اليمن لا يعنيها.
فبعد أن قدمت دول خليجية مساعدات بالمليارات لمصر عقب ثورة يونيو/حزيران، وحولتها من دولة أثقلتها المماحكات السياسية إلى أكثر دول المنطقة استقرارا وتنمية، كررتها مع دول أخرى غير اليمن.
فكانت باكستان في مرمى المساعدات الخليجية، مستقبلةً مليارات هي الأخرى، بجانب جارتها أفعانستان رغم سيطرة طالبان على البلاد هناك، إلا أنها نالت نصيبها من المساعدات المغدقة.
وأخيرا، كان الدعم الإماراتي السخي بعشرة مليارات دولار لدولة مستقرة ومن الدول الناهضة عالميا، مثل تركيا، مثارا للكثير من الجدل والاستغراب، في ظل رزوح اليمن تحت الفقر والجوع والأزمات الناتجة عن الحرب.
الأمر الذي جعل مراقبين يعتبرون أن العالم، وخاصة دول الخليج، يتجاهلون بشكل متعمد اليمن، ويوزعون مساعداتهم لدول لا يمكن مقارنة أوضاعها المعيشية باليمن.
فالوضع في اليمن لا يبدو أنه أفضل حالا من الدول التي تحصلت على المليارات الخليجية، بمجرد أن هناك حسابات سياسية ليس إلا.
وهو ما يثير القهر لدى اليمنيين، الذين ينظرون إلى تناقض التدخلات في دول أكثر استقرارا وأمنا وتنمية من اليمن الغارق في الحرب والمجاعة.
>الخليج الغني.. لماذا يتجاهل؟
تدخلت دول الخليج عسكريا في اليمن خلال عام 2015، ومنذ ذلك الحين، وهي تتحدث عن دعم المجالات الإنسانية التنموية والخدمية في البلاد، وتتفاخر بها، دون أن يكون لتدخلاتها تلك أي انعكاس حقيقي على الواقع المعيشي في البلاد.
لدرجة أن المؤسسات الخيرية والأذرع الإنسانية التابعة للتحالف العربي، نالت حظها من السخرية والتهكم جراء أنشطتها التي لم ترتقي إلى مستوى حاجة الشعب اليمني، خدميا وتنمويا وإنسانيا.
ورغم أن دول التحالف الخليجية من أغنى دول العالم نفطيا، وقدراتها المالية الضخمة على انتشال اليمن من وضعه الإنساني والخدمي المتردي، غير أن مثل هذا لم يحدث ولم يتحقق.
وفي حين ينظر اليمنيون إلى دول الخليج وهي توزع عشرات المليارات من الدولارات في تركيا وأفغانستان ومصر وباكستان وغيرها، يتحسر على تجاهل الجيران العرب للمعاناة اليمنية.
غير أن مراقبين يعطون أسبابا لهذا التجاهل، والمتمثل في السعي إلى مزيد من التحكم والسيطرة في الشأن اليمني، أكثر مما هو جارٍ حاليا.
فلم تعد السيطرة على جزر ومدن وموانئ اليمن كافية بالنسبة لهذه الدول- بحسب مراقبين- فهناك البحث عن المزيد من السيطرة والتحكم لم تتم بعد.
ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تركيع اليمنيين وإذلالهم معيشيا وخدميا، كما يقول البعض، ويسوقون في سبيل تأكيد هذه الرؤية الكثير من الدلائل والبراهين، وسط صمت رئاسي يمني وحكومي مخزي.
ويستغرب أصحاب هذا الرأي من عدم منح دول الخليج شيئا مما تقدر عليه لانتشال الاقتصاد اليمني من أزماته المتلاحقة، ودعم العملة المحلية، وإنقاذ اليمنيين من المجاعة، رغم أن بعض اليمنيين رحبوا بهم في جزرهم وموانئهم ومنحوها لدول التحالف.
>صمت رئاسي وحكومي
في المقابل، يتحدث آخرون عن إدراك خليجي للوضع السياسي والاقتصادي في اليمن؛ ولهذا فهم معرضون عن تقديم أي دعم للبلاد؛ لأنهم باختصار يعرفون أين سيذهب.
فالفساد، بحسب هؤلاء، يضرب أطنابه في كل مكان من المؤسسات اليمنية، خاصة الحكومية، لهذا يحجم الخليجيون عن تقديم أية ودائع بنكية أو دعم ملياري لليمن؛ مخافة وقوعها في يد الفاسدين.
وما يؤكد هذه الرؤية، وجود صمت رهيب من قيادات الدولة في الرئاسة اليمنية والحكومة الشرعية تجاه أي ردة فعل لدى التحالف، أو مطالبته بدعم الاقتصاد اليمني، في ظل انهيار كارثي للعملة المحلية.
وكأن ما يجري في البلاد لا يعني القيادات العليا الغارقة في العيش الرغيد بالخارج، بينما يرزح أبناء اليمن في الداخل تحت رحمة الفقر والمجاعة.
ويرجح مراقبون أن تكون القيادات الرئاسية والحكومية قد ارتضت لنفسها العيش في رخاء، دون النظر لحال الشعب، وهو ما قد يمنعهم من مخاطبة دول التحالف، وحتى مخاطبة العالم للتدخل وإنقاذ الشعب الذي يحكمون باسمه.
>لماذا لا يساعدنا العالم؟
يبدو العالم وكأنه ينظر إلى اليمن كدولة فاشلة، وراضٍ بأن تكون هذه الدولة فاشلة على الدوام وعلى المدى البعيد، دون أن يتدخل لتغيير هذا الواقع، وذلك يعود إلى عدة أسباب.
أحد تلك الأسباب، تكمن في الموقع الجغرافي والاستراتيجي لليمن، والذي يجعل العالم يتمنى ألا تقوم فيها دولة مستقرة أو ناجحة؛ حتى يتنسى له التحكم والسيطرة على منافذها وجزرها وموانئها.
تماما كما حدث مع حالة الدولة الصومالية، منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، والتي تركت للصراعات والمجاعة والفقر.
ولعل هذا السبب هو نفسه ما يدفع دول التحالف أيضا لترك اليمن فريسة للمجاعة والفقر والجوع.
غير أن مثل هذه التصرفات والأهداف قد تؤدي إلى القضاء على الشعب اليمني، وتهجيره والسقوط في الفقر والجوع، مثلما ترك الصومال والدول الأفريقية.
وهي النهاية الحتمية التي قد تصلها اليمن في حالة استمرار وتجاهل الأوضاع الإنسانية والمعيشية التي يكابدها المواطنون، من الانهيار الاقتصادي وتراجع سعر العملة المحلية.