آخر تحديث :الإثنين-25 نوفمبر 2024-03:44م
ملفات وتحقيقات

(عدن الغد) تنفرد بنشر مذكرات الرئيس علي ناصر : الحلقة ( الاولى) ( الطريق إلى عدن )

السبت - 16 نوفمبر 2019 - 11:37 ص بتوقيت عدن
(عدن الغد) تنفرد بنشر مذكرات  الرئيس علي ناصر : الحلقة ( الاولى) ( الطريق إلى عدن )
(عدن الغد)خاص:

استقبلتُ هذه الدنيا  في ثنايا نشبوب الحرب العالمية الثانية

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية والإلكترونية بنشر أبرز وأهم  المذكرات من كتاب علي ناصر محمد الذي أسماه ( الطريق إلى عدن )  

ويعد هذا كتاب الجزء الثاني من مذكرات الرئيس علي ناصر محمد حيث سبق وأن تفردت صحيفة ( عدن الغد ) بنشر الجزء الأول من كتاب ( ذاكرة وطن  من الاحتلال إلى الاستقلال ) وفي الجزء الثاني تحتوي مذكراته إلى لفت الانتباه على معايشات ومشاهدات وحوارات وأحاديث، جرت في رحلة قام  بها الرئيس السابق ( علي ناصر محمد ) ورفاق الرحلة من دثينة إلى عدن، وقد دونت في عدة محطات توقف فيها، وصاغه في قالب حواري يجمع بين اللغة الفصحى واللهجة المحلية ..

 متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :  

يقول الرئيس الأسبق علي ناصر محمد في بداية حديثه عن كتابه الثاني ( الطريق إلى عدن ) هذا الكتاب محاولة متواضعة أردت من خلاله أن ألفت الانتباه إلى ما يزخر به مجتمعنا من عادات اجتماعية وقيم ومثل نبيلة، وما في هذه العادات والتقاليد من ثراء وتنوع، وقد جَمَعْتُ مادته من معايشات ومشاهدات وحوارات وأحاديث، جرت في رحلة قمت بها أنا ورفاق الرحلة من دثينة إلى عدن، وقد دونتها في عدة محطات توقفنا فيها، وضعته في قالب حواري يجمع بين اللغة الفصحى واللهجة المحلية، وقد قمت في هذا الكتاب بإلقاء الضوء على الزواج وعاداته والزراعة وأعمالها من فلاحة وبذر وحصاد، وعلى عمليات البناء, وروح التعاون السائدة بين الناس من خلال ما أعرفه وخَبِرْتُه، وما استطعت أن أجمعه من أفواه الناس في منطقة دثينة، وبذلك فإنني أردت أن ألفت الانتباه إلى أن هناك الكثير من العادات والتقاليد التي تختلف من منطقة إلى أخرى في طول الجنوب وعرضه، لم يسجلها أحد أو يهتم بجمعها ودراستها أي باحث، والعديد منها بدأ يختفي أمام زحف التطور، ونشوء عادات وقيم جديدة قد لا تكون أحياناً أفضل من تلك التي كانت سائدة. كتعاون الناس في تشييد منزل أحد الجيران، أو تعاونهم في حالات الزواج أو الوفاة والعمل الزراعي، كما أنها لا تعني الدعوة للتمسك بعادات وتقاليد بالية متخلفة كعادات الحروب القبلية والأخذ بالثأر والتي أوقعت مناطقنا في تخلف مريع.  

دعوة للاهتمام بدراسة العادات والتقاليد في بلادنا

ومن هذا المنطلق، فإن هذا الكتاب دعوة للاهتمام بدراسة العادات والتقاليد في بلادنا وأنماطها وتأثيرها في حياة الشعب ودعوة للحفاظ على أفضل هذه العادات وإحيائها وحمايتها من الاندثار، وهو أيضا دعوة للباحثين والكتاب وخاصة المهتمين منهم بالعلوم الاجتماعية لدراسة وتسجيل وتوثيق العادات والتقاليد والفنون والأغاني والرقصات والفلكلور الشعبي.

 وإذا كان المستعربون الأجانب قد أولوا اهتماماً لدراسة المجتمعات العربية كالمستعرب السويدي "لامبردج" الذي سترد قصته في هذا الكتاب وما سجله عن واقعة "بلاء شمعة" خلال دراسته اللهجة المحلية والزوامل في منطقة دثينة، فإننا نحن أبناء هذا البلد أولى بدراسة عادات وتقاليد ولهجات مجتمعنا لأننا الأقدر على فهمها واستخلاص الدروس والعبر منها.

كما أنها دعوة للدولة وللجامعات، ولمراكز البحث في البلاد، للاهتمام بهذه القضية الحيوية كي لا نفاجأ ذات يوم وقد اختفت هذه العادات والتقاليد أمام زحف التطور, دون أن نسجلها في كتاب, أو ندرسها الدراسة الكافية لتبقى إرثاً للأجيال القادمة تستفيد منه وتأخذ منه ما يصلح لها.

 إنها كما قلت محاولة متواضعة، أرجو أن تكون مفيدة ودافعاً للمهتمين والباحثين للاهتمام بالتراث الشعبي وإنقاذه من الاندثار، وقد حرصت على تضمين هذا الكتاب صور من الحياة الاجتماعية في دثينة وعدن ومعلومات عن مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية، رصدتها بقدر ما في الإمكان من دقة، وفي هذا الإطار تحضرني الذاكرة أننا قمنا في ثمانينات القرن الماضي بتنظيم مهرجانات للغناء والرقص والشعر الشعبي والفلكلور والعادات الشعبية لكل مناطق ومحافظات البلاد وقمنا بتوثيق وتدوين ذلك الفلكلور الشعبي والملابس التقليدية والعادات والتقاليد وتصويرها وتسجيلها بالصوت والصورة.

أخيرا لا أزعم أنني أقدم في هذا الكتاب دراسة أكاديمية منهجية للظواهر الاجتماعية، فمثل هذا الطموح يتطلب مسحاً شاملاً، ودراسات مقارنة معمقة، تقوم بها مراكز متخصصة، وحسبي أنني بدأت بهذه الخطوة وأسهمت بهذا الجهد المتواضع.

الطفولة المبكرة والنشأة

استقبلتُ هذه الدنيا واستقبلتني في مطلع عام 1939م، وفي العام ذاته نشبت الحرب العالمية الثانية، وقبله بمئة عام كان الاحتلال الإنجليزي لعدن عام 1839م. أي أنني وُلدت بعد قرن كامل من ذلك الاحتلال  في ولاية دثينه.

وُلدت في دَثينة، وقد أجد في الحديث عن هذه البلاد العريقة بماضيها ما يكفيني عن الخوض في تفاصيل حياتي الخاصة التي لا أجد في كثير من وقائعها ما يميزها عن حياة أبناء بلادي.

جنوب اليمن غنية بعلائم التراث والحضارة والتاريخ

ولدت في جنوب اليمن الغنية بعلائم التراث والحضارة والتاريخ. هذه البلاد التي تترامى في جنوب جزيرة العرب، قابضة على مداخل البحر الأحمر في نقطة التقائه ببحر العرب وامتداده إلى الشرق حتى الخليج العربي، وإلى الشمال حتى أعالي الجزيرة العربية. وربما لهذا السبب الجغرافي، وبسبب موقعها الاستراتيجي، ولأسباب أخرى لها علاقة بخيرات هذه الأرض، كانت موضع أطماع متواصلة، واعتداءات متكررة في كل حقبة من الحقب، كلما وجدت القوى الاستعمارية حاجة لترسيخ نفوذها وتوسيعه وحماية مصالحها وتأمين سيطرتها على أطراف العالم الجنوبية حتى شبه القارة الهندية.

كان ميلادي بقرية أمفرعة، في أسرة فلاحية، وكان والدي مزارعاً دؤوباً، شديد التعلق بأولاده وأرضه، وحريصاً عليهم رغم شواغله الأخرى بالحروب القبلية التي تفرض نفسها عليه وعلى أمثاله.

قبائل متناثرة في هضبة دثينة

امفرعة، هي إحدى القرى الكثيرة المتناثرة في قلب هضبة دثينة، تبعد عن عدن حوالي مئتي كيلو متراً. وتسكنها قبائل آل حسنة التي أنتمي إليها، وقبائل المياسر، والسعيدي، والعلهيين. وقد أنهكت الحروب هذه القبائل الكاسرة، وآخرها حرب أو "بلاء شمعة" التي استمرت أكثر من خمسين عاماً (أترك الحديث عنها إلى مكان لاحق من هذه الكتاب).

كان لتلك الصراعات أثر على حياة  السكان في دثينة الذين كان يبلغ عددهم آنذاك حوالي ثلاثين ألف نسمة، مثلما أن لها أثراً في الزراعة والأمن والاستقرار وفي طبيعة الحياة والسكان.

يخترق هذه الهضبة عدد من الأودية التي تجري فيها السيول المنحدرة من الجبال الشامخة، كأدوية وجر وثوعة ومرّان وكبران وعزان فتروي اراضيها الزراعية الخصبة ويستفيد منها المزارعون في زراعة مختلف المحاصيل الزراعية وتربية المواشي خاصة أوقات السلم والصلح بين القبائل.

 أما في زمن الثأرات والحروب والاقتتال بين القبائل فتتحول هذه الاراضي الى ارض قفر يباب. ولا يستفيد المزارعون من مياه الأمطار الغزيرة ولا من مياه السيول المتدفقة التي تذهب إلى وادي أحور الخصب ويصب معظمها في بحر العرب. وقد سميت مودية العاصمة بهذا الاسم نسبة إلى كثرة الأودية فيها.

كان الاستعمار البريطاني، ضمن سياسته المعروفة "فرق تسد" يشجع الحروب بين القبائل الكاسرة، لإضعافها وإنهاكها حتى يتسنى له الوقت المناسب لدخول هذه المناطق المنيعة من غير مواجهة مع قواته كما حدث لدثينة في بداية الأربعينيات من القرن العشرين المنصرم.  

دخول البريطانيين دثينة دون تكبد خسائر

وهذه المنطقة الإستراتيجية، تربط عدن بالمحميات الشرقية : العوالق السفلى، و مشيخة العوالق العليا، وسلطنة الواحدي، وإمارة بيحان، وسلطنة نصاب و سلطنتي القعيطي والكثيري في حضرموت وحتى المهرة شرقاً الواقعة على حدود سلطنة عمان، كما ترتبط هذه المنطقة سلطنتي الفضلي والعوذلي غرباً، ولواء البيضاء في الشمال الغربي التابع للجمهورية العربية اليمنية.

دخل البريطانيون، المنطقة عام 1944م، بسهولة دون أن يتكبدوا أي خسائر بعد أن أنهكت أهلها الحروب الداخلية، ولم يتكلفوا سوى تقديم بعض الدعم المادي اليسير لبعض الشيوخ الذين يحكمونها, متمثلا في بعض الذخائر والأسلحة وبعض النقود.

 وعلى عكس بقية المحميات الشرقية والغربية، فإن أهل دثينة ومشايخها لا يحتكمون إلى سلطان أو شيخ واحد، ولهذا تحيَّر البريطانيون في إطلاق تسمية مناسبة عليها، فسموها حيناً حكومة دثينة، وحيناً جمهورية دثينة، (1)  وأخيراً ولاية دثينة.

وقد تحدّث المؤرخ اليمني الكبير، الهمداني، في كتابه : "صفة جزيرة العرب" عن دثينة، كما تحدّث عنها وعن قبائلها وأنسابها المؤرخ العدني حمزة علي لقمان في كتابه: "القبائل اليمنية".  

إذا رويت دثينة شبعت الف مدينة

بدأ الإنجليز بترويض سكان المنطقة الذين كانوا قبائل مقاتلة بالفطرة، عبر تشجيع الفلاحين على زراعة محاصيل جديدة مثل القطن والخضروات والفواكه. وشكَّلوا جمعيات تعاونية لهؤلاء الفلاحين الذين كان عليهم أن يكدوا ويكدحوا طويلاً ليجنوا في الأخير مبالغ بسيطة وزهيدة من ثمن الطماطم، والبطاطا، والبصل، والملفوف، والبامياء، والبرتقال والليمون، بعد أن توقفوا عن حمل سلاحهم وتركوه في بيوتهم.. وحملوا بدلاً من البنادق المجارف والفؤوس وبدأوا بجني المال من بيع المحاصيل الزراعية الجديدة ومن بيع المحاصيل التقليدية التي كانوا يعيشون عليها ومنها طوال مئات السنين كالذرة الحمراء، و السنيسلة، والدخن والجلجل "السمسم" والدجر، والذرة البيضاء. وكانت هي المفضلة على كل المحاصيل الزراعية، لأن أفضل الوجبات في هذه المنطقة تصنع منها. ويتباهى الناس بطبخها، ويتفننون في تحضيرها, ويتنافسون على من يصنع الأجود منها. إنها "المخلم"(نوع من الخبز الحامض الذي تشتهر به دثينة دون سواها من مناطق الجنوب). ومع ما يرافق هذه العملية من عمل شاق فإن النساء يتنافسن في ذلك لتحظى افضلهن في إعداده بالثناء والمديح. فيما بعد تحول الفلاحون وبقية السكان إلى أكل الرز، وما يسمى بالملّوح المصنوع من الدقيق المستورد، وإلى الخضروات والفواكه التي تعودوا أكلها بعد ذلك، وأصبحت من عاداتهم الغذائية الجديدة، وكان من أبرز الفلاحين الذين اهتموا بزراعة الخضار والفواكه في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات الشيخ محمد سعيد هيثم الظهر الذي أسهم في إدخال الزراعة الحديثة والتعليم للبنين والبنات إلى هذه المنطقة.  (( يتبع )) .

هوامش /

1- - جمهورية دثينة: منحها أهلها هذه التسمية اعتقاداً منهم بأنها كذلك، وتستحق التسمية بجدارة، حيث لم يكن هناك أمير أو سلطان يحكمها.