آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-11:57ص

ملفات وتحقيقات


الدفع من جديد إلى الواجهة.. "النائب فرج البحسني" هل يوحد الجنوبيين ويُلملم شتاتهم؟ (تقرير)

السبت - 18 مارس 2023 - 03:09 م بتوقيت عدن

الدفع من جديد إلى الواجهة.. "النائب فرج البحسني" هل يوحد الجنوبيين ويُلملم شتاتهم؟ (تقرير)

تقرير/ ناصر عوض لزرق:

تصدر نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اللواء الركن/ فرج سالمين البحسني الحديث الإعلامي والصحافي في الأوساط اليمنية والإقليمية والدولية وذلك بعد تصريحاته الأخيرة التي أكد على أهمية عدالة القضية الجنوبية وانصافها بحلول تستحق مكانتها التاريخية داعيًا المكونات الجنوبية كافة إلى توحيد الجهود والتحضير للمشاركة في تمثيل القضية الجنوبية والدفاع عنها، استغلال الظروف المهيأة للدفع بالقضية إلى الأمام ووضعها على أولويات طاولة الحوار، ونبذ الخلافات وتوحيد الرؤى، كون أن القضية أسمى وأرقى من أي خلافات.

النشاط الكبير الذي يقوم بها النائب البحسني كان مصدر تداول على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية خاصة بعد اللقاء الأخير الذي جمعه بعضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي العميد/ أحمد محمد بامعلّم، يوم الأربعاء الماضي في مدينة المكلا.

يرى البحسني الذي كان يشغل منصب محافظ محافظة حضرموت وقائداً للمنطقة العسكرية الثانية، أن القضية الجنوبية قضية تسمو فوق أي خلاف، ويجب أنصافها فهي قضية لها ثقلها التاريخي الكبير والعريق، والتي تفرض واقعها وعدم القدرة على تجاوزها.

وظلت القضية الجنوبية محل تجاذبات وتنازل بين المكونات والأطراف الجنوبية، للصراع حول من يمثلها، وظلت تلك القوى تتنازع الأحقية في تمثيل الجنوب وقضيته العادلة وتعمل على إقصاء الآخر، وهذا ما أدخل القضية الجنوبية في دوامات كثيرة أوصلت الجنوبيين إلى طر مسدودة.

 

استشعار الخطر

هناك تصريحات تمرُ مرور الكرام، دون العمل بها أو حتى إعطائها أي أهمية، كونها تصدر من جهات أو أشخاص يراد منها الاستهلاك الإعلامي أو المجاملة السياسية، غير أن التصريحات الأخيرة التي جاءت على لسان نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اللواء الركن/ فرج البحسني، يجب الوقوف أمامها كونها صادرة من مركز القرار ومن ثقل الدولة القادمة التي يتم الاستعداد لبنائها.

تصريحات النائب البحسني وجدت الكثير من التفاعلات والردود بين مؤيدٍ ومعارضٍ لها، ولكنها كانت كلمات وجب التركيز معها والأخذ بها، وخاصة بعد التجاذبات الأخيرة التي ألقت بظلالها بخصوص القضية الجنوبية وخروج الحكومة من عدن بعد فوضى مفتعلة كردة فعل.

يستشعر النائب البحسني الخطر الكبير الذي يلحق بالقضية الجنوبية جراء تشتت ممثليها وعدم واحدية القرار والهدف، حيث يرى أنه من الضروري أن تتوحد جهود المكونات الجنوبية، فالقضية الجنوبية شاملة ويمثلها الجميع دون استثناء، وهو ما ركزت عليه الدعوة التي جيئت من النائب البحسني لدى لقائه بالعميد أحمد بامعلم عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي.

البحسني أشار إلى أن التطورات الدولية ستنتج عنها ظروف جديدة لتقديم القضية الجنوبية وإنصافها بحلول تستحق مكانتها التاريخية، وهي خطوة لم يسبق للجنوبيين أن تحصلوا عليها، وهي وليدة التطورات الأخيرة لعملية السلام في اليمن شماله وجنوبه، وهذا ما يجب أن يؤخذ بالحسبان.

فهل يستشعر الجنوبيون هذه الدعوة التي قلّ ما يُقال عنها أنها طبقُ من ذهب قُدم للجنوبيين، مقابل أن توحِد جميع المكونات الجنوبية جهودها والتحضير للمشاركة في تمثيل القضية الجنوبية والدفاع عنها، وأن يستغلوا هذه الظروف المهيأة للدفع بالقضية إلى الأمام ووضعها على أولويات طاولة الحوار، ونبذ الخلافات وتوحيد الرؤى، كون أن القضية أسمى وأرقى من أي خلافات، كما جاء على لسان النائب.

 

ردود الأفعال

توالت ردود الأفعال على تصريحات النائب فرج البحسني وأختلف المتعاطون مع تلك التصريحات، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو غيرها من التوجهات الحزبية وغيرها... ألخ، غير أن كثيرُ منها قد رأى أن تصريحات البحسني صحيحة وقد تقود الجنوبيين إلى ملامسة مطالبهم المشروعة التي طالما بحت حناجرهم بها لكن التفرقة في رأس القيادة والمكونات قد شتت عدالة هذه القضية وصارت تتجاذبها المصالح الدولية والإقليمية دون أي نجاح يُذكر.

يرى مُعارضون أن حديث البحسني عن توحيد المكونات الجنوبية فيها تهرب من إبراز القضية الحضرمية وأحقية الخوض فيه مطالب أبناء حضرموت بقيام دولتهم الحضرمية التي أضاعها قادة حضرموت السابقين قبل 57 سنة بضمها إلى الجنوب.

هكذا كان الرد المعارض على البحسني من قبل مدير عام منظمات المجتمع المدني لدى مجلس النواب خديجة العجيلي، التي رأت أن النائب قد سلك الطريق الخطأ في حديثه عن القضية الجنوبية، متناسياً القضية الحضرمية، التي رأت خديجة أنها أهم بكثير ليتحدث عنها البحسني والإعلاميين الحضارم.

الحضارم يعيشون اليوم دور "التبعية المُقيتة والمُذلة"، هكذا رأت خديجة من خلال تفاعلها مع منشور على صفحة في "الفيس بوك" في منشور نشره فائز السيباني، حيث بينت أن على الحضارم أن يصبوا اهتمامهم بالقضية الحضرمية، فما يحصلُ اليوم أن كل الأطراف تهتم بقضاياها، عدا الحضارم يروجون أن النائب البحسني مع الجنوب وضد القضية الحضرمية.

 

الدفع بالقضية الجنوبية

تتوالى الأحداث بالتسارع، حيث أيقن العالم الدولي والإقليمي أن لا حل في اليمن سوى بالحوار والسلام وهو ما بدأت ملامحه تظهر إلى الواجهة بالاتفاق الكبير الذي ابرمته جمهورية الصين بين المملكة العربية السعودية وبين إيران، الطرفان البارزان في حرب اليمن وغيرها.

ووفق هذا.. يرى المحلل السياسي مدين مقباس أن ما خرج به النائب فرج البحسني من تصريحات عن القضية الجنوبية، هي رؤية بعيدة المدى لأهمية توحيد المكونات والأطراف الجنوبية لجهودهم، وترك حالة التشرذم التي اضعفتهم بسبب حب التفرد بالتمثيل وإقصاء الآخر.

"قد يصحى الجنوبيون على غبار الأحلام بعد أن يجدوا قطار السلام قد فاتهم وهم منشغلون بمحاربة بعضهم البعض، إذا لم يجدوا قيادة مستقلة غير متطرفة سياسياً، تقف على مسافة واحدة من الجميع وتتحلى بالشجاعة والدهاء السياسي والدبلوماسية".

حيث ينظر مقباس إلى أن هذه الاوصاف القيادية التي تحدث عنها يراها اليوم في شخصية اللواء فرج البحسني، الذي وصفها بـ "المستقلة التي لم تتلطخ يداه بالدماء أو بالتطرف السياسي، أو المال العام، وينظر إليه معظم الجنوبيين والحضارم كالقائد المنتظر لخلق التوافق الجنوبي الجنوبي" - حسب ما قاله في إحدى مقالاته التي حملت عنوان (البحسني.. هل يقود قطار الجنوبيين إلى محطة السلام؟).

 

اقتناص الفرصة

لطالما توالت الفرص أمام الجنوبيين لاغتنامها في مصلحتهم لإبراز القضية الجنوبية في المحافل الدولية وجعلها أمراً واقعاً مُشارك في صنع القرار وفرض أمر واقع على الأرض وفي الساحة السياسية والاقتصادية دولياً وإقليمياً، غير أن كل هذه الفرص ذهبت أدراج الرياح جراء الصراع الداخلي في أروقة الجنوبيين.

تُمثل الدعوة التي وجهها النائب البحسني منعرجاً مهماً وجب التوقف عنده وأخذ الأمر بجدية مفرطة، بحيث لا تضيع هذه الفرصة مثل سابقاتها من الفرص، حيث تعتبر الملاذ الأخير للجنوبيين، إما المشاركة في التسوية السياسية القادمة أو الخروج غير آسفاً عليهم من أي معادلة سياسية قادمة ومن عملية الحوار والسلام القادمتين.

استيعاب المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة وعدم التفريط بها مهم جداً للجنوبيين، وهو ما أكده المحلل والخبير العسكري العميد خالد النسي في تغريدة له، الذي قال إن على الجنوبيين أن "يستوعبوا المتغيرات على المشهد السياسي والعسكري في المنطقة ويتماشون معها وفق أهدافهم ومصالحهم، قضيتنا نحنُ الجنوبيين واضحة ولا تفريط فيها مهما كانت الظروف ومن أجل الانتصار لها يجب الاستفادة من المتغيرات حولنا، أرضنا وهويتنا نحنُ من يملكها ويقرر مصيرها".

يبقى أمام الجنوبيين فرصة أخيرة تُطرح على طاولتهم للالتفاف حول اللواء فرج البحسني والعمل بيد واحدة من أجل توحيد كلمتهم ورص صفوفهم، والعمل بالدعوة التي وجهها لهم النائب البحسني، والتي تعتبر المنفذ الأخيرة لدخول القضية الجنوبية في عملية السلام القادمة وإشراكهم في أي حوارات قادمة، وتجاوز الخطر الذي يحدق بقضيتهم.

الخبير العسكري النسي عاد مُجدداً ليؤكد خطورة المرحلة وضرورة التقارب (الجنوبي – الجنوبي) وهو ما دعا له النائب فرج البحسني للمكونات والأطراف الجنوبية، حيث سرد تلك المؤشرات بالقول: "المرحلة خطيرة وتتطلب تقارب جنوبي جنوبي سريع حتى لا ندفع جميعنا فاتورة جديدة لعشرات السنين".

 

تأييد حضرمي

قُوبلت تصريحات نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي البحسني بتوحيد الصوت الجنوبي واتفاق على قيادة موحدة، بترحيب كبير بين أوساط القوى الوطنية الجنوبية في حضرموت، الذين اعلنوا دعمهم لها، وخاصة في هذه المرحلة الحساسة التي يحتاج فيها الجنوب لجميع أبنائه.

"تعتبر تصريحات اللواء البحسني تأتي في سياق الحرص للدفع بالقضية الجنوبية لمكانتها المستحقة، حيث ندعو جميع المسؤولين الجنوبيين والحضارم بشكل خاص العمل من منطلق الحرص والمسؤولية الوطنية للدفاع عن قضية شعب الجنوب ومكتسباته"، هكذا عبرت الهبة الحضرمية بقيادة الشيخ حسن بن سعيد الجابري على تصريحات البحسني لدى لقائه بامعلم.

الجابري وعلى لسان قيادة الهبة أكد هو أيضاً حساسية المرحلة، واحتياجهم للجنوبيين المشاركين في الحكومة والمجلس الرئاسي، حيث عبروا عن ذلك قائلين: "إننا اليوم في مرحلة حساسة يحتاج فيها الجنوب لجميع أبنائه لنيل الاستقلال، ونعول في هذه المرحلة على كافة الجنوبيين وبالذات من هم اليوم مشاركين في الحكومة والمجلس الرئاسي، فالقضية الجنوبية قضية وطن وأمامها يجب أن يقف الجميع دون استثناء".

 

إنهاء الفوضى الإعلامية

حديث للدكتور اديب الشاطري أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة حضرموت، عن تصريحات البحسني، أشار فيه بالقول: "نؤيد دعوة النائب الرئيس اللواء فرج البحسني التي تؤكد حرصة على توحيد المكونات الجنوبية ومشاركتهم لتمثيل القضية الجنوبية في المفاوضات وأرى أنها جاءت في محلها لنقل القضية الجنوبية إلى مرحلة سياسية جديدة طال انتظارها بسبب تشرذمهم وعدم توحيد رؤيتهم".

الشاطري بين فيه التأكيد على أهمية توحيد المكونات الجنوبية التي تُعتبر مهمة ليست بالسهلة، والتي بينها قائلاً: "ولا شك أن مهمة الوصول إلى توحيد المكونات الجنوبية ليس بالأمر السهل لكن إصدار الدعوة من قائد مستقل يقف على مسافة واحدة من الجميع تقوده اتوقع لها النجاح في لملمة المكونات وتوحيد هدفها للمشاركة في تمثيل القضية، والجنوبيون مطالبون بالتعاطي الإيجابي والواقعي مع الدعوة التي تعد من وجهة نظري بالفرصة الأخيرة واتطلع إلى أن نجاح هذه الخطوة يتوحد الصوت الجنوبي وستضع حداً الفوضى الإعلامية والمهاترات التي أثرت على النسيج الاجتماعي وأضعفت القضية".

 

صراع التمثيل

مرت القضية الجنوبية بممرات عدة وصعبة، حيث مكث الجنوبيون ينشدون القضية الجنوبية في كل مكانٍ وزمان وانخرطوا في قوام الدولة والمناصب السيادية، وشكلوا المكونات وتفرعوا وصاروا يملكون أشياء لم يحلموا بها مسبقاً، بعد أن كانوا يفترشون الطرقات لإحياء المهرجانات والمسيرات، غير أن كل ذلك لم يشفع لهم ليوحدوا كلمتهم ويبرزوا قضيتهم للعالم، بعد هذه النقلة الكبيرة.

لم يمتلك الجنوبيون مصيرهم وتفرعوا إلى مكونات مشتتة بعضها يخضع للخارج، وصاروا ينفذون أجندات خارجية بعيدة عن نهج القضية الجنوبية ومطالبها المشروعة والعادلة، وهو ما أدى إلى تشرذم الجنوبيين وصار كلاً منهم يرى أنه الوحيد الذي يمثل القضية الجنوبية.

عجزت القوى الدولية والإقليمية عن إيجاد صوت جنوبي موحد ينقل مطالب الجنوبيين، واصطدمت بأدوات جنوبية تقدم مصالح الخارج على حساب القضية الجنوبية، ولمصالحهم الخاصة، وهو ما جعل القضية بعيدة عن تحقيق أي تقدم واضح وملموس حتى اليوم.

تمثل دعوات النائب اللواء الركن/ فرج البحسني اليوم الأمل الأخير لنجاح تقديم القضية الجنوبية للمشهد السياسي القادم والذي سيرسم الملامح الأخيرة لشكل الدولة والقوى التي سيكون لها حضور بينهم.. فهل يفعلها الجنوبيون اليوم ويوحدون كلمتهم ويتفقون على قيادة موحدة تمثل تطلعات شعب يغرق في مستنقع الأزمات والمعاناة في ظل فشل الحاكمون لمناطقهم في إدارة الدولة؟.