آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-09:12م

ملفات وتحقيقات


التداوي بالأعشاب.. موت في شباك الجهل والاحتيال

الخميس - 26 يناير 2023 - 03:30 ص بتوقيت عدن

التداوي بالأعشاب.. موت في شباك الجهل والاحتيال

تقرير / زكريا حسان

توفي مصطفى البعداني ،27عاما، في مدينة إب وسط اليمن بعد عشرة أيام من زيارته إحدى المراكز التي تمارس نشاطها تحت مسمى مراكز وعيادات العلاج بالأعشاب والتي انتشرت بكثرة خلال السنوات الأخيرة في معظم المدن اليمنية.

كان البعداني يعاني من آلم في المعدة، يهاجمه بين حين وآخر، ما دفع شقيقه محمود لاصطحابه إلى ذلك المركز الذي حصل منه على مسحوق في كيس لا يحمل أي معلومات عن مكوناته، لكن الشخص الذي قدم لهم الخدمة ويدير المركز، اكد لهم بان مصطفى يعاني من التهابات بسيطة في المعدة.
لقد اخرهم انه يمتلك القدرة على معالجة جميع الامراض بما فيها امراض يعجز الطب الحديث -حتى الان- عن علاجها، وان المريض سيشفى من آلامه خلال أيام ، ووفقا لحديث محمود "لصحيفة عدن الغد"تفاقمت حالة مصطفى يوما بعد اخر،  ومع كل يوم يتناول فيه ذلك المسحوق كانت حالته تزداد سوء".
ورغم أن مدعي ممارسة الطب الشعبي شدد على البعداني ضرورة الالتزام بتناول ذلك المسحوق لتنتهي آلامه خلال أيام، الا ان حياته هي التي انتهت.

وبوفاة البعداني انتهت قصته دون أن ترفع أي قضية على مدعي الطب و"الخبير في العلاج بالأعشاب" -بحسب البروشور الخاص بالمركز- لتستمر مأساة ألاف المواطنين في اليمن ممن يترددون يوميا على عيادات ومراكز ما يسمى بالطب البديل المنتشرة في معظم المحافظات اليمنية، مستغلين وفرة النباتات الطبية إذ تحتوي اليمن على ما يزيد عن ١١٦ نبتة طيبة.


حقل تجارب
 

أخصائي الباطنية الدكتور محمود أحمد السهيلي، يرى إن استخدام النباتات في التداوي بدون علم، له أضرار وعواقب سلبية، حيث تحتوي بعض الأعشاب في مكوناتها على مواد سامة لها نتائج عكسية تؤثر سلبا على صحة المريض.
ويوضح السهيلي الذي يمتلك عيادة في مدينة تعز وسط اليمن بأن خلطات الأعشاب الموجودة لدى مراكز الطب البديل عشوائية، وتحتوي على مواد مهدئة لا تقضي على المرض، وبعضها يخفف الشعور بالألم خلال فترة الاستخدام، لكنها قد تعرض حياة المريض للخطر.
وأشار السهيلي في تصريح لصحيفة عدن الغد بان الوصفة ذاتها تقدم -غالبا- لجميع المرضى ممن يزورون هذه العيادات والمراكز، رغم أنهم يعانون من أمراض مختلفة، مؤكدا بان استخلاص المواد العلاجية من النباتات تحتاج إلى بحوث ودراسات، ومختبرات علمية متخصصة، وليست عملية عشوائية.
وختم حديثه بالتنبيه الى أن أصحاب عيادات ومراكز طب الاعشاب ينشرون أوساط الناس أن الأدوية الطبية التي تباع في الصيدليات تحتوي على مواد كيميائية تضر بصحتهم، وتترك مضاعفات خطرة على أجسادهم، بينما التداوي بالأعشاب الطبيعية هو الأفضل، ويحثوهم على عدم الذهاب للمستشفيات والمنشآت الطبية ،حد قوله.

في سياق متصل وصف نقيب الصيادلة ورئيس المجلس الطبي السابق الدكتور فضل حراب من يمارسون هذا العمل بـ الدجالين، مؤكدا بأنهم يبيعون الوهم من خلال خلط بعض الأدوية والدهانات الخاصة بالالتهابات والروماتيزم ومسكنة الأوجاع، بزيوت وعسل وفازلين، ويوهموا الناس أنها أدوية مستخلصة من أعشاب طبية، وينسبون لأنفسهم براءة اختراعها، ويبيعونها بأسعار باهظة.

لقد استقبل الدكتور حراب خلال عمله رئيسا للمجلس الطبي عشرات الحالات التي تضررت من علاج ما يسمى الطب البديل، لتقديم شكاوى، وتم التحقيق مع بعض منتحلي مهنة الطب، ويؤكد في حديثه لصحيفة عدن الغد أنه ليس مستغربا أن يكون لمستحضرات أصحاب الأعشاب نتائج عكسية على المرضى.
وقال "هؤلاء لا يمتلكون معامل أو مختبرات ليستخلصوا منها المواد الفعالة، انهم منتحلون للمهنة يقومون بتجاربهم على الناس، وهذه جريمة إضافية، لأنهم يستخدموا الإنسان كحقل تجارب".
ويوضح الدكتور حراب، بان الحصول على تركيبة دواء نافع يتطلب تجارب طويلة ومكلفة، ليكتشف العلماء مواد كيميائية أو عضوية محددة، ولا يتم تسجيل الا بعد خضوعه لعشرات من شروط التسجيل والاختبارات، بما فيه فحص محتوى كل عينة، واسم المواد الفعالة، وطرق استخداماتها، والأعراض الجانبية التي قد تسببها.
تدهور الخدمات 
لم يكن تدني مستوى الوعي هو السبب الوحيد لتوجه بعض الأهالي الى مراكز طب الأعشاب طلبا للدواء ، بل ان هناك أسباب أكثر تأثيرا إذ ساهمت هشاشة الوضع الطبي المتدهور في اليمن في تفشي الظاهرة، لاسيما منذ اندلاع الحرب أواخر العام 2014، وما تسببت به من ضعف في البنية التحتية للقطاع الصحي، بحسب  (مذكرة سياسات – قطاع الصحة في اليمن) الصادرة عن البنك الدولي في سبتمبر 2021، التي أفادت بانه لا يعمل سوى 50% من المنشآت الصحية بكامل طاقتها، ويواجه أكثر من 80% من السكان تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وعلى خدمات الرعاية الصحية.
يأتي ذلك في ظل ارتفاع سعر الخدمات الصحية في المنشآت الطبية، بالإضافة إلى غياب الثقة بين الأطباء والمرضى، وفقا لأخصائي الصحة المجتمعية في مستشفى الشرطة النموذجي بصنعاء الدكتور ياسر عفيف،  الذي أشار في تصريح لعدن الغد بان هناك عدة أسباب لانعدام الثقة بين المريض والطبيب منها استشارات غير المتخصصين وتدهور المنظومة الطبية.

إجراءات عشوائية  

                                 
منذ بداية الحرب حتى العام 2019، ارتفع عدد مراكز وعيادات ما يسمى بالطب البديل "طب الأعشاب" من 12 عيادة إلى 1400 عيادة ومركز في أمانة العاصمة وحدها، بحسب إحصائيات المجلس الطبي الأعلى، الذي نفذ حملة ضغط كبيرة على وزارة الصحة العامة والسكان بصنعاء لإغلاقها والتحقيق مع مالكيها.
وتكللت جهود المجلس الطبي بإصدار وزير الصحة في صنعاء توجهات بإغلاق كافة المرافق التابعة للطب البديل حتى استصدار لائحة تنظم العمل بها، ونفذت حملة واسعة في يناير 2019، قامت بإغلاق العيادات والمراكز الخاصة بهم بأمانة العاصمة وعدد من المحافظات الشمالية.
أسفرت الحملة في بداياتها عن إحالة 150 من ممارسي الطب البديل إلى النيابات المختصة، وتحولت ملفات 80 آخرين إلى عدد من المحاكم في أمانة العاصمة، إلا أن الحملة سرعان ما تلاشت، وعاد المتهمين والمضبوطين لممارسة أعمالهم من غير أي توضيحات من وزارة الصحة، كما يؤكد نقيب الصيادلة ورئيس المجلس الطبي السابق الدكتور فضل حراب. 
وبحسب مصدر مسئول بوزارة الصحة العامة والسكان بصنعاء -يفضل عدم ذكر اسمه- كانت الحملة عشوائية، ولم تمتلك الرؤية الواضحة، ولم تحقق أهدافها، كما أن الوزارة لم تقم بإعداد لائحة لتصحيح عمل المراكز قبل إعادة فتحها.
ويتفق معه مدير عام إدارة المنشآت الطبية الخاصة بوزارة الصحة السابق في صنعاء، الدكتور عبد الله شُديق، بأنه لا يوجد قانون ينظم عمل مراكز التداوي بالأعشاب، مؤكدا في تصريح لمنصة .... بأن الوزارة لا تمتلك إحصائيات دقيقة عن أعدادها، ويتم افتتاحها والعمل فيها بشكل عشوائي ودون رقابة.

 

 

ألقاب مزيفة وانتحال                      

يحرص الكثير من ممارسي ما يسمى الطب البديل بان يضفوا على أنفسهم القاب ودرجات علمية، يضعونها في صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي والبروشورات الدعائية وكروت التعريف -اطلع المحرر على بعضها- وذلك للترويج لنشاطهم وإقناع المرضى بجدوى الخدمات التي يقدمونها وخبرتهم في هذا المجال.

 

وفي هذا السياق يوضح الدكتور حراب، أن لقب الطبيب أو الدكتور يحملها فقط الخريجون من جامعات مختصة معترف بها، لكن ما يحدث في اليمن يعد جريمة كبيرة، حيث يقوم البعض بخداع الناس والترويج بأنهم من حملة الألقاب المهنية العليا، ويعلن البعض منهم بأنه حاصل على درجة الدكتوراه في الطب الشعبي والطب البديل.

يحدث ذلك بينما تجرم كافة القوانين اليمنية كل من يبيع، أو يتاجر بأدوية غير مرخصة، أو يمارس مهنة الطب من دون مؤهلات علمية، ويعرف قانون الصحة العامة رقم "4" لعام 2009م في المادة "2" الدواء بأنه كل مادة مسجلة في أي من دساتير الأدوية، وتستعمل في التشخيص أو الوقاية أو العلاج لأي من الأمراض التي تصيب الإنسان أو الحيوان، وذكرت على أنها مادة فاعلة في دواء مسجل لدى الهيئة العليا للأدوية بالوزارة، فيما تنص المادة "59"، على أنه يحظر على غير الصيادلة المرخص لهم بمزاولة المهنة، تحضير أي عقاقير أو مستحضرات صيدلانية.
وفي السياق ذاته يؤكد القانون رقم "26" لسنة 2002 بشأن مزاولة المهن الطبية والصيدلانية،  في مادته "34" أن كل من ادعى أو أعلن أو مارس مهنة الطب، أو مهنة الصيدلة من غير ذوي المهنة، يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، أو بغرامة لا تقل عن سبعمائة ألف ريال ما يقارب 1150$ امريكي.
ولا تحول مساءلة ومعاقبة المخالف وفقاً لأحكام هذا القانون، دون مساءلته جنائياً إذا ترتب على مخالفته حدوث فعل يعد جريمة، وفقاً لقانون الجرائم والعقوبات أو التشريعات الأخرى النافذة، ومراعاة تعويض كل من لحقه ضرر طبقاً للقانون، بحسب المادة "36" من ذات القانون.
وفي ظل عدم تفعيل القوانين و وضع حد لنشاط ما يسمى مراكز وعيادات العلاج بالأعشاب تستمر أعداد  الضحايا من المرضى في الارتفاع ، ويلقى الكثير منهم ذات المصير الذي انتهى به مصطفى البعداني .


*انتجت هذه المادة بدعم من منظمة  انترنيوز Internews ضمن مشروع Rooted In Trust في اليمن