(الانفصال) ومحاولة تزييف الوعي المجتمعي!
*عبدالرحمن الرياني
الجمهورية اليمنية بلد عضو في الأمم المتحدة بمساحة جغرافية تبلغ 5.55000 خمسائة وخمسة وخمسون الف كيلو مترمربع ، كغيرها مثل الكثير من دول العالم البالغة 200 دولة على ظهر البسيطة عضو في الأمم المتحدة التي تواجه الكثير منها صراعات أثنية وعرقية وطائفية وجهوية مناطقية وإقليمية ، اليمن كانت دائمًا أزمتها "المرّكبة " تكمن في عاملين رئيسين السلطة الحاكمة والنخب التي تسللت للمشهد السياسي خلسة وبفعل فاعل ، فيما يتعلق بالجزئية المتعلقة بالسلطة سواءً تلك التي حكمت في صنعاء أوعدن ةتحديداً في المرحلة التي أعقبت قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة 1962 الثورة الأم كما وصفها المناضل الراحل علي أحمد عنتر وزير الدفاع في الدولة الشطرية الجنوبية سابقًا ، أو من خلال الحكومات التي تشكّلت بعد 30 نوفمبر 1967 في الجزء الجنوبي والشرقي لليمن ، حيث غلب على تركيبة السلطة هيمنة القبيلة والمنطقة في الشمال سنحان وفي الجنوب الضالع ، في الشمال كان تحالف القبيلة مع العسكر وفي الجنوب حكمت القبيلة وارتكبت أشنع المجازر المغلفة بالإيدولوجيا كرداء فضفاض أرتدته القبيلة حسب قوانين المرحلة وإيقاع ذلك الزمن ومن ثم أنكشفت حالة الإعورار لديها عندما لم تستطع مواصلة الخِدعة التاريخية فبدأت على الفور بالتموضع في مكانها الحقيقي عندما أنتجت لنا ما يعتبر ماركة مسجلة للقبائل الماركسية المتصارعة ما يعتبر حقًا وإمتيازاً ومُلكية لا ينافسها فيها أحد وأعني بذلك القتل على "الهوية " عندما حكمت القبيلة الماركسية أنخفض تعداد السكان في جنوب اليمن من ثلاثة ملايين إلى مليون وسبعمائة الف حيث قامت وتحت شعار دولة البوليتاريا وطوال سنوات الدم والرصاص بتشريد أكثر من مليون وربع المليون أنسان ، حولت مناطق حكمها إلى سجن كبير مخيف قوضت خلال سنوات العنف الدامية أهم مقدرات اليمن المتعلقة بالجغرافيا الإقتصادية وأعني بذلك ميناء عدن جوهرة وإيقونة الموانئ العربية وثاني ميناء في العالم من حيث عدد الحاويات حتى نوفمبر 1967 قرابة المليون حاوية في تلك المرحلة ، كان الرأي السائد لدى صانع القرار في القبيلة الماركسية هو مزيد من الجوع ومزيد من الفقر والعوز المهم أن تبقى القبيلة هي ضابط الأوكسترا التي تعزف الألم وتنتج المعاناة في حاله تتماهى مع ما كان يحدث في الكوميديا السوداء في مرحلة ماقبل الثورة الفرنسية حيث يتم تجميع الناس في مسرح عبثي لقصة حزينة ويتم تحاكي المأساة فينهار الحضور(المتفرجون) ويدخلون في حالة هستيرية من البكاء ، كان الهدف من تلك الممارسات تخويف الناس من التغيير وجعلهم يتمسكون بالمنظومة الحاكمة على مساوئها وقد تم اختيار عناصر مقربة مستفيدة من منظومة الحكم للقيام بذلك هذا كان يحدث في الأنظمة الثيوقراطية التي تمارس قهر الشعوب ، لكن حركة التاريخ غير قابلة للتوقف فيحدث التغيير رغمًا عن تلك القوى المحنطة سياسيًا ويتجاوزها في لحظة فارقة من الزمن وهذا ما حدث في 22 مايو 1990 عندما أذعنت قيادة الشطرين لإرادة شعبية عارمة ، إرادة صنعتها الجماهير اليمنية المحكومة عنوتًا من القبيلة في الضالع وباقي المثلث وتوابعه في الجنوب أو في سنحان وتوابعه في الشمال كان الحدث الحُلم هو تحقيقًا لتلك الأماني الغالية التي تعترم بها قلوب الجموع في سقطرى والمهرة وأبين وشبوة وعدن وحضرموت وصنعاء وتعز والحديدة ومأرب والبيضاء وباقي مناطق اليمن ، وإعادة الوحدة أو بالأصح " اللُحمة " كحدث تاريخي عظيم لا بد أن يكون له أعداء حاقدين في الداخل والخارج في الشمال والجنوب ، الحدث العظيم الصادم لأعداء اليمن هو الذي دفع برئيس دولة خليجية أن يخاطب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح أثناء حضوره قمة بغداد 1990 بأن يقول موجهًا كلامه له : عليك أن لا تفرح بوحدة اليمن قادرين على إعادة تقسيم اليمن إلى ثلاث دول ، و في ذات السياق كلنا نعرف رغبة بعض الجيران بتأخير قيام الوحدة لمدة عام ومبلغ الثلاثة مليارات التي عرضتها على أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض مباشرةً بعد توقيع اتفاقية 30 نوفمبر 1989 وهو الموقف الذي اتضح بجلاء في أثناء حرب صيف 1994 من دول الخليج عندما استماتت في إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي للإعتراف بإعلان علي البيض فك الإرتباط ولكن العالم برمته رفض ذلك في أثناء الحرب ولم تعترف بدولتهم الورقية سوى جمهورية صومال لاند التي ليست عضواً في الأمم المتحدة ، في الداخل لم يكن هناك حتى لحظة كتابة المقال أي قوة مؤيدة لفكرة تقسيم اليمن سوى بقايا دولة القبيلة الماركسية في المثلث التي تضررت من سياسات القبيلة في الشمال الخطأ الكارثي الذي تأخر الكثير من الناس استيعابه هو أن القبيلة في منطقة المثلث هي أول من تأمرت على الدولة كونها تفهم أنها وصية على الجغرافيا والديموغرافيا الجنوبية عدا ذلك أمر مرفوض كانت البداية من أحداث الزعيم الوطني سالم ربيّع علي " سالمين " الذي كان يحضى بشعبية في الشارع اليمني تفوق شعبية قيادة المكتب السياسي في الجبهة القومية مجتمعين وهنا كان سلاحها دائمًا هو الكذب والإيدولوجيا الكذب عند أشاعوا في صفوف الجنود أن الهجوم على الرئيس كان للتصدي لقوات تمكن العدو الإمبريالي من إنزالها في منطقة القصر ، والإيدولوجيا عندما استخدموا عبدالفتاح اسماعيل كرمز ودلالة إيدولوجية للقضاء على " سالمين " الذي تعد عملية قتله على يد أحد أهم رموز القبيلة علي شايع هادي بعد أن استسلم لهم واحدة من أقسى وأشد حالات الغدر البعيدة كل البعد عن قيم وأخلاق اليمنيين ، وبعدها في ابريل 1981 تمكنوا من إبعاد عبدالفتاح عن المشهد السياسي لمدة خمس سنوات ليعاودو الكرة من جديد في الإستعانة بالإيدولوجيا لتنفيذ مخطط القبيلة في المثلث أثناء صراعهم مع الرئيس علي ناصر محمد عندما أعادوا عبدالفتاح من منفاه في العاصمة السوفيتية موسكو ليقوم بتعزيز نفوذهم القبلي المغلف بالإيدولوجيا لكن هذه المرة هم أنفسهم من كتبوا النهاية التراجيدية للايدولوجيا وبنظرة إلى بنيوية الدولة دولة الحركة لا دولة الدولة من 20يناير 1986 وحتى 7 يوليو 1994م سوف نلحظ أن 90 % من كوادر وعناصر الجيش والشرطة كانت تنتمي لمنطقة واحدة الضالع يافع ردفان ، حتى أن مناطق مثل حضرموت وشبوة وأبين والمهرة وسقطرى لم يكن لها تواجد بنسبة تزيد على 7% ، عندما قامت الوحدة بين الشطرين تحت نفوذ وهيمنة القبيلة في الضالع وسنحان كان لا بد لأحدهما أن يقصي الآخر وهذا يتوقف على قدرته وبراعته في التأثير على الرأي العام اليمني وللحق أقول كان جماعة سنحان أكثر دهاء وخبرة في إقصاء جماعة الضالع والتنكيل بها قبل حرب صيف 1994 وبعدها ، نعم تمكن علي عبدالله صالح من إنهاء دور خصومه في الدولة ببراعة ودهاء وهنا لجأت القبيلة في المثلث إلى الأستنجاد بمن كانت تقتلتهم وتشردهم بالأمس سلاطين وقوى سياسية واجتماعية ورجال أعمال فبعد أفول شمس الإيدولوجيا لم يبقى لهم إلا رفع شعار المظلومية الجنوبية استنجاد القاتل بضحيته ووفق أداة قبلية مغلقة هي المجلس الإنتقالي الذي يمكن أعتباره كبنيوية وتركيبة سياسية بأنه أداة القبيلة التي تسيطّر عليه عسكريًا وسياسيًا وتنظيميًا وحتى لا يعد مانقوله تجنيًا أو تزيفًا للوعي أطرح بعض الأسئلة لرجل الشارع اليمني وللنخب وللقيادات الاجتماعية ولصناع الرأي للوصول إلى الحقيقة ، هل نفوذ منطقة عظيمة مثل حضرموت في المجلس الإنتقالي يعادل نفوذ وهيمنة شخصية ضالعية من جحاف أو زُبيد أو ردفان الرد لدا القارئ ، ماهي المناطق المسيطّرة على القرار السياسي والعسكري والمالي في المجلس ؟ الإجابة على مثل هذه الأسئلة وغيرها على ذات النحو سوف تبين لنا ما إذا كان المجلس وطنيًا أم قرويًا مناطقيًا أم غير ذلك ، مسألة إيجاد مسمى سياسي في زمن الحرب يحاول خلط الأوراق وتزييف الوعي الجمعي وتضليل البسطاء من الناس مسألة ليست بالعمل الخارق النوعي في ظل وجود أزمة تاريخية تعيشها البلاد وحرب أكلت الأخضر واليابس وتدخلات أجنبية وضع المجلس الإنتقالي لا يختلف كثيراً عن وضع تنظيمات عسكرية نشطت في اثناء الحروب وبمجرد أن تم رفع الغطاء السياسي والمالي عنها تبخرت كفقاعات الصابون وصارت مجرد ذكرى سيئة مثلها في ذلك مثل الأقدام السوداء والحمراء في تونس والجزائر التي صنعها الأستعمار الفرنسي للعب أدوار مشبوهة وضرب النسيج الوطني في البلدين أو مثل جيش لبنان الجنوبي الذي أنتهى بزوال الأحتلال الأسرائيلي في لبنان ، أخيراً لمن يعتقد في لحظة خيال مريض أن الإستعدادات باتت تجري لإيجاد كيانين أو العودة لزمن التشطير ماقبل 22 مايو 1990 أقول أن مسألة تقسيم الدول ليست بتلك السذاجة التي يعتقدها ذلك البعض فحتى لو قرر العالم أجمع ومن خلال المؤسسات الدولية خلق واقع تقسيمي في اليمن فالمسألة لا تحدث بين يوم وليلة بلد مثل السودان متناقض دينيًا وعرقيًا وثقافيًا بين عرب وأفارقة استمرت المفاوضات فيه لإنفصال الجنوب 23 عامًا وبعد أن تم الإتفاق فيه على تحديد مصير الجنوب جرى توقيع أكثر من اتفاقية " مشاكوس " الأولى والثانية و" نيفاشا" وبعدها تم تحديد ست سنوات يأتي بعدها الإستفتاء ، حتى لو لم يكن في اليمن ساسة أو وطنيون وحدويون المجتمع الدولي ليس لديه استعداد لإحداث تغيير مرتبط بالجيوسياسية الخاصة بالمنطقة لأن ذلك ربما يكون بمثابة بداية النهاية للدولة القُطرية سواء منها البسيطة أو المركبة كما هو الحال في اليمن .
*كاتب يمني مستقل
الكرة في ملعب الضوافع