مبادرة بن عديو
ربما كانت لحظات عصيبة على الجموع الغفيرة التي حضرت بالأمس الجمعة الى بلدة خبر لقموش بمحافظة شبوة ، للمشاركة والحضور في مراسيم النطق بالحكم في قضية ثأر ضاربة الجذور والشرور في الاهل والاخوان من آل بن عديو ، وآل عوض بن قمر امتدت لقرابة ثمانين عام مروية بالدم ومعفروة بالأرواح ، وخيم الخوف والسكينة على الجموع واطبق الصمت عليهم ، وكأنما على رؤوسهم الطير .
احتبس الجمع انفاسه بالانتظار بفارغ الصبر قراءة الحكم التي بدلت خوفهم امنا وجاءت بردا وسلاما عليهم وعلى مصعب وانس نجلي اخي الشيخ محمد بن عديو المرجع الحميري المعروف ومحافظ شبوة الاسبق الذي قدمهما بايمان محتسب لمقصلة العدل و الحق و اعلا للأخوة لقصاص لدم اثنين من اخوانهم آل عوض بن قمر اللذين ثمنوا مبادرة ولدهم واخيهم الشيخ محمد بن عديو و استعداده لتضحية بنجليه القاصرين فداء للحق وموجبات الاخوة ، واعلنوا العفو والسماح وعلى رؤوس الاشهاد الذي تنفس جمعهم الصعداء وانفرجت اساريرهم ، وانطلقت السنهم تلهث بالثناء على الطرفين ، وغرقت اعين البعض منهم بالدموع .
و نالت مبادرة اخي الشيخ محمد بن عديو اليوم اهتمام مختلف الاوساط الرسمية والشعبية، وحازت على اعجابهم في المحافظة وغيرها من محافظات اليمن الاخرى، وملأت اخبارها الفضاء الاكتروني ، وتجاوزت منسوب تداولاتها حدود المعقول . وقد حملت المبادرة حقيقة المفاجأة غير المتوقعة من الجميع، وكأنها ضربا من الخيال او المستحيل، واخذ مشهد الحدث طابع المثالية المفرطة التي غيبتها جاهلية العصر من حياة الانسان لطغيان المادة والتقنية عليها ، وسيطرة ثنائيهم الشيطاني على سلوك الفرد والمجتمع ، وتلاشي قيم الفضيلة ، وتراجع الاخلاق .
وقليلة كلمات الثناء التي كتبت في المبادرة ولم تعطها ما تستحق من الاوصاف فلا اغالي بالقول بان تقديم فلذات الاكباد على مقصلة الحق قمة التضحية، وهي سلوك رباني ونهج رحماني عظيم لايمكن ان تقدم عليها الا النفوس الممتلئة بالعدل والايمان، وهي من صفات الانبياء والرسل وقادة المجتمع، ولنا فيهم اسوة حسنة تستوجب الاهتداء بهم في مسار الحياة ومحاولات اصلاح احوالنا واحوال بلادنا العاطلة الخربة التي لن تصلح الا برسل من البشر المؤثرين على انفسهم ولو بهم خصاصة .
نحن بحاجة لانموذج يحتذى به لإصلاح حالة الانحلال التي طالت حياتنا وحرفت شوكة بوصلتها عن جادة الحق والاخلاق وجعلتها تميل مع كل ريح مهيضة ومكسورة الجناح، بلا ساتر لها من العدل والايمان، وانحراف مسارها بشكل مخيف.
و المبادرة بحد ذاتها تمثل خلق نبوي عظيم وجاءت على هدي ابو الانبياء، وان كنت لا اعلم وصية اخي الشيخ محمد بن عديو لنجليه القاصرين اللذين بالتأكيد امتثلا لها اروع امتثال، واستوعبا مقاصدها الانسانية والاخوية والعدلية العظيمة على صغر سنهما .
ويسجل الحدث كتابة حياة جديدة للأهل والاخوان من آل عديو ، وآل عوض بن قمر ، ونتمنى بان يكون فاتحة خير لحل ومعالجة ما تبقى من قضايا الثأر العميقة في بلاد لقموش خاصة و شبوة واليمن عامة على طئ صفحة هذه العادة الجاهلية والقضاء عليها .
تحية اجلال لأخي الشيخ محمد ومثلها وزيادة لأهله واخوانه من آل عوض بن قمر وللمقوش الجميع.