سيكلوجية رأي عام
بنفس المنطق الانفعالي الذي شكلت به تصورك وموقفك سيأتي يوم عليك وتتخذ من نفس المنطق موقفا وتصورا مختلفا.والذي قد يودي بك من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار،والخيار في كل الاحوال عادة لايكون لك أو بالاحرى لايكون خيارك وستكتشف في لحظة ما بأنك كنت رهين تأثيرات وبواعث شخصية ليس لها علاقة البتة بما كنت تعتقد بأنها خيارات ذاتية مستقلة وأنت تخال نفسك صانعا للرأي العام.
وهكذا وعلى ذلك النحو المشار إليه تتم بلورة وصياغة الاتجاهات والرؤى الواهمة بأنها تصنع رأيا عاما وهي في الحقيقة ليست إلا انفعالات شخصية وتأثيرات خارجية صنعتها اللحظة الآنية التي ضننت فيها بأنك تقود معركة وعي وأنت في الحقيقة لم تكن أكثر من خازن شحن مفرغ لانفعالات طارئة وأحيانا نائبا ما عن توجه غير معلوم.
وهنا نحن لانعمم الحكم بإزاء الكثير من المواقف والاتجاهات والشخوص.ابدا المسألة ليست كذلك ولكننا نحاول أن نستوعب حالة التبايانات والاختلافات في معمعان واحدة من اصعب واعقد المراحل والفترات التي تعصف بنا جميعا وبدون استثناء وهي الحالة التي تباين من خلالها الجميع واختلف الجميع.
وأيا كانت خياراتنا الخلافية تلك فأننا نختلف اساسا في مشاربنا ومناهلنا واتجاهاتنا الفكرية والثقافية.وفي الغالب في سيكلوجيتنا المحركة لتلك الاختلافات والتبايانات في حقيقتها.ولكن المفارقة أننا في خضم انهما كنا بمعاركنا الخلافية نجد الكثير من التجاذبات والانقسامات في جوهرها بعيدة كل البعد عن ماقد نتسالم جميعا على تسميته رأي عام أو في احسن الاحوال طرح بناء.
والعكس أو بالاصح الواقع العكسي للرأي العام السائد يكشف وبجلاء مستبين إلى أي منحدر شاهق هوينا اجمعنا ونحن نكاد نكون فقدنا السيطرة العقلية والمهنية في التعاطي مع مختلف القضايا،وعلى اغلب المستويات والغالبية الهاوية اصبحت تتبنى اجندات وتوجهات طارئة ودخيلة.ومغلبة أياها على ثوابتها ومبادئها الداخلية والتي كانت وإلى الأمس القريب تتخذ منها مادة وراية لتصدير مواقفها العدائية تجاهها.
وعلى الجانب الآخر تتمرس اتجاهات ومواقف امتهنت التضليل والتدليس والكيل بمكيالين وتزييف الحقائق وابدالها بالمسكنات والمهدئات لصالح نزقها الموبوء وحساباتها المتعطشة للمصالح والنفوذ وتحقيق أكبر قدر ممكن من المصلحة النفعية وإلى أبعد الحدود.
وفي الجهة الأخرى يتكدس الحمق وفي أحيان كثيرة الغباء المفتوح والتيه المركب والمعقد وأن كانت ركاكة وهشاشة المواقف والآراء التي يدعي تبنيه لها أو دفاعه عنها لاتستحق أخذها على محمل الجد والاعتبار إلا أنها وبفضل صدفة كونية ما قد تصبح وفجأة ومن دون سابق اشعار تلكم الركاكة والهشاشة رأيا عاما ورئيسيا وذلك بفعل عوامل عديدة وابرزها تدني وانحطاط مستوى الرقابة والتقييم أكان الحكومي أو الخاص أو المستقل.
والمفارقة أن المتسالم عليه والمعهود أن الرأي العام يعتمد على دور المثقف الملتزم والمستقل في ذات الوقت.وهو في الحقيقة بمثابة الرقيب الأول عن صياغة الرأي العام المسؤول.والذي لايمكن اعتباره إلا إذا كان قائما في ظل حيثيته وماهيته الوضعية المثلى وتلك اشتراطات ومتطلبات بطبيعة الحال والظرف الذي نمر به لايمكن أن توفر المناخ المثالي لأستدعاء الرأي العام كضرورة وحاجة ماسة لترشيد الخطاب وقيادة معركة الوعي.