آخر تحديث :الخميس-27 يونيو 2024-03:00ص

أخبار وتقارير


الفصول غير المروية في حياة السياسي والدبلوماسي المخضرم السفير عبده علي عبدالرحمن الشوافي

الثلاثاء - 31 أكتوبر 2023 - 12:38 م بتوقيت عدن

الفصول غير المروية في حياة السياسي والدبلوماسي المخضرم السفير عبده علي عبدالرحمن الشوافي

كتب/ د. عبدالرحمن الصالحي:

تمتلك اليمن مخزوناً من المخضرمين السياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الرصيد النضالي النظيف الذين يستطيعون المساهمة في حل مشاكل اليمن لو اتيحت لهم الفرصة، لكن قدر هؤلاء أن يتم إجلاسهم في الظل بسبب غياب العقل الوطني اليمني الجمعي في الوقت الحالي . من بين هؤلاء المخضرمين ،الذين يجمعون مثل هذه الصفات بمعناها الحقيقي السفير/ عبده علي عبدالرحمن الشوافي، نائب وزير الخارجية الأسبق بعد الوحدة اليمنية وسفير بلادنا الى عدة دول مثل روسيا وسوريا وباكستان، ورئيس فرع المؤتمر الشعبي العام في تعز وعضو مجلس الشورى ورئيس مجلة الجندي التي كانت تصدر في جنوب اليمن سابقاً وكثير من المناصب القيادية الأخرى.

وعلى امتداد تاريخه النضالي الممتد لأكثر من نصف قرن من الزمان.. وبرغم تواجده في طليعة الكثير من أحداث  تاريخ اليمن المعاصر، إلا أن حياة الظل رافقته منذ أولى مشاركاته في ستينيات القرن الماضي حتى تاريخ كتابة هذا المقال، وقلما تجد بعض الكتابات عنه رغم مشاركته وتواجده في قلب الأحداث في اليمن الجنوبي حينها – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية- وأحداث يناير عام 1986م التي كان يومها سفيراً في دمشق لليمن الجنوبي وترأسه لمجلة الجندي التي كانت تصدر في عدن،  ومشاركته بعد الوحدة  في ترسيم الحدود بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية في العام 2000م. ورغم إصراره على امتلاك بلادنا لمقر سفارةٍ  في موسكو لإنقاذ بلادنا من الإيجارات الشهرية الباهظة ونجاحه في ذلك، ومحاولة استنساخه هذه التجربة في سفارات بلادنا التي تولاها فيما بعد، إلا أنه لم يستطع ذلك  بسبب لوبي الفساد والاستفادة من ايجارات مقرات السفارات وسكن السفراء وهو الأمر المعمول به حتى اليوم وهو باب واسع من أبواب الفساد الحالية التي تعاني منه بلادنا. 

 فالرجل و برغم تاريخه الكبير والمتنوع لم يكن على علاقة وطيدة مع الإعلام ولم يبذر المال في سبيل كتابات وثائقية عنه أو تلميع حياته أو حتى إظهارها الى النور، والتزم الرجل حياة الظل الأمر الذي جعل شخصيته لم تنل حقها في التوثيق والتسجيل، وتعتبر أحد نقاط الظلم التي يتعرض لها أمثال هؤلاء العمالقة من اصحاب التاريخ النضالي الطويل، لأنهم ببساطة التزموا بقضايا الامة اليمنية وتكريس حياتهم لخدمة الناس ومجتمعاتهم، والتزم احترامه لتاريخه النضالي وماضيه النشط على كل الأصعدة.. وابتعد تماما عن جانب الشهرة وفضل العمل بصمت.

 فمن يعرفه عن قرب يجد أنه كتاب يمني معاصر يسير على قدميه وشاهد على مرحلة نصف قرن من تقلبات السياسة واضطراباتها في بلادنا، وأنه لم يطارد المناصب يوماً ولكنها كانت تجيئه بسبب كفائته وتفانيه في عمله ورؤيته التي يمتلكها لحل أعقد المشاكل. ومن معرفتي به- وأغلب من عرفه لا يخالفونني ذلك - يمكنني تشبيهه بشجرة البانيان الضارب جذوره في تاريخ اليمن والصانع لأعقد الشبكات على المستويات السياسية والدبلوماسية والعلاقات الدولية وإيجاد الفرص الجديدة التي تعكس عقلية الرجل أثناء عمله ، وقدرته على خلق العديد من المصالح الداعمة أو تلك المنافسة في ذات الوقت، والمتسع قلبه لكل الأطراف المتناقضة التي ظهرت في الماضي أو الموجودة حالياً على خارطة الوطن اليمني الكبير والتي يحاول مراراً أن يكون شوكة الميزان بين جميع الأطراف السياسية في شمال الوطن وجنوبه دون ضرر لأحد أو مهادنة في المصلحة العليا للبلد.  ومن يعرفه كذلك يجده وارف الظل لكل من عمل معه أو أراد منه استشارة سواء على المستوى السياسي والدبلوماسي او حتى الشخصي، والذي يعرفه كذلك عن قرب يجده مليء يمثل الحكمة الصامتة والفهم الواضح الجلي لأعقد السياسات الدولية والأكثر تشابكاً، ويجده ثرياً بخبرة السنين قادراً على تحليل أعقد السياسات المحلية والإقليمية والدولية كما لو أنه أحد صناعها.

في العام 2008م التحقت للعمل بسفارة بلادنا في اسلام اباد كموظف محلي، كان سؤاله لي ماذا يعني لك الوطن والوظيفة، أجبته ببعض أبيات من الشعر كنت كتبتها قبل اللقاء:

يا موطني يا صحوتي ورقادي 

يا من خيالك ساكنٌ بفؤادي 

يا من لكم أشدو وفيكم أرتقي

فأنا بذاك الربع طير شادي

اليوم إبنك في المهاجر مبحرٌ 

وململم للعلم خير الزاد 

اليوم نعمل من مواقعنا التي 

صرنا بها ضرباً من الأجنادِ

التفت نحوي باسماً وقال، اذهب واستكمل اجراءات الالتحاق بعملك الجديد واجعل اليمن نصب عينيك كما هي في شعرك ودراستك. فأنا مؤمن أن من يمتلك همّةً في دراسته ويتفوق بها ويمتلك حساً مرهفاً تجاه وطنه.. لا يمكن أن يكون فاسداً في يوم من الأيام مهما تقلبت الأيام وجارت عليه السنين، ثم بدأ يعلمني أولى دروس الدبلوماسية، لأتتلمذ على يديه لمدة ست أعوام متتالية، كان بالنسبة لي فيها معلماً ولم يكن رئيسي فقط في العمل. تعلمت منه الفطنة السياسية والفهم العميق للمشهد السياسي وديناميكيته والتمييز بين المصالح الكامنة وراء الإجراءات السياسية وكيفية التنقل بين تعقيداتها وصنع السياسات المناسبة لكل قرار، كما تعلمت منه البراعة الدبلوماسية في مراعاة التوازن الدقيق بين تمثيل مصالح البلد والحفاظ على العلاقات مع دول التمثيل المقيم وغير المقيم. تعلمت منه كذلك الشئون الثقافية بكل تفاصيلها وإجراءاتها المقعدة. تعلمت منه كذلك الشئون القنصلية بكافة تحدياتها ومساعدة المواطنين في الخارج وإدارة أي ملف يوكل إلي بإتقان، وأن تطبيق روح القانون أهم من تطبيق القانون الحرفي نفسه رغم تعلمي على يديه وعلى يد السفير/ عبدالرحمن باحبيب،- سفيرنا في ألمانيا لاحقاً- (رحمه الله) فهم مختلف القوانين والاجراءات القنصلية. تعلمت منه الخبرة الإدارية وكان يشدد دائما على أنها العمود الفقري لأي مؤسسة ناجحة ففيها التنظيم والمراقبة وضمان سلاسة العمليات. تعلمتُ منه إعداد مختلف التقارير سواء السياسية او الدبلوماسية والمحاضر أو الإعلامية، التي بعدها استطعت أن أصبح مراسلاً لوكالة الأسوشيتد برس (AP) لعدة قنوات عربية ومحللاً سياسيا في العديد منها كذلك.  تعلمتً منه الكثير ولا مجال لسردها هنا، لكن مجملها كان أن من يعمل ويخطئ خير ممن لا يعمل ولا يخطئ. قال لي حين مغادرته عمله في العام 2014م، ها أنا أغادر اليوم عملي وقد أعددتك أن تكون دبلوماسياً محترفاً وينقصك القرار فقط.

ما دعاني لكتابة هذا المقال والذي يعتبر مقدمة ومدخلاً لمقالات وثائقية قادمة سوف أتناول فيها شخصيته ورؤيته لوضع بلادنا خلال الخمسين عاماً الماضية وعلاقاته الوطنية بكل قادة الصراع في اليمن، وتسليط الضوء على جزء يسير من مذكراته وسجله النضالي والوظيفي في وقتٍ نحن أحوج ما نكون فيه الى سماع صوت العقل، متمنيا الاستفادة من تجاربه وداعياً إلى إعطائه حقه في التقدير والاهتمام.