آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-04:59م

ملفات وتحقيقات


تقرير: كيف تسعى مليشيات الحوثي لخنق المناطق المحررة اقتصادياً؟

الثلاثاء - 06 يونيو 2023 - 07:44 ص بتوقيت عدن

تقرير: كيف تسعى مليشيات الحوثي لخنق المناطق المحررة اقتصادياً؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول الحصار الاقتصادي الذي يفرضه الحوثيون على المناطق المحررة عبر إجراءات تصاعدية..

الانقسام النقدي مروراً بإيقاف تصدير النفط ووقف استيراد الغاز وانتهاءً بوقف الاستيراد براً من المحافظات المحررة.. كيف قصمت اقتصاد الشرعية؟

كيف تدرجت مليشيات الحوثي بحربها الاقتصادية على المناطق المحررة؟

منع عمليات الاستيراد من المناطق المحررة.. كيف سيؤثر على القطاع الاقتصادي؟

هل ستدفع كل هذه الإجراءات نحو الانهيار الاقتصادي في المناطق المحررة؟

ما الخيارات أمام الحكومة لمواجهة هذه التحديات والحرب الاقتصادية الحوثية؟

الحرب الاقتصادية.. الورقة الرابحة.

(عدن الغد) القسم السياسي:

غرس شيطاني، أقل ما توصف به مليشيات الحوثي، التي باتت بؤرة لعدم الاستقرار ليس في اليمن فقط، ولكن في المنطقة برمتها، وجنوب الجزيرة العربية تحديدًا، ومصدر تهديد خطير يسير على أهم الممرات المائية العالمية، تنفيذًا لأجندات داعميه من نظام الملالي في إيران، ليس فقط على المستوى العسكري، بل والسياسي والاقتصادي أيضًا.

وكما قاد نظام طهران اللبنانيين الى هاوية الإفلاس والعجز الاقتصادي الكامل، من خلال تعليمات إيران لحليفها وأداتها الرخيصة في لبنان المتمثلة بمليشيات حزب الله التي قضت على آمال الشعب اللبناني ماليًا واقتصاديًا، ها هي طهران تُملي على حليفتها الأرخص والأقذر في المنطقة "مليشيات الحوثي" نفس الإملاءات المهددة للشعب اليمني من خلال خنقه اقتصاديًا.

ولا غرابة فيما تقوم به مليشيات الحوثي، بإشراف إيراني ورؤية ممنهجة وفق خطط تسير بسلاسة وخطوات مدروسة، فالغاية ليس التفوق العسكري، ولكن الأمر تعدى ذلك من خلال تحقيق انهيار اقتصادي فعلي، يساهم في إضعاف أية مقومات متبقية للدولة، وهو ما سيساعد على ازدهار المليشيات، وبالتالي الإبقاء على سيطرتها الدائمة.

ومن المؤكد أن أهم وأبرز مقومات الدولة هو الاقتصاد، فلا يمكن لأي شعب متواجد على أي أرض أن يمارس أية سلطات دون أن يتمكن من أسسها الرئيسية التي تساعده على الحكم والسلطة والسيطرة، وهو المال وبالتالي توفير الخدمات والاحتياجات، وبنظرة بسيطة على الوضع الاقتصادي في اليمن حاليًا، سواء في مناطق سيطرة المليشيات أم مناطق سيطرة الشرعية.

فالسلطات المتنازعة بين أطراف الصراع في المناطق المحررة باتت ضعيفة وغير قادرة على مواجهة الإجراءات الاقتصادية التي تقوم بها سلطة الأمر الواقع الأقوى حاليًا، وهي إجراءات مخطط لها بشكل معمق واستراتيجي، ولم تحدث على سبيل الصدفة، مقابل أن السلطات في المناطق الشرعية تفتقر إلى التخطيط والتنظيم في مواجهة إجراءات الحوثيين وحربهم الاقتصادية بحق المناطق المحررة.

خاصة وأن المليشيات لا تأبه كثيرًا بأوضاع المواطنين، سواء في مناطق سيطرتهم أم في مناطق تواجدهم في المحافظات المحررة، ولهذا فهي تتنقل من إجراء إلى آخر قد ترى أنه يضيق الخناق على الحكومة المعترف بها دوليًا، في إطار حرب اقتصادية لا تقل قذارةً عن الحرب العسكرية، ولكن في حقيقة الأمر، فإن هذه الإجراءات المتخذة من قبل الحوثيين لا تستهدف ولا تخنق سوى اليمنيين.

وفي الحقيقة، فإن الحوثيين وإن كانوا يتحملون مسئولية أية تبعات إنسانية مؤلمة لإجراءاتها في التضييق على الاقتصاد الوطني، إلا أنهم لا يُسقطون تهم المسئولية عن الحكومة الشرعية وبقية القوى السياسية المنضوية في قوامها، وتتنازع معها في نفس الوقت وتدخل في خصومات عديدة.

> الحوثيون يخنقون الاقتصاد

تسير المليشيات في تنفيذ حربها الاقتصادية على المناطق المحررة وفق خطوات متدرجة لا تنقصها الانتهازية والخبث السياسي الذي تميزت به طيلة تاريخها الأسود، ليس لأنها على دراية كبيرة أو أنها خبيرة في هذا المجال أو ذاك، ولكنها تستعين بتجارب الخبراء الإيرانيين وحزب الله ومليشيات الحشد الشعبي العراقي حتى.

وهي تجارب نفذت بالفعل في تلك الدول المشار إليها، دول وطأتها أقدام إيران وتسببت فيها بانهيار الاقتصاد وتدهور الأوضاع المعيشية، ولهذا يقوم الحوثيون باستنساخها في اليمن، بهدف العمل على الإضرار بالحكومة والمواطنين اليمنيين، وبشكل متسلسل وبطريقة تدريجية، تعتمد على سياسة "النفس الطويل"، وهي سياسة اقتصادية تؤتي ثمارها على المدى البعيد.

فتجربة مثل الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن، هي تجربة نقلتها المليشيات الحوثية من العراق، حيث تنشط هناك أجهزة وخبراء إيرانيون ينفذون تلك الممارسات في مناطق السيطرة المتباينة، بين شرق وجنوب ووسط العراق في البصرة وبغداد والمناطق المقدسة عند الشيعة، وبين شمال البلاد وغربها في أربيل والموصل والأنبار ذات الغالبية السنية.

هذا انقسام تم نقله بحذافيره إلى المشهد اليمني، بإشراف إيراني وتنفيذ حوثي، جعل فروق التحويلات المالية بين الشمال والجنوب في اليمن تقفز إلى مستوى تجاوز حاجز 120 %، ما شكل عبئًا إضافيًا على المواطنين والحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وحول العملة المحلية الواحدة إلى أشبه بعملتين في دولتين مستقلتين، خنق الاقتصاد ودفعه نحو الهاوية المختومة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد الخطير، ولكن الصمود الذي عاشته العملة المحلية في المناطق المحررة، والاستقرار النسبي الذي شهدته خلال الفترة الماضية، خاصة عقب تغيير قيادة البنك المركزي اليمني في عدن، أجبر المليشيات على اللجوء إلى طرق وأساليب جديدة وإضافية في حربها الاقتصادية ضد المواطنين اليمنيين وليس فقط الحكومة اليمنية.

حيث انتقلت المليشيات إلى المرحلة التالية المتمثلة في قصف وتهديد موانئ تصدير النفط والغاز اليمني، وجميعها في مواقع داخل المحافظات المحررة جنوبًا، متسببةً بحرمان ملايين اليمنيين في سلك التوظيف المدني والعسكري من مرتباتهم، التي يتم صرفها أساسًا من إيرادات النفط، بالإضافة إلى التسبب بتراجع وانهيار سعر العملة المحلية في المناطق المحررة، ما يرجح إمكانية تراجعه إلى مستويات غير مسبوقة.

غير أن الوضع المأساوي الذي وصله الاقتصاد اليمني بسبب إجراءات وممارسات الحوثيين تلك لم يصل إلى آخره، ولكنه مسلسل مستمر، أكدته الخطوات الحوثية الأخيرة المتخذة قبل أيام بوقف استيراد البضائع القادمة من المحافظات المحررة، ما يزيد من حدة المشكلة الاقتصادية، ويفاقم الحرب المعيشية التي تشنها المليشيات ضد اليمنيين، وبشكل متدرج ومدروس.

> تداعيات وتبعات

فبعد انقسام العملة المحلية، ووقف تصدير النفط، جاء الدور على منع استيراد الغاز المنزلي من المحافظات المحررة، والذي تنتجه مناطق في محافظة مأرب (وسط اليمن)، ونسبة ضئيلة من محافظة شبوة (جنوبًا).

بالإضافة إلى ذلك، زادت المليشيات الحوثية من إجراءات الحرب الاقتصادية والمعيشية على اليمنيين، وأعلنت خلال الأيام الماضية وقف استيراد البضائع والسلع الرئيسية القادمة من المحافظات المحررة، دون إبداء أية أسباب وجيهة، سوء مبررات واهية لا ترتقي إلى مستوى مقنع، لكن الشيء المؤكد أن ما يحدث من إجراءات هو عبارة عن سياسة ممنهجة ومتعمدة لإسقاط الاقتصاد المحلي بشكل كامل.

وقد يرى البعض أن ما تقوم به المليشيات الحوثية من إجراءات اقتصادية، بمنع استيراد الغاز والسلع الغذائية الأساسية القادمة عبر موانئ ومنافذ للمحافظات المحررة، يستهدف مناطق سيطرة المليشيات التي سيواجه ساكنوها حرمانًا أكيدًا من تلك السلع والخدمات، وهو أمر حقيقي ومتوقع الحدوث، غير أن ذلك لم يحرك شيئًا من الضمير الحوثي المنعدم وجوده أصلًا.

غير أن كثيرين ينظرون إلى الإجراءات الحوثية بأنه تهديد حقيقي للمحافظات المحررة، وليس لمناطق سيطرة المليشيات فقط، فالمحافظات المحررة ستواجه أولًا تكدسًا في السلع والخدمات غير المصرفة، والتي كانت تذهب وتوزع حصص كبيرة منها على مناطق سيطرة الحوثيين، وهناك تكمن الكثافة السكانية والقوى الشرائية الهائلة مقارنةً بسكان المناطق المحررة.

وبالتالي فإن التداعيات الاقتصادية على مناطق سيطرة الحكومة الشرعية لن تكون أقل إيلامًا ووجعًا، من تلك التبعات التي ستلحق بمناطق سيطرة الحوثيين، وفي الحالتين وفي المنطقتين المحررة وغير المحررة لن تأبه المليشيات بأية تداعيات، لأن المواطنين اليمنيين ليسوا على سلم أولوياتها.

لكن ما هو مؤكد، أن هذه الإجراءات في مجملها ستقصم ظهر الشرعية اليمنية، وستلقي بظلالها القاتمة على الاقتصاد في مناطق سيطرة الحكومة بلا شك، وحتى الذين تحدثوا عن انخفاض في أسعار السلع بسبب تكدسها وعدم القدرة على توزيعها لا يفقهون في الأمر شيئاً.

ذلك أن هذه الكارثة تعني أن التجار سيصرفون النظر عن الموانئ في المناطق المحررة، ولن يستوردوا أي سلع أساسية أو غير أساسية عبر موانئ عدن والمكلا والمخا وغيرها، وبالتالي الاضطرار للتوجه نحو ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، وهنا يكمن الهدف الأساسي من وراء كل تلك الإجراءات، وهو السيطرة على الاقتصاد والحركة التجارية بشكل كامل، ما يمثل انتصارًا اقتصاديًا بالنسبة للمليشيات.

> عجز حكومي إزاء الانهيار

تسبب توقف تصدير النفط عبر الموانئ اليمنية بارتفاع سعر صرف العملات وتهاوي الريال اليمني، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع، بالإضافة إلى تهديد استقرار صرف مرتبات موظفي الدولة، وهي تداعيات احتاجت أشهرًا طويلة ليلمسها المواطنون والمسؤولون على أرض الواقع.

ومن المؤكد، بحسب اقتصاديين، أن يؤثر منع استيراد الغاز والسلع والبضائع من المحافظات المحررة على الاقتصاد المحلي، وربما قد تدفع الاقتصاد نحو الانهيار والسقوط في هاوية اللا عودة، وهو ما يريده ويسعى إليه الحوثيون بكل حرص.

والحوثيون غير ملزمين في ممارساتهم تلك، فهم مجرد مليشيات وسلطة أمر واقع، بعكس الحكومة الشرعية التي تمتلك من الأهلية القانونية والاعتراف الدولي ما يخولها باتخاذ إجراءات وخطوات مضادة ما زالت لم تقم بها أو تتخذها حتى الآن.

بل إن الحكومة الشرعية لم تستطع مواجهة إيقاف تصدير النفط عبر الموانئ اليمنية أو إيجاد بدائل لتهديدات الحوثيين، وراحت تمد يدها إلى جيب المواطنين لتعويض نقص إيراداتها، فرفعت سعر الدولار الجمركي، وزادت من تعرفة الكهرباء والمياه والضرائب والواجبات والرسوم وغيرها، دون أي تخطيط أو مواجهة مدروسة لما يقوم به الحوثيون.

ففي الوقت الذي تمارس المليشيات فيه خططا ممنهجة وبعيدة المدى، تقف الحكومة اليمنية عاجزة عن تقديم أي حلول أو معالجات للتهديدات الحوثية والحرب الاقتصادية التي يشنها الحوثيون بلا هوادة، وتكاد تكون خيارات الحكومة محدودة للغاية ومقتصرة على مناشدة واستجداء المجتمع الدولي للتدخل ووضع حد لممارسات الحوثي.

الأمر الذي يعزز العجز والخور والضعف الذي تعيشه هذه الحكومة التي يفترض أن تكون شرعية ومعترفا بها دوليًا، ويؤكد فشلها في الملف الاقتصادي، تمامًا كما فشلت في بقية الملفات الأخرى، العسكرية والسياسية، دون أن تثبت للناس أنها تستحق ثقتهم أو حتى تعاطفهم.