آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

دولية وعالمية


الانتخابات التركية 2023: مسيرة رجب طيب أردوغان القوي الذي يحكم تركيا منذ 20 عاما

الأحد - 28 مايو 2023 - 10:34 م بتوقيت عدن

الانتخابات التركية 2023: مسيرة رجب طيب أردوغان القوي الذي يحكم تركيا منذ 20 عاما

بي بي سي

بدأت رحلة رجب طيب أردوغان من بيئة طبقية متواضعة، لكنه تطور ليتحول إلى عملاق سياسي، حيث يقود دفة الحكم منذ أكثر من عقدين، وأعاد هيكلة تركيا أكثر من أي زعيم حكم البلاد بعد مصطفى كمال أتاتورك، الأب الروحي للجمهورية الحديثة.

وعلى الرغم من مواجهته سلسلة من الأزمات، إلا أنه تصدر نتائج الجولة الأولى من سباق الانتخابات الرئاسية عام 2023، وثمة توقعات أن يحافظ على قبضته في السلطة.

وتعرضت شعبية أردوغان للتراجع على مدار سنوات، الأمر الذي دفع إلى تنامي قناعة لدى خصومه بأنهم قادرون على هزيمته.

كما أنحى معارضون باللوم على سياساته الاقتصادية غير التقليدية في تفاقم أزمة غلاء المعيشة في تركيا.

وبالنسبة لزعيم مشاكس صاحب سجل قوي على صعيد التنمية والازدهار والتحديث، بدا أردوغان بطيئا في استجابته لآثار زلزالين ضربا البلاد في فبراير/شباط، أسفرا عن سقوط ما يزيد على 50 ألف قتيل.

في البداية كرئيس للوزراء في عام 2003 ثم كرئيس منتخب بشكل مباشر منذ عام 2014 وحتى الآن، استعرض رجب طيب أردوغان عضلات بلاده كقوة إقليمية، ودافع عن القضايا الإسلامية وسارع إلى القضاء على المعارضة الداخلية.

وعلى الرغم من أنه رئيس دولة عضو في حلف شمال الاطلسي (ناتو)، لكن بلاده تلعب دور الوسيط في الحرب الروسية الأوكرانية، وأبقى كل من السويد وفنلندا في حالة انتظار للانضمام إلى التحالف الدفاعي الغربي.

وتسبب أردوغان في حالة استقطاب في بلاده، ويُعتقد أنه فائز بلا جدال في الانتخابات، ويطلق عليه أنصاره لقب "رئيس".

وكان الرئيس التركي قد اتهم خصومه بمعاملة الناخبين في تركيا بالازدراء والإخفاق في كسبهم، وصرح قائلا: "بوصفنا 85 مليونا، سنحمي انتخاباتنا وإرادتنا ومستقبلنا".

ولد رجب طيب أردوغان في شباط /فبراير 1954، وكان والده يعمل في خفر السواحل على ساحل البحر الأسود في تركيا. عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، قرر والده الانتقال إلى اسطنبول، على أمل أن يحصل أبناؤه الخمسة على فرصة حياة أفضل.

كان يبيع في صغره عصير الليمون وكعك السمسم لكسب مال إضافي. التحق بمدرسة إسلامية قبل حصوله على شهادة في الإدارة من جامعة مرمرة في اسطنبول، ولعب كرة القدم بشكل احترافي.

في السبعينيات والثمانينيات، كان ناشطاً في الأوساط الإسلامية، وانضم إلى حزب "الرفاه" الاسلامي بزعامة نجم الدين أربكان.

مع ازدياد شعبية الحزب في التسعينيات، انتُخب أردوغان لمنصب عمدة اسطنبول في عام 1994 وأدار المدينة على مدى السنوات الأربع التالية.

لكن فترة حكمه انتهت عندما أدين بالتحريض على الكراهية العنصرية لقراءته علنا قصيدة قومية تضمنت: "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا".

بعد أن أمضى أربعة أشهر في السجن، عاد إلى ممارسة السياسة مجدداً. لكن تم حظر الحزب لانتهاكه "المبادئ العلمانية" الصارمة للدولة التركية الحديثة.

في أغسطس/ آب 2001 ، أسس حزباً إسلامياً جديداً مع حليفه عبد الله غول، حمل اسم العدالة والتنمية (AKP).

في عام 2002، فاز حزبه بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية وفي العام التالي، تم تعيينه رئيساً للوزراء، ولا يزال رئيساً لحزب العدالة والتنمية.

منذ عام 2003، أمضى أردوغان ثلاث فترات كرئيس للوزراء، وقاد فترة من النمو الاقتصادي الدائم، وحاز الثناء دولياً كشخصية إصلاحية. توسعت الطبقة الوسطى في البلاد وتم إنتشال الملايين من الفقر، حيث أعطى أردوغان الأولوية لمشاريع البنية التحتية العملاقة لتحديث تركيا.

لكن معارضيه يرون أنه أصبح مستبداً بشكل متزايد.

بحلول عام 2013، خرج المتظاهرون إلى الشوارع، احتجاجاً على خطط حكومته لتحويل حديقة غيزي بارك ذات الأهمية لدى سكان المنطقة في وسط اسطنبول الى مركز تجاري، ولكن أيضاً في تحد لحكمه الذي بات أكثر استبداداً.

وأدان رئيس الوزراء المظاهرات ووصفهم بـ "الحثالة". كان سكان اسطنبول يقرعون على الأواني عند الساعة التاسعة في كل ليلة بروح من التحدي.

وكانت ثمة مزاعم حول فساد أبناء ثلاثة من حلفاء اردوغان الحكومة.

شكلت احتجاجات حديقة غيزي نقطة تحول في حكمه. رأت المعارضة تصرفاته أشبه بسلوك أحد سلاطين الإمبراطورية العثمانية، أكثر من كونه شخصاً ديمقراطياً.

كما اختلف أردوغان مع فتح الله غولن، رجل الدين الإسلامي التركي المقيم في الولايات المتحدة، الذي ساعدته حركته الاجتماعية والثقافية في الفوز في ثلاث انتخابات متتالية وإبعاد الجيش عن السياسة. لقد كان لذلك العداء تداعيات وخيمة على المجتمع التركي.

 

بعد عقد من وجود في سدة الحكم، رفع حزب أردوغان الحظر المفروض على ارتداء النساء للحجاب في المؤسسات العامة منذ الانقلاب العسكري في عام 1980. ورفع الحظر في النهاية عن ارتداء النساء للحجاب في الشرطة والجيش والقضاء أيضاً.

اتهمه منتقدوه بالخروج عن مبادئ جمهورية مصطفى كمال أتاتورك العلمانية.

رغم أن أردوغان متدين، لكنه ينفي دائماً رغبته في فرض القيم الإسلامية، وأصر على أنه يدعم حقوق الأتراك في التعبير عن دينهم بشكل أكثر انفتاحاً، لكنه أيد مراراً تجريم العلاقات الجنسية خارج الزواج.

وبصفته أباً لأربعة أبناء، قال إنه "لا ينبغي لأي أسرة مسلمة" التفكير في تحديد النسل أو تنظيم الأسرة. وقال في مايو 2016 "سنضاعف عدد أحفادنا".

 

لطالما دافع أردوغان عن القضايا الإسلامية والجماعات المقربة أيديولوجياً منه مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر. ومن المعروف أنه كان يرفع اشارة رابعة دعما للاسلاميين في مصر.

 

مُنعَ من تولي منصب رئاسة الوزراء مجدداً عام 2014 فرشح نفسه لمنصب الرئيس الذي كان دوره شرفياً إلى حد كبير في أول انتخابات مباشرة غير مسبوقة. وضع خطة كبيرة لتعزيز المنصب ووضع دستوراً جديداً من شأنه أن يفيد جميع الأتراك ويضع بلادهم بين أكبر 10 اقتصادات في العالم حسب قوله.

 

لكن في وقت مبكر من رئاسته، واجه أزمتين، إذ خسر حزبه الغالبية في البرلمان لعدة أشهر في انتخابات عام 2015 ، وبعد ذلك بأشهر، في عام 2016 ، شهدت تركيا أول محاولة انقلاب عنيفة منذ عقود.

كاد الجنود المتمردون أن يلقوا القبض عليه، حيث كان يقضي عطلته في منتجع ساحلي، لكن تم نقله جواً إلى بر الأمان. في الساعات الأولى من يوم 16 يوليو/تموز، ظهر منتشياً بالنصر في مطار أتاتورك في إسطنبول وسط هتافات أنصاره.

وقُتل ما يقرب من 300 مدني أثناء تصديهم لمحاولة الانقلاب.

 

لكن التوتر كان واضحاً عندما بكى علانية أثناء إلقاء خطاب في جنازة صديق مقرب، أطلق عليه جنود متمردون النار مع ابنه.

ألقى باللوم في المؤامرة على حركة غولن الإسلامية، وشن اردوغان حملة تطهير واسعة حيث طرد حوالي 150 ألف موظف حكومي واعتقل أكثر من 50 ألف شخص، من بينهم جنود وصحفيون ومحامون وضباط شرطة وأكاديميون وسياسيون أكراد.

أثارت هذه الحملة قلق العالم، وأصبحت علاقات دول الاتحاد الأوروبي فاترة مع تركيا نتيجة لذلك، ولم يحدث أي تطور بشأن طلب تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ سنوات.

أدت الخلافات حول تدفق المهاجرين إلى اليونان إلى تفاقم المشاعر السلبية بين الطرفين.

لكن موقعه في قصر أق سراي ( القصر الابيض) اللامع الذي يضم 1000 غرفة والمطل على أنقرة، يبدو أكثر ثباتاً واستقراراً من أي وقت مضى.

فاز بفارق ضئيل في استفتاء عام 2017 الذي حصل بموجبه على سلطات رئاسية كاسحة، بما في ذلك الحق في فرض حالة الطوارئ وتعيين كبار المسؤولين الحكوميين وكذلك التدخل في النظام القضائي.

 

بعد عام، حقق فوزاً كبيراً في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. معظم الأصوات التي يحصل عليها تتمركز بشكل أساسي في مدن الأناضول الصغيرة والمناطق الريفية المحافظة.

 

في عام 2019 ، خسر حزبه المدن الثلاث الكبرى؛ اسطنبول والعاصمة أنقرة وإزمير في الانتخابات البلدية. كانت خسارة منصب رئيس بلدية اسطنبول بفارق ضئيل أمام أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي ضربة قاسية لأردوغان، الذي كان رئيس بلدية المدينة في التسعينيات، فرفض نتيجة الانتخابات.

وكان إمام أوغلو متقدماً على الرئيس في استطلاعات الرأي قبل حرمانه من خوض انتخابات مايو/أيار. اتُهم الرئيس وحلفاؤه باستخدام المحاكم لحرمان عمدة المدينة الشعبي من حق الترشح.

ويواجه ثالث أكبر حزب في تركيا، حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، خطر الحظر بسبب صلات مزعومة بالمسلحين الأكراد.

على غرار القادة الأتراك السابقين، شن أردوغان حملة عنف شرسة على حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.

على الرغم من أن تركيا استقبلت أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ فروا من الحرب الأهلية السورية، فقد شنت أنقرة أيضاً عمليات ضد القوات الكردية عبر الحدود، مما أدى إلى غضب الرأي العام الكردي في تركيا.

بات أردوغان شخصية مهمة في السياسة الدولية أيضاً. واستعرض عضلات تركيا كقوة إقليمية وأثارت دبلوماسيته القوية غضب الحلفاء في أوروبا وخارجها.

ولطالما أقام أردوغان علاقات وثيقة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وسعى إلى النهوض بدور محوري كوسيط في الصراع في أوكرانيا.

وعلى الرغم من كونه زعيما لدولة عضو في الناتو، إلا أنه اشترى نظاما دفاعيا روسيا مضادا للصواريخ، ووقع اختياره على موسكو لبناء أول مفاعل نووي في تركيا.

كما سعى، قبل انتخابات 2023، إلى تعزيز مصداقيته بين الناخبين الوطنيين والمحافظين من خلال اتهام الغرب بالتحرك ضده.

وأكد قائلا: "بلادي ستُفشّل هذه المؤامرة"، واصفا إياها بحد فاصل.

واختتم حملته الرئاسية في عام 2023 بزيارة ضريح عدنان مندريس، أول رئيس وزراء تركي منتخب ديمقراطيا والذي أُعدم في عام 1961 بعد انقلاب عسكري.