آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:05م

أدب وثقافة


في مخاض البعث

الأحد - 28 مايو 2023 - 05:57 م بتوقيت عدن

في مخاض البعث
حسام الدين الغيري

كتب/ حسام الدين الغيري:

استيقظ مصطفى مبكرا كالعادة. ربما عاداته تغيرت هذه الأيام. اصبح النوم تسليتيه الوحيدة أملا في بعث جديد كل صباح.    لعل الموتة الصغرى تأتي بما لم يبح به القدر ولم يتنبأ به المنجمون والعرافون. لكن النوم لم يتمكن منه ولكن تمكنت منه همومه وأحزانه ومخاوفه وهواجسه. 

نعم أفاق اليوم على كابوس كالمعتاد، كانت الساعة حينها تشير إلى السادسة صباحا، لقد ولى الفجر واقتربت الشمس من الشروق، تناول عود الثقاب وأخذ يدخن سيجارته في نهم شديد، تذكر الكتب والروايات الرومانسية التي قرأها في الثانوية ، كلها تتحدث عن روعة البدايات ،جمال اللقاء الأول ، عذوبة الحب الأول ، عذوبة أولى ترانيم الكنائس، متعة النظرة الاولى ودفء الأحضان الثانية. 

لقد أنهى سيجارته ولم تشرق الشمس بعد، كان متشوقا لرؤية لقائها الأول بالسماء هذا اليوم ،كيف ستحتضنها، كيف ستداعب أشعتها الباردة زرقتها، تناول عود الثقاب بسرعة و أشعل سيجارته الثانية وجعل يراقب هذا المشهد الذي طالما ألهب فضوله وألهم كتاباته، وهاهي الشمس تلاقي السماء بالفعل، لقد غمرتها السماء بقلبها الواسع وارتمت الشمس بدف في أحضانها. 

آه من طبيعة لا تجيد فن التعود والإعتياد. أطفأ سيجارته في صمت. سمع مصطفى نغمات فيروزية آتية من المطبخ ، إنها والدته قد فتحت المذياع للتو بصوت خافت كي لا توقظ النيام من أحلامهم. لقد فاحت رائحة  قهوتها ، اتجه صوب الرائحة العذبة، صوب أمه، قابلته بابتسامتها الفيروزية الجميلة، قبلها على جبينها  فزادت ابتسامتها روعة ،  ناولته قهوته وجلست حذوه، كانت ستمزج له القهوة بالحليب ، نعم انها قهوتهما الرسمية المعتادة ،قال لها "دعيها يا  أمي لعلي أرى في سوادها سنيني التي مرت هباء". 

ابتسمت والدته دون عناء وقالت "ستفرج يا ولدي لا تيأس ، ان لكل مجتهد نصيب"، ثم علا صوت الراديو فجأة على أنغام الجموسي وهو يردد "يفرجها المولى يفرجها". ضحك مصطفى متفائلا ممازحا أمه "اسكبي لي بعض الحليب يا أمي علي أرى فيه سنيني القادمة". 

قبلها وقد خانتنه دموعه، "دعواتك، لقد حان الوقت يا أمي".