آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-01:27م

ملفات وتحقيقات


قراءة في تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي حول وضع المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية

الخميس - 25 مايو 2023 - 09:01 ص بتوقيت عدن

قراءة في تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي حول وضع المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية

(عدن الغد)خاص:

قراءة في تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي حول وضع المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية..

السيطرة على الأرض.. هل تغري الانتقالي بإعلان الانفصال من طرف واحد؟

تطمينات الزبيدي لدول الجوار بهوية دولة الجنوب المرتقبة واعترافه بوجود ضغوطات دولية.. ما دلالاتها؟

توقعات الزبيدي بانهيار الرئاسي اليمني.. ما هي أسبابه ومبرراته؟

هل خذل التحالف المجلس الرئاسي وتخلى عن دعمه اقتصاديًا وسياسيًا بحسب الزبيدي؟

ما الذي يعنيه الانتقالي بأنه لن يرضى خلال الفترة القادمة بشراكة النصف في (الرئاسي) و(الحكومة)؟

ما الذي قدمه الانتقالي للحكومة اليمنية.. ولماذا يتهمها بالعجز؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عضو المجلس الرئاسي اليمني اللواء عيدروس الزبيدي، حول وضع المجلس الرئاسي وتوقعاته به بالانهيار خلال أشهر قليلة، لم تكن مفاجئة للكثير من المراقبين والمحللين السياسيين، عطفًا على الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.

وسبق أن تناولت (عدن الغد) في إعداد سابقة، تحليلات لوضع المجلس الرئاسي اليمني، الذي حمل بذور انهياره وتفككه منذ الوهلة الأولى لتشكله، باعتباره هجينًا غير متجانس من تيارات ومكونات سياسية متناقضة ومتعارضة في مشاريعها وقناعاتها السياسية، بل إن بعضها يمتلك تاريخًا من العداوات التي ما زالت مستمرة حتى اليوم.

لكن المفاجأة التي يمكن أن تحملها تصريحات الزبيدي، خلال مقابلة تلفزيونية، أنها حمّلت التحالف العربي ولأول مرة بشكل صريح مسئولية هذا الانهيار؛ نظرًا لأنه لم يقم بواجباته في دعم المجلس الرئاسي اقتصاديًا، وحتى سياسيًا.

والانتقالي يحمل مشروعًا سياسيًا يتعارض مع قناعات بقية المكونات اليمنية المنضوية في قوام المجلس الرئاسي، وهو أمر غير خافٍ على أحد، ويدركه القادة السياسيون جيدًا، حتى أن الانتقالي ذاته يعرف هذه الحقيقة.

غير أن هذه المناصفة يبدو أنها أصبحت غير كافية بالنسبة للانتقالي، حيث عبر عنها الزبيدي في تصريحاته المتلفزة بأن مجلس الجنوبي لم يعد راضيًا بشراكة المناصفة في المجالس الرئاسية والحكومية، في إشارة واضحة لمحاولات الاستئثار بالسلطة، لكن هذه المحاولات ليست شرطًا أن تكون ضمن شراكات الانتقالي الجنوبي مع القوى السياسية اليمنية.

فالزبيدي تطرق أيضًا إلى احتمالات إعلان الدولة الجنوبية واستعادتها من طرف واحد، وبإجراء أحادي، بغض النظر عن وجود توافق يمني أو إقليمي أو دولي، حيث ألمح في تصريحاته إلى إمكانية فرض "الأمر الواقع" الذي يمكن أن يقبل به الجميع رغمًا عن أنوفهم.

قضايا كثيرة تناولها الرئيس الزبيدي في تصريحاته، التي غلب عليها الرغبة في إيصال رسالة واضحة إلى الإقليم والعالم حول طبيعة سياسة الانتقالي وما يريده، بالتزامن مع خطوات وإجراءات لافتة قام بها الانتقالي خلال الأسابيع الماضية، لعلها لاقت تململًا إقليميًا ودوليًا، استدعت من الزبيدي هذا الظهور الإعلامي بهدف بعث رسائل لم تنقصها الحدة، وتحتاج إلى الكثير من القراءة والتحليل.

> سلطة الأمر الواقع

حديث الزبيدي عن عدم اهتمام المجلس الانتقالي الجنوبي بموافقة الإقليم والعالم بإعلان واستعادة دولة الجنوب، يؤكد مدى إدراك الانتقالي لهذا الغرض الدولي، لهذا فهو يسعى إلى تحقيق غاياته في تنفيذ مشروعه السياسي عبر طريقة تُجبر العالم والدول الإقليمية على القبول بالأمر الواقع.

جاء ذلك خلال حديث رئيس الانتقالي عن سيطرة القوات الموالية له على الأرض، مؤكدًا أن العالم لا يعترف إلا بـ"سلطة الأمر الواقع"، الأمر الذي يشير إلى إجراءات يسعى إليها الانتقالي للتحرك بشكل أحادي في سبيل استعادة دولته على حدود عام 1990، وهو ما أقرته أدبيات اللقاء التشاوري الجنوبي الحواري بداية الشهر الجاري، واجتماعات الجمعية العمومية أخيرًا في المكلا.

هذا التحرك الذي ألمح إليه المجلس الانتقالي مدعوم بالسيطرة على الأرض التي جعلت من الانتقالي رقمًا صعبًا، من خلال قواته وتشكيلاته الأمنية والعسكرية التي تأسست منذ عام 2015 وحتى الآن، والتي ينظر إليها الانتقالي بأنها نواة تأسيس الجيش الجنوبي، وفق توصيات اللقاءات والاجتماعات الأخيرة، وهي بالفعل كانت "رأس حربة" في صراعات الانتقالي مع خصومه، سواء كانوا الحوثيين في الجبهات أم الحكومة الشرعية داخل المحافظات المحررة.

ومن المؤكد أن الانتقالي- عبر تصريحات رئيسه- أراد أن يبعث رسالة للقوى اليمنية والإقليمية بأنه يمتلك السيطرة على الأرض، ولديه قواته تدعم مشروعه السياسي الذي يمكن أن يفرضه كأمر واقع، دون الحاجة لانتظار موافقة الجوار أو العالم على إعلان دولته واستعادتها، في ظل إدراكه لهذا الرفض جيدًا.

الانتقالي يدرك أن مشروع الدولة الجنوبية مرفوض إقليميًا ودوليًا؛ وإن كان إقليميًا بدرجة أقل في ظل وجود داعمين لهذا المشروع، لكن الرفض والتوجس هو الغالب نتيجة التاريخ المليء بالتوتر الذي تميزت به دولة جنوب اليمن مع محيطها اليمني والخليجي والعربي والأفريقي، وتهديداتها المستمرة المدفوعة من المعسكر الاشتراكي، الأيديولوجية الحاكمة للنظام في الجنوب خلال ربع قرن من الزمان.

وهو إدراك يعبر عن حجم الضغوطات الدولية، وانعكس على التطمينات التي حرص الزبيدي تأكيدها بالحديث عن عدم إمكانية العودة إلى نفس النظام الاشتراكي السابق وصعوبة ذلك، وقد يكون محقًا في ذلك بسبب تغير الوضع العالمي ونهاية القطب الاشتراكي الشرقي وانهياره وعدم صلاحية أفكاره للعصر الراهن، وبدلًا من ذلك مضى رئيس الانتقالي للتركيز على طبيعة وهوية الدولة التي يسعى إلى استعادتها.

ونتيجة لذلك راح يتحدث عن الدولة الجديدة بهويتها الفيدرالية الاتحادية التي تمنح لكل إقليم ومحافظة صلاحيات واسعة في إدارة الثروة والسلطة، وفي ذات الوقت تقوم باحترام جيرانها وتحفظ تعهداتها معهم، وهي تطمينات تهدف إلى كسب ود المحيط، والتخفيف من حدة التوجس تجاه المشروع السياسي الجنوبي.

> انهيار المجلس الرئاسي

من ضمن التصريحات الحادة التي تطرق إليها عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي، توقعه بشأن مآلات ومصير هذا المجلس، والذي قال إنه يتوقع انهياره خلال شهور قليلة، ورغم أن الحديث عن انهيار المجلس لم يكن مفاجئًا، وسبق لقيادات وأعضاء فيه الحديث عن خلافات تعصف به، إلا أن هناك جديدًا في توقعات الزبيدي.

الجديد في الأمر، أن الزبيدي مرّ مرور الكرام على الأسباب التي قد تعجل بانهيار المجلس الرئاسي اليمني، فهناك أسباب أخرى غير تلك العوامل المتعلقة بعدم تجانس القوي المنضوية في قوام المجلس، والتيارات المتناقضة الداخلة في تشكيلته، غير أن الجوانب السياسية ليست وحدها من تهدد استمرار الرئاسي.

وبحسب الزبيدي وتلميحاته فإن ما سيُسرّع بانهيار المجلس الرئاسي هو التخلي الواضح من قبل التحالف العربي عن دعم اليمن اقتصاديًا وانتشاله من وضعه المعيشي المتردي، وهذا ما جعل رئيس المجلس الانتقالي يتوقع انهيار المجلس الرئاسي إذا لم يأتِ هذا الدعم خلال الشهور القادمة، وفي هذا الطرح الكثير من الدلالات والمؤشرات التي تستحق الوقوف عليها.

فهناك احتمالات كبيرة بأن تكون توقعات الزبيدي حول انهيار الرئاسي اليمني مجرد مناورة سياسية لمنح مشروع الانتقالي مشروعية إقليمية ودولية بعد سقوط المجلس الرئاسي، وهو ما يبرر هذه التصريحات، التي تصب في خدمة ومصلحة الانتقالي، في ظل معرفة الجميع بتناقض مكونات المجلس الرئاسي ولا جديد يذكر في احتمالات انهياره.

لكن هناك مبررات أخرى قد تقف خلف هذه التوقعات، منها أن المجلس الانتقالي الجنوبي محق في حديثه عن خذلان التحالف للمجلس الرئاسي، وأنه في حديث الزبيدي هذا ما يعبر عن لسان حال الرئاسي باعتبار الانتقالي جزء من المجلس الرئاسي، غير أن الأمر لا يقف عن هذا الحد، فهناك من يعتقد أن الانتقالي يسعى جاهدًا للاستحواذ على المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية برمتها، ولهذا يسعى للحصول على مزيد من الدعم الخارجي.

وهذا السعي للاستحواذ على الحكومة والمجلس الانتقالي عبر عنه الزبيدي حين لفت إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي لن يرضى خلال الفترة القادمة بشراكة النصف في (الرئاسي) و(الحكومة)، بل إنه مضى للحديث عن عجز الحكومة اليمنية برئاسة الدكتور معين عبدالملك في معالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، رغم جهود الانتقالي بمساعدتها، بحسب الزبيدي.

وبغض النظر عن الأشياء والجهود التي قدمها الانتقالي للحكومة والتي ادعاها الزبيدي، إلا أن اتهام الحكومة بالعجز لم يكن مفاجئًا أيضًا ولا أمرًا جديدًا يمكن الحديث عنه، فهو قضية مزمنة منذ تأسيس هذه الحكومة التي ارتضى الانتقالي أن يكون جزءًا منها في ديسمبر/كانون أول من عام 2020.

والتبرير الممكن لكل هذه التصريحات حول المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية، هو أن الانتقالي والزبيدي قد يقدمون أنفسهم كبديل للشرعية اليمنية في حالة استمرار الرفض الدولي والإقليمي للمشروع السياسي الجنوبي باستعادة دولة ما قبل عام 1990.