آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-05:49ص

ملفات وتحقيقات


تحليل.. هل يمكن للروس الإصغاء إلى مشاكل اليمن في ظل الحرب مع أوكرانيا وأزمات موسكو مع العالم؟

الخميس - 23 مارس 2023 - 03:15 م بتوقيت عدن

تحليل.. هل يمكن للروس الإصغاء إلى مشاكل اليمن في ظل الحرب مع أوكرانيا وأزمات موسكو مع العالم؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل لزيارة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والوفد المرافق له إلى العاصمة الروسية موسكو...

ما المكاسب التي تحققت من زيارة وفد الانتقالي إلى موسكو؟

هل كانت الزيارة إيجابية أم أنها لم تأتِ بأي جديد؟

ما الرسالة التي سعى الانتقالي إلى تأكيدها من زيارة موسكو؟

ما موقف روسيا من الأزمة اليمنية.. وهل يمكن أن يتغير لصالح الانتقالي؟

تأتي زيارة وفد المجلس الانتقالي الجنوبي إلى العاصمة الروسية موسكو في ظل تسويق واسع وكبير لما أسماه البعض ”متانة العلاقة بين اليمن الجنوبي وروسيا”.

ووفق هذا التسويق يبني كثير من أنصار المجلس الانتقالي توقعات كبيرة يمكن أن تحققها زيارة وفد المجلس إلى موسكو، كمكاسب للقضية الجنوبية واستعادة دولة الجنوب، باعتباره هدف وغاية الانتقالي.

ورغم السقف اللا محدود لأحلام البعض من الموالين للانتقالي من وراء هذه الزيارة، إلا أن مجيء هذه الزيارة في هذا التوقيت يشي بالكثير من الدلالات التي تكشف حقيقتها وما الذي يريد الانتقالي إيصاله من مثل هكذا تحرك خارجي.

> تاريخ العلاقة بموسكو

تمتلك روسيا علاقات تاريخية مع اليمن، الجنوبي على وجه الخصوص، فالإمبراطورية السوڤيتية مدت نفوذها إلى جنوب الشرق الأوسط والجزيرة العربية بفضل ما وجدته من استعداد أيديولوجي لدى حكام الدولة في الجنوب بعد خروج بريطانيا.

تلك العلاقة ارتبطت بالمصالح الاقتصادية المتبادلة، ورغبة دولة اليمن الجنوبي الفوز بدعم موسكو الاقتصادي والعسكري، بالإضافة إلى الاستغلال السياسي من قبل الاتحاد السوڤييتي لدولة الجنوب اليمني وموقعها الاستراتيجي والجيوعسكري، في خضم الحرب الباردة.

ولم تكن تلك العلاقة حبًا في الفكر الشيوعي أو الاشتراكي أو جدواها المعيشية كما كان يروج له في أدبيات دولة جنوب اليمن، بل إنها كانت من أسوأ علاقات الاستغلال الثنائي التي شهدها العالم في ذلك الوقت.

فحين شيدت قائدة المعسكر الشيوعي الشرقي ممثلة بموسكو قواعد عسكرية في جنوب اليمن، كرأس حربة متقدم خاص بها في مواجهة المعكسر الرأسمالي الغربي وحلفائه في المنطقة، لم تكن تعطي في المقابل أي دعم حقيقي يستحق الذكر لدولة اليمن الجنوبي.

حتى وإن ادعى البعض أن السوڤييت دعموا الجنوب عسكريًا فإن ذلك لم يكن إلا في وقت متأخر، وتحديدًا أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، حين اعتنق جنوب اليمن الفكر الاشتراكي رسميًا وبعد تأسيس الحزب الإشتراكي اليمني عام 1978.

كما أن هذا الدعم العسكري لم يكن سخيًا كما قد يتصوره البعض، واقتصر على مجموعة مدرعات من مخلفات الحرب العالمية الثانية التي طغا عليها الصدأ، بالإضافة إلى بضع صواريخ ”سكود” بالستية بلا صواعق (فيوزات) فضحت عورتها حرب عام 1994.

في المقابل كانت موسكو تستغل اليمن الجنوبي أسوأ استغلال، من خلال استغلال موقعه الاستراتيجي ومنفذ باب المندب، الذي كان محكومًا بقواعد عسكرية في العند وجزيرة ميون.

بالإضافة نهب الثروة السمكية اليمنية من قبل سفن السوفييت، وسلب ثورات المعادن من الذهب وغيره في جبال وادي حضرموت، بحسب شهادات عدد من السياسيين الجنوبيين، الذين أكدوا ما أسموه بـ”البخل السوڤييتي” لكل من يتعاون معهم، في مقابل استغلالهم للطرف الآخر.

وبناء على كل ما سبق، يتضح حقيقة العلاقة غير المتكافئة بين اليمن الجنوبي وروسيا منذ عقود مضت، وهو ما ينفي أي آمال أو أحلام ترجى من وراء هذه الزيارة في استعادة دولة الجنوب أو دعم موسكو لخيار الدولتين، بحسب ما يرغب الانتقالي في ذلك.

> غايات الزيارة ومكاسبها

قبيل مغادرة وفد الانتقالي العاصمة الإماراتية أبو ظبي متجهًا صوب العاصمة الروسية موسكو تحدث رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي حول الغايات الأسياسية من هذه الزيارة.

وقال الزبيدي: سنذهب إلى موسكو لعرض رؤيتنا لحل شامل للأزمة اليمنية والوصول إلى حل يرضي الجميع، مشيرًا إلى أن حل الازمة اليمنية يكون على أساس حل الدولتين.

وأضاف ”نحن نرى أن هذا الحل هو المناسب للشمال والجنوب للتخفيف من للمعاناة الإنسانية، وفي هذا الصدد نتطلع لشراكة مستمرة مع حلفائنا في روسيا الاتحادية، وأنا على ثقة أنهم يتفهمون قضية شعب الجنوب واستعادة دولته”

المفارقة أن رئيس الانتقالي استند إلى تاريخ العلاقات ”الاستغلالي والشيء” بين روسيا ودولة جنوب اليمن، وأكد أن ”لدى الروس علاقات مع الجنوب في فترة السبعينات ونتطلع إلى إعادة الشراكة بين الجنوب وروسيا الإتحادية في المستقبل.

لكن المغادرة المفاجئة والمقتضبة للزيارة، أثارت الكثير من التساؤلات حول المكاسب التي تكون الزيارة قد حققتها، في ظل وقتها القصير، وطبيعة وهوية المسئولين الذين التقاهم وفد الانتقالي هناك في موسكو.

وفي هذا الشأن تحدث إعلام المجلس الانتقالي عن سلسلة لقاءات عقدها الوفد مع المسؤولين في روسيا الاتحادية، ناقش خلالها الأوضاع السياسية والإنسانية في بلادنا، وجهود إيقاف الحرب وإحلال السلام وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

وبحث الزُبيدي في لقاءاته بالمسؤولين الروس سُبل وآليات بدء عملية سياسية شاملة في بلادنا، تطرح خلالها جميع القضايا على الطاولة، تحت إشراف دولي، وفي طليعتها قضية شعب الجنوب، بما يضمن حلها حلاً عادلاً، يُلبي تطلعات شعبنا وحقه في استعادة دولته كاملة السيادة.

غير أن أحدًا لم يطلع على هوية المسئولين الذين التقاهم الوفد، ولم تذكرهم وسائل إعلام الانتقالي، وما تأثيراتهم على صنع القرار الروسي، وذلك ما يؤكد أن الزيارة كان لها أهداف وغايات سياسية موجهة لأطراف في الإقليم والداخل اليمني.

> رسالة الانتقالي

من المؤكد أن الأوضاع في اليمن عمومًا، ومستجدات الأزمة اليمنية على المستوى الإقليمي والمحلي تسير نحو منحى لا يعجب المجلس الانتقالي الجنوبي ولا رغباته السياسية، وتجلى ذلك واضحًا من تصريحات رئيس المجلس الرئاسي التي أثارت جدلًا كبيرًا.

فالأولوية بالنسبة للمكونات السياسية اليمنية وكذا اللاعبون الإقليميون والدوليون هي لإنهاء وإيقاف الحرب والأزمة اليمنية، غير أن المجلس الانتقالي يرى في ذلك تجاوزًا للقضية الجنوبية التي يجب أن تكون ملامح حلها واضحة قبل الشروع في أي حل للأزمة اليمنية.

وهو مطلب غير مطروح على طاولة التحالف ممثلًا بالسعودية تحديدًا وحتى المجتمع الدولي والمبعوث الأممي، رغم الاعتراف بأهمية القضية الجنوبية وتأثيراتها على المشهد اليمني عمومًا، لكن الجميع متفق على تأجيل حلها إلى حين إنجاز التسوية السياسية.

وهو ما لم يعجب الانتقالي الذي بدأ بتحركات سياسية خارجية، محاولًا من خلالها إثبات نفسه أمام أنصاره على الأقل أنه قادر على المناورة والبحث عن حلفاء جدد، والاستعانة بهم في مواجهة رافضي مشروع استعادة دولة الجنوب، بل ولديهم تاريخ من العلاقات في دعم الجنوب.

ولعل في هذا رسالة واضحة من المجلس الانتقالي إلى اللاعبين الإقليميين كالسعودية وغيرها، بالإضافة إلى المكونات اليمنية المحلية التي تحاول تجاوز القضية الجنوبية، وهو رد فعلي من الانتقالي على كل تلك الأطراف، في ظل توتر العلاقة مع الرياض.

وبغض النظر عن المكاسب التي حققها الانتقالي من هذه الزيارة، أو تلك التي لم يحققها، إلا أن الزيارة بحد ذاتها تعتبر تحركًا ورد فعل من الانتقالي تجاه كل المحاولات الساعية لترحيل حل القضية الجنوبية، وهو أقصى ما قد يحصل عليه المجلس الانتقالي من مكاسب.

وحتى وإن لم تأتِ الزيارة بأي جديد على صعيد مساندة مطالب الانتقالي باستعادة الدولة الجنوبية على حدود ما قبل عام 1990، إلا أن الترويج الإعلامي وما رافق الزيارة من تحليلات وتركيز في التناولات يعيد إنتاج التذكير بتواجد الانتقالي على الساحة كأحد الأرقام المتواجدة واللاعبين المؤثرين.

وبالنسبة لطبيعة المكاسب المتحققة من هذه الزيارة، أو مدى إيجابيتها، فإنها لن تكون بمستوى المكاسب التي أعقبت الزيارة السابقة الانتقالي إلى موسكو قبل أعوام، والتي لم تأتِ بجديد، لسبب بسيط، وهو أن روسيا معروفة بمواقفها من الحرب في اليمن والأزمة اليمنية برمتها.

> روسيا.. فيها ما يكفيها

قد تكون روسيا هي الخيار الوحيد أمام المجلس الانتقالي لاستعراض تحركاته وعضلاته والحصول على بعض الزخم الإعلامي، غير أن موسكو لا يبدو أنها في حالة تساعدها على المناورة هي الأخرى غي الملف اليمني.

ففي بداية الأمر يجب الإشارة إلى الموقف الرسمي الروسي تجاه الأزمة اليمنية، وهو موقف لم يستطع الحوثيون أنفسهم زحزحته، أو محاولة تخلي روسيا عن الاعتراف بالحكومة الشرعية كممثل لليمن في وجه الإنقلاب الحوثي.

وفي المقابل، لا يبدو الانتقالي في موقف أفضل لتغيير القناعة الروسية بضرورة استقرار اليمن ووحدة أراضيه وسلامتها، وهو موقف تبنته موسكو في مجلس الأمن أمثر من مرة، ولم تعارض بقية الدول الكبرى أو تناقض هكذا موقف.

ولا يمكن تجاوز أيضًا العلاقة الروسية السعودية في هذا الشأن، وهي الآن أقوى بكثير من علاقة الرياض بواشنطن نفسها، وبالتالي لا يمكن توقع أن تقوم موسكو بما يضر علاقاتها مع الرياض في سبيل خاطر عيون الانتقالي، خاصة في خضم التوتر الطارئ حاليًا بين الانتقالي والسعودية.

ولا ننسى المستنقع الذي غرقت فيه روسيا؛ نتيجة حربها في أوكرانيا، وعلاقاتها المتوترة مع أغلب دول العالم، وأوروبا برمتها تقريبًا مقاطعة للروس بسبب الأزمة الأوكرانية، وهو أدعى إلى استغناء موسكو لمزيد من استجلاب المشاكل والأزمات، حتى لو كانت في اليمن.

ولسان حال روسيا ”أن ما تعانيه يكفيها”, وهيوفيوغمى عن الولوج في أزكة جديدة، خاصة بعد تدخلها في سوريا، والآن في أوكرانيا، وهو ما يدركه الانتقالي جيدًا; الأمر الذي يؤكد أن تحركه هذا وزيارته لا تعدو عم كونها ”مناورة سياسية” ليست إلا.