آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-06:10ص

ملفات وتحقيقات


تقرير: كيف ستواجه إدارة الرئيس العليمي تركة الفساد.. وما الإجراءات الواجب اتخاذها ضد (غول الفساد)؟

الأربعاء - 07 ديسمبر 2022 - 12:03 ص بتوقيت عدن

تقرير: كيف ستواجه إدارة الرئيس العليمي تركة الفساد.. وما الإجراءات الواجب اتخاذها ضد (غول الفساد)؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في آليات وسبل مواجهة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة..

هل سينجح المجلس الرئاسي في مواجهة (لوبي الفساد) والقوى السياسية ذات النفوذ؟

لماذا استشرى الفساد الحكومي خلال السنوات الماضية.. وما أسبابه؟

لماذا غاب نشاط الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة؟

هل سنرى إحالة الفاسدين للقضاء.. أم أن الأمر سيقتصر على الإعلام؟

تغول الفساد.

(عدن الغد) القسم السياسي:

قرابة تسع سنوات من الحرب في اليمن، انعكست تداعياتها وآفاتها على كافة نواحي الحياة، وسقط كل شيء في غياهب اللا عودة، بما فيها حتى الأخلاق والقيم والمبادئ، التي تلاشت تماما في كل القطاعات المختلفة.

ومن تلك القطاعات، بل أهمها، كانت مؤسسات الدولة ووزاراتها ومرافقها العامة التي استشرى فيها الفساد، وانعدمت فيها قيم الالتزام بالقانون أو النظام أو مراعاة حقوق المستحقين للخدمات من المواطنين البسطاء.

وللأسف، فإن هذا الفساد والسقوط الأخلاقي لم يقتصر على مرفق ما، أو وزارة بعينها دون غيرها، ولكن الأمر انسحب على كافة قطاعات الدولة، حتى باتت المرافق العامة مرادفا لمفهوم المحسوبية والفساد، بمجرد التفكير في إنجاز أية معاملة أو الحصول على خدمات وحقوق عامة.

وعند الحديث عن الحرب، وتحميلها مسئولية هذا الفساد الحاصل في البلاد، لا يقصد بحديث كهذا أن مرحلة ما قبل الحرب لم تشهد فسادا أو تراجعا للقيم والمبادئ، ولكن المقصود أن الحرب فاقمت هذا الفساد وأوجدت حالة تفوق حالة الفساد ما قبل عام 2015.

بل إن البعض يذهب للحديث عن أن وضع الفساد تزايد أضعافا مضاعفة عقب عام 2011، بداية الأزمات السياسية الأولى التي شهدتها اليمن، ونتج عنها حرب عام 2015 المستمرة حتى اليوم.

ولعل غياب الدولة بمؤسساتها وأجهزتها الضبطية والرقابية والتي أفرزتها حالة الحرب، جعلت البلاد "بلا رقيب ولا حسيب"، وهو ما شجع المتنفذين والمسئولين على القيام بعمليات نهب وفساد، مستغلين هذا الوضع العام للدولة.

الأمر الذي نتج عنه تركة ضخمة من الفساد، لم يكن ليصل إلى الجمهور أو الإعلام لولا خلافات عصفت بالمستفيدين من ممارسي الفساد، في لحظة ما ربما ناتجة عن عدم اتفاقهم على "تقسيم الكعكة".

وهي بالفعل تركة ضخمة وثقيلة، يصعب التعامل معها أو مواجهتها من قبل أي مؤسسة سياسية أو نظام سياسي قد يأتي في ظل هذا الوضع المزري والمنفلت.

> موقف العليمي والرئاسة

كثيرون يحملون الحكومة الشرعية، بما فيها المجلس الرئاسي الذي تشكل قبل نحو ثمانية أشهر، وحكومة المناصفة التي تحتوي وزراء من الشمال والجنوب، ولا يستثنون أحدا.

وذلك باعتبار أن الجميع كان جزءا من المسئولية، سواء كانوا بحقائب وزارية ومهام ومناصب عليا، أو كانوا مجرد قادة في الأحزاب والمكونات السياسية والتشكيلات العسكرية، أو حتى مشايخ القبائل والشخصيات الاعتبارية.

وهذا يعود إلى أن الجميع استخدم نفوذه الحزبي أو القبلي أو العسكري لتمرير صفقات ما، استنادا على مبدأ "شيلني واشيلك" أو "اخدمني وأخدمك"، لتحقيق مكاسب متبادلة، يتفقون عليها ما دامت طي الكتمان، ويتبرؤون منها بمجرد الكشف عنها.

وحتى أولئك الذين يتوقعون من رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، أن يقوم بعملية "تنظيف وكنس"، أو أنه يمتلك عصا أو "مكنسة" سحرية لدحر الفساد والقضاء عليه، ربما لا يدركون أن التركة أكبر من كل الأسماء أو الشخصيات مهما كان موقعها أو أهميتها.

وما موقف الرئيس العليمي الأخير، وتوجيهاته بشأن مراجعة كافة ملفات الفساد الحالية والسابقة، بما فيها إلغاء حصص أبناء المسئولين في المنح الدراسية الخارجية بمن فيهم أقارب العليمي، إلا تأكيد أن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة عميق للغاية، ومبني على علاقات ومكاسب متبادلة.

كما أن البعض يعتقد أن توجيهات العليمي لم تكن سوى امتصاص العاصفة التي حولت فساد المنح إلى قضية رأي عام، دفعت كثيرين إلى الحديث عن وجود ملفات فساد ما زالت مخفية، ولم يتم الكشف عنها بعد، في مختلف قطاعات الدولة.

ويشير هؤلاء إلى أنه كان الأولى بالعليمي التوجيه بالتحقيق الفعلي في قضايا الفساد بشكل شمولي وكامل، وليس حول قضية واحدة فقط، بالإضافة إلى إقالة المسئولين الحاليين والسابقين المتورطين في عملية الفساد، وليس الاكتفاء فقط بالتوجيهات بإلغاء ما هو كائن.

لكن في المقابل، يعتقد آخرون أن الحراك الشعبي والجماهيري الراهن تجاه الفساد الحكومي قد يؤدي على الأقل إلى الضغط على كبار مسئولي الدولة والرئاسة وحثهم على مواجهة "لوبي الفساد" المنتشر في كل أروقة ودهاليز الدولة.

> توجيهات ضد النفوذ

غول الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، تحميه "لوبيات" منظمة وتقف خلفه كيانات ومكونات وقوى سياسية، ومن المؤكد أن هناك أحزابا أيضا تقود هذا الأمر، انطلاقا من رؤيتها أنها مستحقة لما تقوم به من استئثار بالمكاسب والمصالح.

وهذا ما يجعل حتى التوجيهات الرئاسية الأخيرة الصادرة عن الرئيس العليمي غير ذات جدوى، ما دام هناك من يخرج إلى العلن ليؤكد أنه مستحق لكل الفساد والتجاوزات التي يقوم بها، فقط لأنه "منحاز للدولة" كما يقول، وبكل جرأة.

الأمر الذي يضع العليمي ورئاسته أمام عمل كبير لمقاومة النفوذ الذي تدعمه المكونات السياسية والاحزاب، والتي يستقوي بها بعض المسئولين، ويعتمد عليها في ممارسة الفساد، والسطو على حقوق الشعب والمستحقين.

وعليه، فإن من الواجب على العليمي ومكون الرئاسي برمته أن يتخذ عددا من الإجراءات الفعلية والفورية الشعار المواطنين والمجتمع بشكل عام بأنهم جادون في محاربة الفساد والمفسدين، والأمر يبدأ من التوجيه بالتحقيق الشفاف والشامل في كل عمليات الفساد الجارية في البلاد وليس مجرد توجيهات بإلغاء آثار الفساد، والتي لن تنجح في مواجهة لوبي الفاسدين من القوى السياسية.

حتى لو تطلب الأمر تدخلا دوليا، وعمل تحقيق دولي ينتشل اليمن من براثن المفسدين، الذين انتشر فسادهم في البر والبحر، وأحالوا البلاد إلى مكان غير صالح للعيش بفعل أعمالهم غير المسئولة.

> تعطيل مؤسسات الدولة

قد تكون الأسباب التي أدت إلى انتشار الفساد في قوام الحكومة ومرافقها العامة ووزاراتها تعود إلى غياب أجهزة الدولة، لكن الأمر الأهم والذي يحكم وضع اليمن في فترة الحرب وما بعدها هو سيطرة المليشيات والمكونات السياسية والحزبية على مقاليد مؤسسات البلاد.

وقد يكون ضعف الأجهزة الرقابية كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد الحكومية والتي توقف دورها نهائيا فاقم عملية تغول الفساد في مؤسسات الدولة اليمنية، لكن يبقى دور القوى السياسية المتداخلة في الحكومة أساسيا في استمرار الفساد.

وبناء على ذلك فإن الأولى بالعليمي ومؤسسة الرئاسة التي تشكلت من تلك القوى الحزبية والسياسية، أن تحاسب تلك الأحزاب والمكونات التي تتورط قياداتها ومسئولوها في عمليات فساد أيضا، وعلى رأسهم المنتمون للشرعية اليمنية.

وهذه السيطرة للقوى والأحزاب، هي من تسببت بغياب وتهميش أجهزة الدولة الرقابية، وعطل عملية المحاسبة والرقابة على المال العام وحقوق المواطنين، كما أن هذا التغول والسيطرة الحزبية عطلت أيضا المؤسسات القضائية في الدولة.

وما يؤكد هذا الأمر، أنه لم نسمع إلى اليوم بإحالة أية قضية فساد إلى القضاء، أو تحويل مسئولين عموميين إلى النيابة أو إلى التحقيق، ما يؤدي إلى استمرار الفساد، لأنه ببساطة "من أمن العقاب أساء الأدب"، وهي المقولة التي تسيطر على واقع الحال في اليمن.

> انتظار ما هو أكبر

قد تكون التركة التي انتقلت مسئوليتها إلى المجلس الرئاسي ثقيلة وضخمة للغاية، لكن المنتظر من المجلس في معالجة الأوضاع المتردية والمتدهورة لم يكن في مستوى هذه التركة.

فمجرد التوجيهات الأخيرة، لم ترتق إلى حجم الفساد الذي رزح تحته الشعب اليمني لسنوات طويلة، وطال كل مناحي الحياة.

وعليه، يجب أن يقوم المجلس الرئاسي بما هو أكبر وأهم من مجرد توجيهات لا يعلم أحد بمدى تنفيذها، خاصة في ظل خروج البعض للإشارة بأنه مستحق لما حصل عليه من مكاسب، حتى ولو لم يكن مستحقا لها بالفعل.

وباتت هذه المقولات والتبريرات تساهم في تفاقم معاناة اليمنيين مع الفساد، بل وحتى استمراره وانتشاره أكثر وأكثر، إذا لم تقم الرئاسة اليمنية بأعمال حقيقية وفاعلية أكبر من مجرد التوجيهات.

فإلى متى ستستمر اليمن واليمنيون يرزحون تحت ويلات الفساد والفاسدين، وتحول البلاد بسببهم هؤلاء إلى مجرد نظام طبقي مقيت، يفرق بين الفئات بحسب مكانة المسئولين والقيادات والشخصيات السياسية وقربها من المناصب العليا؟!.

والأهم من كل ذلك أن تتواجد جهات تقوم بالرقابة والمحاسبة في المؤسسات العامة، لأن هذه المؤسسات هي ملك للشعب وليست ملكا للمسئولين أو المتنفذين أو القيادات في المكونات والأحزاب السياسية.