آخر تحديث :الأربعاء-17 أبريل 2024-12:01ص

ملفات وتحقيقات


كيف ساهمت الحرب المستمرة في توسيع دائرة العنف ضد المرأة؟

السبت - 03 ديسمبر 2022 - 12:33 م بتوقيت عدن

كيف ساهمت الحرب المستمرة في توسيع دائرة العنف ضد المرأة؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير/ ناصر الزيدي:

لم تكتفِ الحرب التي تشهدها اليمن منذُ نحو ثمان سنوات بتدمير البنية التحتية والاقتصاد الوطني للبلاد فحسب، بل أدت أيضا إلى توسيع دائرة العنف الأسري، خاصة ضد المرأة، وبشكل غير مسبوق.

حيث ازدادت حدة العنف الأسري بحق النساء والفتيات اليمنيات في الأوضاع الحالية بسبب ما تشهده البلاد منذ سنوات من حروب وصراعات وأزمات سياسية وإنسانية، وبات العنف ضد المرأة أحد أبرز التداعيات الخفية التي أنتجتها الحرب والأزمة التي تمر بها البلاد.

الحرب تفاقم العنف ضد المرأة

ومع دخول الحرب في اليمن عامها الثامن تضاعفت معاناة المواطنين نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانقطاع الرواتب الحكومية، وانعدام فرص العمل، وذلك بدوره انعكس سلبًا على الاستقرار الأسري، وساهمَ في توسيع ظاهرة العنف الأسري بشكل غير مسبوق. 

حيث انتشرت خلال السنوات الماضية ظاهرة العنف الأسري ضد المرأة بشكل لافت، وفي كل يوم هناك قصص وحكايات مؤلمة ومآسٍ حزينة لنساء ضحايا لهذا العنف الأسري.

وشهدت اليمن منذ بداية الحرب (2015) العديد من الجرائم والانتهاكات بحق المرأة التي لا زالت تواجه بقصور كبير من قبل الجهات والمؤسسات المعنية، حيث أصبحت المرأة في الوضع الحالي تعاني كثيرا من التمييز والعنف المفروض ضدها في مختلف المجالات، وبشتى الصور.

ويؤكد باحثون اجتماعيون أن الحرب زادت العنف ضد النساء بشكل لافت، لا سيما بين النازحات اللواتي يعشن في مخيمات النزوح، مشيرين إلى تعرضن للعنف الجسدي والنفسي والتحرش والمضايقات المستمرة.

وقالوا إن نسبة جرائم العنف ضد النساء والفتيات منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثمان سنوات "ارتفعت لتصل إلى نحو 70 في المائة"، لافتين إلى أن بعض منظمات المجتمع المدني "أعدت مسودة مشروع قانون بشأن مناهضة العنف ضد النساء والفتيات، وتمت مراجعتها مع المتخصصين في هذا المجال، لكن للأسف توقف العمل نتيجة الحرب التي تشهدها البلاد".

انتهاكات متعددة 

من أبرز صور الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة اليمنية بشكل دائم العنف الأسـري ومصادرة حقها في الإرث في بعض الأماكن (حرمانها من الميراث)، والختان وتزويج الفتيات في سن مبكر (زواج القاصرات)، وحرمانها من التعليم في القرى وأيضا في بعض المدن، وهذا كلّه يرجع إلى أسباب عدة أهمها التمييز بين الجنسين بسبب العادات والتقاليد المنتشرة في غالبية المناطق اليمنية.

ويؤكد باحثون في قضايا النوع الاجتماعي والتعايش المجتمعي في اليمن، استناداً إلى الوقائع اليومية، أن حجم العنف بحق المرأة اليمنية كبير والتي لا تستطيع الإبلاغ عن ذلك بسبب العادات والتقاليد، "الأمر الذي يزيد من العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي".

عدم مواصلة التعليم

ولا تزال الكثير من الفتيات يعانين بشكل كبير من عدم مواصلة التعليم في بعض المناطق الريفية نظرًا لشدة الفقر وعدم الوعي بأهمية تعليم الفتاة، وما هي الفوائد التي قد تثمر وتجنيها في تحسين وتقدم المجتمع في العديد من الجوانب المهمة.

وفي الآونة الأخيرة توسعت ظاهرة عدم مواصلة الفتيات للعملية التعليمية في أكثر من محافظة بسبب تزويجها من قبل أسرتها في سن مُبكر أو نتيجة عدم الوعي لدى أسرتها عما ستحققه في المستقبل ، والنظر إليها وكانها ارتكبت جريمةً كبرى ، وهذه حقيقة حدثت مع الكثير من الفتيات في اليمن وخاصةً في المناطق الريفية.

عنف وانتهاك متواصل

سلط تقرير صادر عن مؤسسة "أكون" للحقوق والحريات في مدينة عدن الضوء على ماتُعاني منه المرأة اليمنية من عنف وانتهاك متواصل بحقها ، بينما قال التقرير أن نسبة النساء اللواتي تعرضن للعنف والضرب الأسري في مدينة عدن، وهو من الزوج في المرتبة الأولى ومن الأخ في المرتبة الثانية، يقارب 90% حسب التقرير.

وأشار التقرير إلى أن نسبة النساء اللواتي تعرضن للحرمان من الإرث بلغن 40%، بينما بلغت نسبة النساء اللواتي لديهن قضايا إثبات نسب لأولادهن من طلقتين بنكران أبنائهم 30%، وبلغت نسبة الفتيات اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي في المدارس ما يقارب 80%، وقد يكون هذا الانتهاك لفظيا أو حسيا أو من خلال التعامل مع الفتيات وظلمهن في مواد التدريس، بحسب ما جاء في التقرير.

وذكرت إحصائية في تقرير لمنظمة اليونيسيف عام 2017، أنّ أكثر من ثلثي الفتيات في اليمن متزوجات قبل سن 18 عاما، مقابل 50 في المئة قبل اندلاع الصراع في 2015.

وأوضحت الإحصائية أن مع تداعيات أزمة الحرب التي تسببت بانتشار الفقر بشكل مأساوي بين غالبية السكان تفاقمت نسبة زواج القاصرات إلى الضعف، خصوصًا في مناطق شمال اليمن. 

حملة ضد العنف

في يونيو 2022 أطلق المكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان بالدول العربية حملة تحت عنوان (ليس أمراً طبيعياً) تسعى للتصدي لخطر اعتبار العنف القائم على النوع الاجتماعي أمراً طبيعياً، ويشمل ذلك العنف الجنسي والممارسات الضارة، وخاصة أثناء الحالات الإنسانية.

وتأتي حملة (ليس أمراً طبيعياً) في سياق اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، وتعد رداً على ما ورد إلى الصندوق من شهادات لنساء وفتيات تعرضن بشكل متزايد للعنف، والذي كما ذكرن بات ينتشر دون رادع باعتباره "أمراً طبيعياً" في بعض المجتمعات. 

تهميش ومسؤولية

عقب الانقلاب على الدولة في (سبتمبر/أيلول 2014)، تغير واقع المرأة اليمنية بشكل كبير وجذري ، والذي فتح صفحة من المعاناة الشديدة في تاريخ اليمنيين، وخاصة المرأة التي تشكل قرابة 51% من تعدد السكان في البلاد.

وتسببت الحرب الدائرة في اليمن إلى تحويل الكثير من النساء إلى أرامل، وفقدن العائل الوحيد لأسرهن (الأب)، فتحملن مسؤولية تلك الأسر وكان الحمل ثقيلا عليهن نظرًا لتعقيدات الأوضاع المعيشية الصعبة بعد ارتفاع مستوى الفقر والبطالة إلى أكثر من 85%.

جريمة كبرى

يعتبر مصير حرق العنود حسين شريان البالغة من العمر 19 عامًا في مارس 2021 من قبل زوجها في العاصمة صنعاء واحدًا من الأدلة الصادمة على سوء معاملة النساء باليمن في مجتمع يعاني من الحرب والفقر ، وقد أُجبرت العنود على الزواج وهي طفلة بعمر 12 سنة وبعد أربع سنوات تطلقت وهاجمها طليقها بسكب الأسيد عليها مما ادى إلى تشويه ملامح وجهها بشكل كامل.

وقالت العنود في إحدى تصريحاتها عقب الحادثة "أمسكني زوجي من شعري وصب الأسيد علي وهو يضحك"، فيما تسبب بحروق كثيرة في جسدهي..واصفةً سنوات زواجها بالجحيم، وقالت إنها قضتها مقيدة بالسلاسل وتعرضت للضرب في كثير من الأحيان.

ذكورية المجتمع 

وتؤكد (تهاني - 28 عامًا) في حديث لـ "عدن الغد" أنها تعاني كغيرها من النساء اليمنيات بسبب "ذكورية المجتمع اليمني"، مضيفة أنه "لا يحق للمرأة اليمنية أن تعمل أو تبدي رأيها خارج ما يحدّده الأهل". 

وتضيف تهاني أن "المجتمع اليمني يفرض قيوداً كبيرة على المرأة، بحجة أن تلك الإجراءات تحميها، لكن في الحقيقة أنه يريدها أن تبقى تحت رحمة الرجل". 

وأوضحت أن "الحرب المتواصلة منذ أكثر من ثمان سنوات في البلاد دفعت بعض النساء إلى العمل في مهن عدة، من أجل توفير متطلبات الحياة الأساسية، ما جعلهن أكثر عرضة للانتهاكات والعنف".

ودعت تهاني في ختام حديثها لـ "عدن الغد" السلطات المعنية في البلاد إلى "توعية المجتمع بحقوق المرأة، بما يتوافق مع الدين الإسلامي".

النظرة الخاطئة 

تقول أميرة (30 عامًا) إن العنف ضد المرأة نابع في اليمن "ناتج من النظرة الخاطئة تجاه المرأة وتصويرها بأنها كائن ضعيف، لذا نجد الرجل يمارس العنف ضدها إدراكا منه أنها لن تُقاومه ولن تواجهه".

وتضيف أمية لـ "عدن الغد": "لكن إذا تعلمت المرأة وعرفت حقوقها وواجباتها فقد تستطيع الدفاع عن نفسها وتحد من ظاهرة العنف ضدها".. مؤكدة أن "التعليم والتأهيل والتمكين يمنح المرأة قوة ويعطيها صلابة ويجعلها مشاركة فاعلة في المجتمع".

أسباب ساعدت على العنف ضد المرأة

من جانبها تقول هناء (33 عامًا) تحدثت لـ "عدن الغد" بالقول: "يجب أولًا معرفة أسباب ظاهرة العنف ضد المرأة، والتي ساعدت على انتشاره في الآونة الأخيرة".

وأكدت هناء أن أهم تلك الأسباب هي "الفقر والتفكك الأسري وضعف دور المدرسة".. مشيرة إلى أن "ما تمر به بلادنا من حرب وانهيار اقتصادي أثر بشكل كبير على الأسرة، وبسبب ذلك انتشرت ظاهرة العنف ضد المرأة التي أثرت بشكل كبير عليها المرأة وعلى كل مناحي الحياة، باعتبار المرأة ركيزة أساسية للمجتمع، وعندما تضعف الركيزة وتهان وتعنّف يضعف دورها في المجتمع، ويظهر هذا جليا في الأبناء والأسرة والمجتمع الخالي من القيم".

ودعت هناء في ختام حديثها لـ "عدن الغد" إلى "ضرورة تكثيف جهود التوعية وبرامج التثقيف من أجل الإسهام في خفض نسب العنف ضد المرأة".

ختامًا..

هناك الكثير والكثير من الجرائم البشعة بحق المرأة اليمنية في مختلف مناطق اليمن لم تُسلط المنظمات المجتمعية والحقوقية الضوء عليها بعد حتى تم إدراجها في سلة المهملات ضمن العديد من الجرائم الأخرى.

هذا التقرير ضمن أنشطة حملة 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرٲة، الذي تنفذه اللجنة الوطنية للمرأة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة #(العنف ضد المرأة عنف ضد المجتمع).