آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-01:19ص

ملفات وتحقيقات


الرئيس علي ناصر يروي حكاية شيك الشيخ زايد الذي على بياض(الحلقة الثانية )

الأربعاء - 05 أكتوبر 2022 - 08:01 م بتوقيت عدن

الرئيس علي ناصر  يروي حكاية شيك الشيخ زايد الذي على بياض(الحلقة الثانية )

عدن(( عدن الغد)) خاص.

إعداد / د. الخضر عبدالله :

النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي.
ذكرنا في الحلقة الماضية باللقاء الذي جمعنا بالرئيس علي ناصر محمد حيث تطرق سيادته كيف كان   ظهور الشيخ زايد بن سلطان - رحمه الله - على مسرح الاحداث , وتطرق  حول تعن أول لقاء جمعهما في مدينة لاهور الباكستانية .. ويواصل الرئيس ناصر ما تبقى لقائه مع زائد .. حيث قال مسترسلا في حديثه :"    كنت تابعت المواقف التي أعلن عنها الشيخ زايد في التصريحات التي ادلى بها عند مغادرته ابوظبي وفور وصوله الى لاهور، خاصة تأكيده أهمية التعاون بين الدول الإسلامية،  لتحقيق الخير لشعوبها، وقدرتها على مواجهة محاولات الدول الكبرى لعرقلة التعاون الإسلامي للسيطرة على مقدراتها . وكذا تأكيده على ضرورة قيام الدول النفطية بدورها في توظيف رؤوس أموالها لتحيق هذا التعاون، مع تأكيده على التضامن الإسلامي من أجل تحرير القدس وفلسطين، وهو الذي قال في حرب أكتوبر 1973 بين اسرائيل والعرب : أن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي..
ويكمل  الرئيس ناصر حديثه ويقول :" الحقيقة ان مواقف الشيخ زايد التي أعلن عنها في أبوظبي أو لاهور لم تكن تبتعد عن مواقف اليمن الديمقراطية في تلك القضايا خاصة حيال فلسطين والتضامن بين الدول الإسلامية، واشارته الى محاولات الدول الكبرى السيطرة على مقدرات الأمة .
وهذه حقيقة، فهذه المنطقة لها أهمية استراتيجية سياسية واقتصادية في توجهات السياسة الخارجية للدول الكبرى . وهي احد اسباب الصراع فيها وفي الشرق الأوسط بصفة عامة . ولهذا وجدت لغة مشتركة للتفاهم مع سموه، مما فتح الطريق للعلاقات المستقبلية بين البلدين "
نحن دولة غنية، ومن واجبنا أن نساعدكم

وسيترجع الرئيس ناصر ذاكرته حول ما دار بينه وبين الشيخ زايد بن نهيان فقال متطرقا :"  في إحدى تلك اللقاءات بيني وبينه في قمة لاهور قال لي : نحن دولة غنية، ومن واجبنا أن نساعدكم.. حددوا المبلغ الذي تريدون ونحن جاهزون .
  فوجئت بعدها بالشيخ أحمد خليفة السويدي يزورني في مقر إقامتي ويقول لي :
 - أنا مكلف من صاحب السمو الشيخ زايد بالجلوس معكم، ولدي أمر واضح منه بأن أحول لكم شيكا بالمبلغ الذي تريدون .
  وأضاف السويدي  : أرجو أن تحددوا المبلغ ..
ومضى يقول  الرئيس ناصر  :" كان لدي الشيخ زايد رغبة شديدة في أن يقيم علاقات جيدة مع اليمن الديمقراطية ضمن توجهه العام وتوجه دولة الامارات الا تكون لها خصومات مع أحد . خاصة أنها كانت حديثة الاستقلال مثلنا،  وبصدد بناء دولة، يريد الشيخ زايد واخوته بقية حكام الإمارات أن يبنوها في محيط آمن خال من النزاعات . وكان رحمه الله يريد كما أثبت الزمن تسخير الثروة الهائلة التي حبا الله بها بلاده  ليس لخدمتها وحدها، بل أيضا لخدمة أمته العربية والإسلامية . وكان  من ضمن رؤية الشيخ زايد توظيف ثروة بلاده الهائلة في خدمة رؤيته السياسية في تقديم المساعدة والدعم للآخرين وخاصة الدول العربية  كنوع من الواجب الذي كان يشعر به وداوم عليه كنهج لا يحيد عنه ".
شيك على بياض  والرئيس ناصر يرفض
انذهلت من حديث الرئيس ناصر وهو يصف رفضه للعرض الذي عرضه عليه  الشيخ زايد  بملبغ مالي شيك على بياض حيث مستدركا :"  لم يسمع منا الشيخ احمد خليفة السويدي الموافقة التي كان يرغب بسماعها على العرض الذي حمله لنا من الشيخ زايد رغم انه لم يكن مرفقا بأي نوع من الشروط  السياسية ولا غيرها . كان شيكا على بياض كما يقال بلغة المال .
   حتى وقت متأخر من الليل استمر الشيخ السويدي في محاولاته تلك، بإقناعنا دون جدوى . كان الرد الوحيد الذي سمعه منا هو الرفض بلباقة . قلت له:
   اننا نعتبر هذا اللقاء للتعارف مع صاحب السمو الشيخ زايد ومعكم ولا نريد أكثر من ذلك .
  وكان رده :
  لقد تعارفنا وتفاهمنا، وعليكم أن تحددوا المبلغ. وأضاف :
 - بلدكم يحتاج الى التنمية، وهذا الموقف لا يتعارض مع سياستكم وعلاقتكم مع أصدقائكم في البلدان الاشتراكية .. نحن لا نطلب منكم اتخاذ أي موقف ضدهم !
 وعندما سدت كل الطرق في وجهه، قال  السويدي : ما دمتم لا تريدون أن تقرروا، فأنا أقترح مبلغ عشرين مليون دولار، رغم ان عندي تفويضا من الشيخ زايد أن أحول لكم مبلغا أكثر من ذلك بكثير . . وأضاف : الحقيقة انني اقترحت هذا المبلغ المتواضع حتى لا يسبب لكم المتاعب هناك في عدن عندما تعودون الى بلادكم .
ويواصل الرئيس ناصر حديثه :"  واضح من كلام الشيخ أحمد السويدي الذي كان مستشارا للشيخ زايد أنهم كانوا يتابعون الوضع عندنا في عدن  عن كثب ويقرأونه بشكل صحيح، بما في ذلك تأثير قبول  مساعدة مادية من دولة خليجية وشيخ من شيوخ الخليج .
إذ أردف يقول : لهذا فاني أقترح أن نحول المبلغ عن طريق بنك في العراق وليس مباشرة من الإمارات."

ويتابع الرئيس علي ناصر محمد حديثه ويقول :" كان في قبول عرض الشيخ زايد الذي حمله لنا الشيخ احمد السويدي تصرفا غير مقبولا أو مفهوما عند البعض من القيادات المتطرفة في الجنوب التي تطالب بتحرير الخليج وتدمير الامبريالية والرجعية وبناء الاشتراكية في العالم. وكنت أعرف أكثر من غيري طبيعة تفكير بعض أعضاء القيادة السياسية عندنا، ومواقف البعض المتشنجة تجاه دول الخليج بصفة عامة دون تمييز . وأكثر من ذلك ما يستطيع أن يفعله المزايدون في ظروف كهذه، والذين لا يقيمون وزنا لطبيعة العلاقات التاريخية والجغرافية والأخوية بدول الجوار التي ينبغي أن تكون لها الأولوية . وفي كثير من الأحيان كانت تجد صداها لدى صانعي القرار بكل أسف . والكثير منهم لم يكن يميز بين ما تتطلبه الثورة وبين مقتضيات ما تستوجبه الدولة ومصلحة الشعب الذي هو بحاجة هذه المساعدات .
ما توقعه الشيخ السويدي، وكنت أتوقعه عند عودتي حدث فعلا !
  بعد أن حول مبلغ العشرين مليون دولار الى مصرف اليمن في عدن عبر " البنك المركزي العراقي " علت بعض  أصوات صارخة : لماذا تقبل أموالا من دولة الإمارات ؟! .. ولماذا قابلت الشيخ زايد وأجريت معه محادثات ؟!  وقالوا  ان ذلك كان يتطلب قرارا من "  المكتب السياسي " للجبهة القومية وهو أعلى هيئة سياسية في البلد .
  طبعا لم يرق لي هذا الطرح في الوقت الذي كان يحتاج فيه شعبنا الى لقمة العيش والمساعدة من الأشقاء والأصدقاء لتحسين مستوى حياته، بدلا من التنظير والكلام الذي لا يشبع أحدا. وبعد ذلك أصبح البعض من الذين يزايدوا علي في تلك الفترة يقيمون في هذه الدول ويحملون جوازاتها.
 وفعلا فقد استثمرنا تلك المساعدة في تمويل بعض مشاريع الخطة الثلاثية للتنمية .
   كان سيكون محبطا لمواطنينا أن يعانوا من مشاكل اقتصادية، وبلادهم  من حصار جائر ثم نرفض مساعدة غير مشروطة من اخ شقيق في وقت هم  في أمس الحاجة اليها !!
  هكذا جرى لقائي الأول بالشيخ زايد في باكستان عام 1974،  تصرفنا معا ببساطة، ووجدنا لغة للتفاهم بسرعة، وتنامت معرفتي به بعد ذلك، وملك كل منا مفتاح شخصية الآخر . وقد استطاع من اللقاء الأول أن يخلق انطباعا مؤثرا في، وبقي صديقا وفيا  وأخا عزيزا حتى وفاته ( رحمه الله ).." ( للحديث بقية ).