آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-01:43م

حوارات


الباحث مجيب الوصابي: مخرج فيلم (الجبرتيُّ) لم يقم إلا بواجبه وسجل ريادة تاريخية وسبقًا فنيًا

السبت - 01 أكتوبر 2022 - 09:00 ص بتوقيت عدن

الباحث مجيب الوصابي: مخرج فيلم (الجبرتيُّ) لم يقم إلا بواجبه وسجل ريادة تاريخية وسبقًا فنيًا

(عدن الغد)خاص:

تحدث المفكر والباحث مجيب الرحمن الوصابي أستاذ الأدب والحضارة في جامعة عدن والجامعة اللبنانية الدولية في لقاء صحفي عن الضجة الإعلامية التي صاحبت فيلم (الجبرتي) الممنوع من العرض للمخرج خالد لكرع ، بينما خرج اللقاء الصحفي بالتقرير التالي:-

س: كان رأيك في فيلم (الجبرتي) ونقدك غير واضح .. وركزت على مفردة (الجبرتي ) تاريخيا وجغرافيا وقانونيا ما هو رأيك بالضبط؟

ج: لا جديد بلا قديم، وغيرنا يتمنى أن تكون له مثل هذه الحكايات!... ماذا لو أن غير (خالد لكرع) انتبه لخرافة "الجبرتي" عربيا أو أجنبيا كان؛ وأستثمرها!  وهي كمادة أولية (خام) تصلح للاستثمار بشكل مبهر، حقيقة لم يقم خالد لكرع إلا بواجبه؛ وسجل ريادة تاريخية وسبقا فنيا. 

سيجد السياح يوما متعة وهم يستمعون لأحفادنا يقصون لهم خرافة الجبرتي اقصد من سُموا بهذا الاسم عند كهوف البوميس وجنية العقبة  ... سيغادرون المكان لكنهم لن ينسوه ابدا ... في الخرافات والأساطير سحر حتى بعد انتهاء وظائفها التي صنعتها.

س: لكنها حديث خرافة!! ولم يعد لها وجود؟ فما فائدة احيائها؟   

ج:ربما زالت الظروف الاجتماعية التي نشأت في ظلها هذه الخرافة، وفقدت الكثير من أهميتها مع الزمن، فتبدلت وظائفها، وأصبح استخدامها شكليا، وهذا ما يعرف في علم الاجتماع ب(الرواسب الثقافية) ، الاحتفاظ بالتراث والحكايات الشعبية ليس ذي فائدة مباشرة حاليا عند بعضهم؛ إلا أنه تراث الأجداد، مثلا الخناجر أو ما يعرف بالجنابي لماذا ظلت تقليدا حاضرا في المجتمع اليمني خصوصا القبلي؟! رغم انتفاء وظيفتها الأولى التي كانت للقتال عند اليمني القديم كما يرى علماء الأنثروبولوجيا ، اليوم الجنبية هي زينة للرجل، كما أن حكاياتنا الشعبية ومنها حكاية ( الجبرتي ) هي زينة لنا!!! وغيرها من الحكايات  نتباهى بها وبأن لعدن حضارة وتاريخ  ولها بخورها الذي فاح على العالم فنا وابداعا وتراثا خالدا.  

حديث خرافة قد ننكره؛ و نجد في النفس شوقا لسماعها وانفعالا، وربما مشاهدتها ممثلةً أمامنا لزيادة المتعة والمعرفة؛ ولن أخوض للنظرية النفسية في وظيفة الفن.  فمتى نشاهد فيلمك يا خالد لكرع ولو على غفلة من (حارس البوابة)؟

س: تتحدث عن الحكايات الشعبية والتراث وعلاقتها بالاستثمار أو التنمية المستدامة.. كيف يكون هذا؟  

ج: كنت استغرب لماذا تهمل الحكايات الشعبية وتغيب عن التوظيف في المجال الفني الثقافي في الدراما والشعر والرواية والموسيقى، فلم يعد الحديث- اليوم- عن المأثورات الشعبية متعلقا بجانب وجداني ثقافي (تراث الأجداد )؛ بل صار الحديث اليوم عن التنمية الاقتصادية والاستثمار لها ويمكن للمأثورات الثقافية أن تكون أساسا لنهضة اجتماعية ثقافية تسهم في التنمية الاقتصادية للمجتمع. 

الحكايات والأغاني والموسيقى والحرف المأثورة والملابس التقليدية وغيرها من أشكال التراث يمكن من خلالها تحقيق تنمية اقتصادية للمجتمع ، ولا يغيب عن الذهن أن كثيرا من الأعمال الفنية المحترمة التي لاقت رواجا وانتشارا وبقاء على مستوى الإنساني العالمي لها أصولها في الأغاني والحكايات والملاحم والسير والموسيقى والرقصات التي أداها مغنون وحكّاؤون وراقصون مجهولون. ونحن شعب ضارب بالحضارة وتراثنا زاخر ومثمر وخصب ، لكن لهذا الاستثمار في التراث الشعبي محاذير وضوابط.

س: ما هي هذه المحاذير في استثمار التراث الشعبي وحكاياته؟

ج: قد يبدو الأمر بسيطا  حكاية مثيرة كخرافة ( الجبرتي وكهوف البوميس) و( وخرافة السماء التي أمطرت لبنا للعيدروس)..... وغيرها يتم توظيفها واستثمارها كونها مادة خام أولية تصلح للفن والأدب والدراما  لكن يلزم الأمر إجراءات عملية صارمة، وقدرا من الاحترافية العالية تخضع  للتخطيط السليم والمحافظة على مستوى معين من الجودة والإتقان والملاحظة والنقد حتى لا يحدث تشويه لهذه المأثورات أو ابتذال  لها في شكل منتجات تفتقد الأصالة وتنزع نحو الانتشار الرخيص مما ينعكس سلبا عليها وعلى الثقافة التي تعبر عنها. 

س : ماذا قصدت بمصطلح الرواسب الثقافية؟

ج: مصطلح يقصد به العادات والأفكار، وأنماط السلوك والآراء والمعتقدات والاتجاهات التي لا يزال يحافظ عليها أفراد المجتمع ويتمسكون بها بشكل تلقائي وبلا شعور بالرغم من اختلاف الظروف والظواهر التي نشأت في ظلها عما هو موجود حاليا على أساس أنه ميراث الأجداد وهي مشاهدة و معاشة  خصوصا في طقوس الزواج او الولادة او حتى المرض بعضها لها جذور عميقة ترتبط بالعبادات اليمنية القديمة حكى ابن المجاور في كتابه أن عرب (العقارب) في أيامه كانوا إذا وجدوا غزالا ميتا كفنوه وصلوا عليه وأقاموا مجلسا للعزاء!  تغيير الاسماء للمواليد او الاطفال او الزوجات عند بعض الأسر له جذوره الضاربة في القديم ما قبل الإسلام والديانات في اليمن.

س: هل هناك علاقة بين التراث الشعبي وحكاياته بما يجري من تطورات في الحياة المتسارعة أو بما بات يعرف باسم العولمة؟

ج: ثمة استلاب في ظل العولمة والتقنيات الحديثة للثقافة الوطنية، جيل ينشأ ولا يعرف من هم اساطين الثقافة والابداع في عدن خاصة واليمن بوجه عام ،لا يستمعون لأحمد قاسم او الزيدي او المرشدي ومحمد سعد أو يقرأون لطفي امان والجرادة ولقمان لا يعرفون تاريخ مدينتهم التليد !!  جزء من حقيقة هذه الحرب يتمثل بفقدان الانتماء واللامبالاة والجري خلف الثقافات الأخرى والتقليد .... يمكن القول بأن العولمة سلاح ذو حدين قد ترفد الثقافات الوطنية بما يثريها ويضيف إليها ويجددها في تواصلها مع ثقافات أخرى ولكنها من ناحية اخرى قد تكون خطرا عليها بفعل سيطرتها وهيمنتها التي تتجه إلى أن تكون غير محدودة ، من هنا تبدو اهمية هذا الجانب المأثور من الثقافة فيما ما يحمله من اصالة وعراقة يشكلان في واقع الأمر خط الدفاع القوي الذي يحفظ هذه الثقافة من الاندثار ويصونها من الذوبان في غيرها ويجدد شبابها ويعطيها طابعها المتميز المتطور الذي يضمن لها البقاء والاستمرار والتأثير.

س:كنت قد كتبت مقالا بعنوان ( تغريب الذاكرة اليمنية ... عدن انموذجا ) تحدث فيها عن تهريب المخطوطات والاثار من عدن ووعدت بإكماله ولم تف بوعدك؟

ج: ههههه ... حفظك الله ... ما زلت عند وعدي وحقيقة أن هذه المقالات هي جزء من مشاريع بحثية اقوم بها بما يعرف بالدراسات الثقافية ،خصوصا فترة ما بعد الاستعمار.. آه كم عبث بنا الاستعمار وما يزال! ... وبدأتها بالتساؤل التالي المشروع لماذا عدن المدينة العتيقة الضاربة في الأزل بدون مخطوطات ؟؟ وتوصلت إلى نتائج مهمة ستجد طرقها للنشر. 

كيف تحيا عدن بدون ذاكرة، يكفي انهم سرقوا كل مخطوطاتها في العيدروس وأبان وبعض مساجد الشيخ عثمان بل حتى شواهد القبور سرقت في عدن ونهبت وعندما أراد ابنها ( خالد لكرع ) استعادة الذاكرة حرموه وحرمونا.

س: كنت عضوا في مؤتمر الحوار الوطني أي أنك انخرطت في العمل السياسي فما تقديرك للوضع وهل انتهت الحرب فعلا؟

ج: الحرب نص خمدة هذه ما تعجبنا ... ولا ارتاح لها... الحرب التي تتجه نحو التحقيق التام لطبيعتها وتفوق أحد الأطراف  تبهرني ، وأكره الحرب غير الكاملة حيث التفاوض والمساومة ... سنظل نعاني يا صديقي فتحي ...لابد من تفكيك خطاب الحرب ودراستها لأجل السلام. 

الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى أي بواسطة العنف " قول مأثور ل"كلوزفيتز" والسياسة في اليمن بيد أقلية مسيطرة مستغِلة من مصاصي الدماء ، تسيطر على السواد الأعظم من الشعب هناك مصالح طبقية، فالحرب إذن في اليمن تعبر عن مصالح ومطامع المستغلين ومطامعهم، وتحدد لهم طريق استعباد غيرهم ولا تعبر عن مصالح المقهورين والمستضعفين والمستغلين الحرب غير عادلة وأهلكتنا.

س: هل ستعود للمدرجات والطلاب ...لجامعة عدن طلابك يحبونك ؟

ج: طلابي هم قبيلتي وهم من صنعوني.... أكثر من عشرين عاما قضيتها في التدريس بحب وشغف فكان جزائي هم الطلاب ووفاءهم لي ..أدين لهم كثيرا ... لا تحدثني عن الجامعة فقد فقدت وظيفتها ولا يتوقع منها مستقبلا ان تحدث التغيير المنشود في المجتمع ....الفساد والسياسة جعلاها كسيحة ولن يستقيم أمرها إلا إذا تحولت الى هيئة مستقلة تستقطب الكفاءات وتحرم فيها السياسة ... حقيقة افكر بالاستقالة منها.

كلمة أخيرة تود قولها ! رد بالك على روحك يا فتحي ... كما يقول التوانسة