آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-05:01ص

ملفات وتحقيقات


المعلم اليمني وحيداً.. الحوثيون يتسيدون جرائم الإخفاء والتعذيب الوحشي

الأربعاء - 29 يونيو 2022 - 05:43 م بتوقيت عدن

المعلم اليمني وحيداً.. الحوثيون يتسيدون جرائم الإخفاء والتعذيب الوحشي

تقرير/ إبراهيم الظهره:

مساحة واسعة من انتهاكات مليشيات الحوثي للقطاع التربوي، وما يتعرض له الكادر التربوي تكاد تكون قضية مهمشة إعلامياً لدواعٍ عديدة، وضحاياها التربويين مغيبون بدرجة كبيرة في وجه الأحداث المتلاحقة.

أكثر من 20 ألف مختطف دخلوا سجون مليشيا الحوثي خلال السنوات الماضية، يمثل التربويون الرقم الأهم ضمن تلك الأرقام وهو الأمر الذي يتكرر في جريمتي الإخفاء القسري والتعذيب.

من خلال الأرقام تتبدى سياسة استهداف ممنهجة للمنظومة التعليمية في البلاد، وعلى رأسها الكوادر البشرية، كما تتأكد وحشية الحوثيين في استهداف المعلمين واختطافهم وتعذيبهم حتى الموت.

إذلال وابتزاز

في تفسير ما ارتكبه الحوثيون من جرائم بحق المعلمين، خصوصاً الإخفاء القسري والتعذيب، يتضح أن مليشيا الحوثي عملت على أن يكون هؤلاء التربويين عبرة لغيرهم ممن وجدوا في التعليم طريقاً لكشف زيف المليشيا وجرائمها.

يؤكد الحقوقي عرفات حمران في تصريحٍ خاص، أن المعلم "حينما يخرج من سجون الحوثي ولديه إصابة مستدامة وتعرض لتعذيب كبير، فإن كثير من المدرسين يخافون ويحجمون عن القيام بأي مناهضة شعبية مجتمعية ضد مليشيات الحوثي".

ويضيف حمران: "العدو الأول للحوثيين هو المعلم والوعي المجتمعي ضد الخرافة والأفكار والملازم السلالية التي تدعو للاقتتال والفرقة، الحوثيون يعتبرون المعلمين عدوهم الأول؛ خاصة وأن الكثير منهم كان لهم دور كبير في مناهضة الحوثيين".

ويشدد على أن الفئة الأكثر تضرراً من انتهاكات الحوثيين هم التربويون "وأن أكثر من 21% ممن احتوتهم كشوفات التبادل في استكهولم نهاية 2018 هم من التربويين المعروفين".

يشير تحالف رصد انتهاكات حقوق الإنسان في تقريره لعام 2016 بأن الهدف الرئيس "يكمن في الإذلال والتعذيب والاهانة والابتزاز".

في سياق كشف حجم جريمة الإخفاء القسري إلى الاختطاف، يؤكد التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان بأن "غالبية الاعتقالات التعسفية أخذت صورة الإخفاء القسري".

ويشير التقرير الذي يوثق لعام ونصف بين نهاية 2014 ومطلع 2016، إلى أن نسبة اعتقال واحتجاز النشطاء الاجتماعيين بلغت (51%) كأعلى فئة رصدها، معظمهم (معلمون ومرشدون دينيون)، وتعليقاً على ذلك يقول الناشط الحقوقي حمران، وهو رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات- بأن الكثير من فئتي الناشطين السياسيين والناشطين المجتمعيين كأعلى فئات المعتقلين التي تصنفها بعض التقارير الحقوقية بالأساس أكثرهم من التربويين، وأن تصنيف الضحايا في التقارير الحقوقية ليس دقيقا.

يقول تربويون بأنه "لم يمر على القطاع التربوي بشاعات وجرائم كالتي أوقعتها مليشيات الحوثي به خلال السنوات السبع الماضية"، فيما يؤكد حمران بأن "أربع جرائم تقريباً تتواجد خلف كل جريمة تم رصدها وتوثيقها". 

إخفاء قسري وتعذيب

تلازمت جريمتا الإخفاء القسري والتعذيب بحق المعلمين والتربويين -كما هو الحال مع غيرهم، ولا توجد مؤشرات على اقتصار الحوثيين على واحدة منهما دون الأخرى، حيث يقول ناشطون حقوقيون بأن الفرق يكون في الوقت الذي أخفوا فيه، وحجم ما تعرضوا له من أذى وتعذيب.

وتشير الشهادات التي وثقتها تقارير عديدة لمنظمات حقوقية -وتم العودة إليها خلال إعداد هذا التقرير- إلى أن الاخفاء القسري اقترن بأنواع التعذيب المرعبة والتي أودت بحياة عدد منهم خلال السنوات الماضية.

وتشير الأرقام التي رصدتها نقابة المعلمين إخفاء (170) تربوياً قسرياً، و (621) حالة تعذيب من قبل جماعة الحوثي- توفي منهم (22) تربوياً، في وقتٍ اغتيل (12) تربوياً في مناطق سيطرتهم.

وفي حديثٍ للناشطين الحقوقيين عبدالرحمن برمان وعرفات حمران، يشيران إلى أن هذه الأرقام "هي ما استطاعت النقابة رصده وتوثيقه بإمكانياتها وفي هذه الظروف الاستثنائية".

وحسب برمان فإن "كثير من الحالات لا يتم رصدها، ولا يتم الإبلاغ عنها بدليل أننا نتلقى بلاغات بعد مرور سنوات من وقوع الاعتقال والإخفاء"، مضيفاً: "هناك أعداداً أخرى -مدرسين وغيرهم- قيد الاعتقال والإخفاء القسري".

ويقول حمران " من ناحية المعايير الدولية فإنه من الصعب توثيق كل هذه الجرائم حالياً خاصة أن الحوثيين يسيطرون على أكثر محافظات الكثافة السكانية (أمانة العاصمة، وصنعاء، وذمار وعمران وإب والبيضاء وريمة والمحويت وأجزاء كبيرة من صعدة والجوف وحجة وأجزاء من مأرب وتعز)، كما أنهم يشكلون قبضة أمنية لا نستطيع كمجتمع مدني أن نوثق الكثير من تلك الجرائم والأمر الثالث هناك خوف لدى المدرسين أو أسرهم من الإدلاء بشهاداتهم في الوقت الراهن".

في محافظة ذمار يؤكد الصحفي والناشط الحقوقي نجيب الشغدري في تصريحٍ خاص لمعد التقرير، بأن "المليشيات الحوثية عذبت وأخفت نحو (618) تربوي إخفاءً قسرياً، وأن بعضهم ما يزال معتقلاً ومنهم من ما يزال مخفي قسراً حتى اليوم".

ذمار من المحافظات المتوسطة في أعداد الانتهاكات التي تتصدرها أمانة العاصمة والحديدة وإب وتعز.

أنواع التعذيب 

تكررت قصص التعذيب البشعة وتفننت المليشيات في استخدام مختلف الأشكال المهينة، وصولا إلى الإضرار الكبير بالمخفيين أو عموم من عذبتهم المليشيات في السجون وأبرزها، التعذيب صعقا بالكهرباء والتعليق بالأيدي والأرجل بسلاسل حديدية لفترات تصل إلى أكثر من 24 ساعة.

كما استخدمت الضرب بأدوات صلبة وحادة في أماكن حساسة من الجسم، وقلع الأظافر والأضراس، وربط العضو الذكري بهدف منع الضحية من التبول لفترات طويلة تصل الى 48 ساعة، والمنع من الأكل والشرب لأيام والحرمان من الدواء والركل في الخصيتين.

علاوة على ذلك تقوم بالتعذيب النفسي الذي يتضمن التهديد بالذبح، وباختطاف وقتل الأبناء والأقارب والسجن بالزنازين الانفرادية، والشتم والسب وامتهان الكرامة.

 (أقبية) الموت

تفرقت قصص المعاناة الإنسانية لكنها توثقت عبر تقارير حقوقية متناثرة، الساعة الخامسة عصراً (4 أكتوبر 2015)، داهمت مجموعة مسلحة بقيادة حيدر صبر منزل مجلي عبدالله حسين فرحان (53 سنة) مدير دائرة التعليم بمحافظة صعدة، حيث اختطفوه ولم يمنحوه حتى فرصة تغيير ملابسه.

اقتيد فرحان إلى جهة مجهولة، وظل مخفياً حتى 4 مايو2017، حيث تعرض خلالها للتعذيب، وكان الأشد في سجون صعدة، قبل أن يتصل مشرف جماعة الحوثي في الأمن القومي بصنعاء، أبو طه عبد الرب جرفان بأسرته وإبلاغهم بأنه قد توفي بجلطة.

قبل ذلك كانت صعدة المحطة الأولى لـعادل حجر (43 عاماً) وهو مدرس رياضيات في محافظة (الحديدة) الذي اعتقل وأخفي في 21 ديسمبر من العام 2014 من قبل الحوثيين، حيث ظل في معقل الجماعة مدة غير معروفة؛ ومن ثم نقل إلى صنعاء.

2016 عام "الإخفاء" و"الاغتيالات!!

في صفحات التقارير الحقوقية يتبدى بؤس العام 2016 على المجتمع التربوي حيث شهد جرائم مفزعة تكشف قسوة عيش الأسرة التربوية في قبضة الحوثيين وسجونهم التي حولوها إلى ساحات للإعدام والتصفية الجسدية.

في مساء الـ11 من يوليو 2016 داهم طقمان عليهما عناصر مسلحة حوثية بقيادة أبو رعد، منزل صادق قائد فرحان علي الحيدري (43 سنة) المدرس بمنطقة صالة بتعز، وأخذوه بالقوة من أمام أطفاله وزوجته، اقتادوه إلى جهة مجهولة ليتنقل في المعتقلات الحوثية وصولا إلى أحد السجون السرية في محافظة ذمار.

رفض الحوثيون السماح لأسرته بزيارته فماتت أمُّه بعد عام من اختطافه حينما كانت تنتظر زيارته أو سماع صوته، عذب بقسوة مفرطة؛ وفي 29 أبريل 2018 نقل لمستشفى ذمار العام وهو في حالة غيبوبة دماغية وارتفاع ضغط الدم، وتبين أن لديه نزيفا دماغيا، وتوفي على إثره في 8 مايو 2018.

وفي سبتمبر أخفت جماعة الحوثي التربوي أحمد محسن الحاج (58 عاما) من أبناء مديرية بني مطر –صنعاء- قسريا وعذبته داخل المعتقل لأربعة أسابيع واختتمت جريمة التعذيب بالأبشع؛ الإعدام رميا بالرصاص في 27 سبتمبر 2016 بطلق ناري أصابه في القلب أنهى حياته.

وفي نفس العام أخفى الحوثيون وليد علي قاسم الإبي (26 سنة) لثلاثة أيام تخللها تعذيب وحشي في سجن البحث الجنائي من مساء الـ10 من نوفمبر، كانت تلك المساءات كافية؛ فقد انتهت بطلق ناري في رأس وليد نقلوه إثرها جثة هامدة إلى مستشفى الكويت.

وفي الزيدية بمحافظة الحديدة تم إيهام أسرة محمد عبدالله أبو زيد؛ المدرس بمنطقة الحشابر بأنهم يعالجونه في المكان الذي أخفوه فيه بعد اختطافه من مدرسته في 2 يناير 2016، وبعد أكثر من تسعة أشهر فوجئت أسرته بمطالبة جماعة الحوثي بمبلغ 800,000 ريال فدية مقابل تسليم جثته، حيث وجدوا عليها آثارا في أنحاء مختلفة من جسمه تؤكد مقتله تحت التعذيب.

"تربويون" عاشوا المأساة!

الإخفاء القسري هو بوابة التعذيب بلا ضمير، هكذا يصف فيصل العتمي مدرس من محافظة المحويت ما حدث له، حيث يقول: "اختطفت من الشارع أخذوني معصوب العينيين، توارت السيارة وبقي أطفالي وزوجتي وصرخاتهم في الشارع، أخذت إلى قسم الشرطة موثق اليدين ليبدأ التحقيق معي وتنهال علي صنوف العذاب معلقا إلى سقف الغرفة حتى طلوع الفجر".

ويضيف: "تبدأ التحقيقات من المغرب وحتى الصباح هكذا امتدت الشهور معي إلى سنتين ونصف".

 أما منع أسر المخفيين قسرا من زيارة ذويهم فكانت الفصل الكاشف للألم، حيث ذهب بعض أقارب الضحايا "ضحايا" وماتوا دون رؤية أو سماع ذويهم في حالات عديدة.

في 21 مارس 2015م قام مسلحون حوثيون بمحافظة ذمار باعتقال الشقيقين التربويين بذمار؛ عبد الصمد عبدالسلام الحدابي وعبد الله عبد السلام الحدابي، من داخل منزلهما بعد اقتحام المنزل وترويع الأسرة قرابة الساعة الخامسة فجراً.

يقول والدهما: "وضع أحدهم سلاحه في ظهري؛ ووضع الآخر سلاحه على رقبة زوجتي، كتفوهما؛ وأخذوهما، بحثت عنهما في كل الجهات الرسمية وأقسام الشرطة، إلا أن الجميع نفى وجودهما أو معرفته بمكانهما"، 

"أثناء الاقتحام لم أستطع أن أتمالك نفسي أو أناقش أو استفسر، بسبب الهلع، ولأنني مصاب بمرض السكري كنتُ أحس (أن قلبي سينفجر)، يضيف.

يكشف تصاعد الوفيات التي وقعت لمعتقلين تربويين بين 20 و67 سنة، عن كونها "ممنهجة" و"عدائية" مفرطة تجاه المعتقلين حيث توفت حالة واحدة عام 2014 وحالتين عام 2015 وأربع حالات عام 2016 فحالتين عام 2017 لتعاود الصعود إلى 6 حالات عام 2018 و8حالات عام 2019.