دعوات الانتقالي للتقارب مع المكونات الجنوبية الأخرى.. ما وراءها وهل ستلقى قبولا؟

(عدن الغد)خاص:

تحليل لدعوات الحوار الجنوبي - الجنوبي التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي على لسان رئيسه...

في ظل محاولات الانتقالي المتكررة للحوار.. ما الذي يجعل هذه المحاولة مختلفة عن سابقاتها؟

هل هذه الدعوات اعتراف من الانتقالي بأنه لن يستطيع المضي وحيدا دون شراكات سياسية؟

هل هذه الدعوات تعبر عن انفتاح جديد للانتقالي مع الآخرين أم أنها مناورة سياسية؟

ما مدى تأثير التأكيدات الأخيرة لدول خليجية وعربية مؤخرا حول تمسكها بوحدة اليمن على هذه الدعوات؟

كيف ستتقبل المكونات الأخرى هذه الدعوات مع الانتقالي وكيف يمكن أن تترجم على الواقع؟

اشتراط الانتقالي بأن يكون المظلة الشامل لكل القوى الجنوبية.. كيف ستؤثر على قبول هذه الدعوات؟

ما موقف المكونات الجنوبية ذات النزعة الوحدوية.. هل ستشارك أم ستتمسك بمواقفها؟

> القسم السياسي -عدن الغد:

لا يخفى على أحد تأثيرات الصراعات السياسية الدامية التي مرّ بها الجنوب منذ أكثر من ستة عقود، والتي خلفت اليوم واقعا منقسمة ملئ بالتشوهات والنفسيات المنكفئة على ذاتها.

ولا يحتاج الأمر إلى سرد تاريخي لتلك الصراعات حتى نتأكد من المسببات والعوامل التي أنتجت صراعات اليوم، وحالات الإنكفاء والإنعزال بين الجنوبيين، لدرجة أن وصل الأمر إلى عدم تقبل الآخر.

ولعل هذا الواقع تجاوز حد المواجهات الدموية، ليصل إلى درجة رفض القبول بتواجد الضد والأنداد حتى في المراحل السياسية التي تعاقبت عليها البلاد، وفي قوام الكيانات التي تم تشكيلها لاحقا.

ولنا في رفض الجنوبيين تواجد رجالات ما قبل أحداث يناير/كانون ثاني 1986 في دولة الوحدة اليمنية الناشئة دليل وتأكيد على أن هذا الرفض بلغ مستويات مؤلمة بين الجنوبيين، وتكرر هذا الفعل مؤخرا عبر إقصاء عدد من السياسيين الجنوبيين في المرحلة الراهنة من قوام حكومة المناصفة أو حتى المجلس الرئاسي.

كل تلك الدلائل تؤكد أن الصدع في النسيج الجنوبي بات عميقا، ويحتاج إلى الكثير من التدخل، لمعالجة أسبابه وتقليص الهوة الموجودة بين ابناءه.

لكن للأسف أن هذه الاختلالات التي تسببت بانقسام الجنوبيين لم يتعلم منها القادة والساسة، بل إنهم مضوا في تأجيجها وزيادة الصراعات في كل مرحلة سياسية، ولك تفلح حتى جهود ودعوات التصالح والتسامح التي صارت مجرد شعارات ولم تتحول إلى واقع، للأسف.

ورغم كل ما سبق من وضع للعلاقة بين الجنوبيين، إلا أن الأمل في إصلاح هذه العلاقة ما زال قائما، وحتى لو لم تكن رغبات الإصلاح هذه محكومة برغبة ذاتية، إلا أن المستجدات السياسية المحلية والدولية قد تعمل على فرضها.

وبطبيعة فإن أي مكون جنوبي يسعى لأن يكون ضمن الأطر السياسية المحلية والدولية، فعليه أن يرضخ لاستحقاقات الداخل وضغوط الخارج، وهو ما تأثر به المجلس الإنتقالي الجنوبي، الذي أعلن على لسان رئيسه، عطعروس الزبيدي الانفتاح على الحوار مجددا بين كل المكونات الجنوبية.

> ما وراء دعوات الزبيدي؟

الدعوات التي أطلقها الانتقالي تحمل الكثير من الأبعاد في توقيتها وأسبابها التي لا يمكن فصلها عنا يدور في الساحة المحلية من مستجدات، كما أن من باب الإنصاف أيضا الحديث عن المكتسبات التي حققها الإنتقالي مؤخرا على الصعيد السياسي.

فالانتقالي اليوم بات قوةً ومكونا معترفا به دوليا ومحليا، حتى أن الدعوة التي أعلنها جاءت مغلقة بخطاب "أبوي"، باعتبار أن الانتقالي ينظر لنفسه كـ"مكون جامع" لكل المكونات الجنوبية ومعبرا عنها، وهو بالفعل ما تضمنته كلمة الزبيدي ودعوته للحوار تحت "مظلة الانتقالي".

وفي نفس الوقت الذي بات فيه الانتقالي قوةً محلية معتبرة، هناك جانب آخر كشفت عنه دعوته للحوار مع المكونات الجنوبية، تتمثل في أنه أقر واعترف بعدم قدرته على المضي قدما بشكل منفرد ووحيد، وأدرك -ولو متأخرا- أنه يجب أن ينفتح على بقية الكيانات التي تتحدث وتمثل الجنوب أيضا.

وربما أن صعوبة سير الانتقالي وحيدا في العمل السياسي دون نظراءه الجنوبيين قد لا يعكس ما حققه من مكاسب، ويعده البعض -وتحديدا أنصاره- تنازلات منه.

لكن الانتقالي أيضا بحاجة إلى استعادة بعض ألقه وحضوره في الوسط الشعبي الجنوبي، خاصة وأن هناك الكثير من الانتقادات التي طالته في ظل التردي المعيشي والخدمي، وعدم عمل شيء بهذا الخصوص.

ولعل التغيير في مستجدات الوضع السياسي محليا ودوليا، فرضت على الانتقالي اللجوء إلى أشقاءه من المكونات الجنوبية الأخرى، حتى لو كان قد حقق مكاسب سياسية عجزت عن تحقيقها بقية المكونات الجنوبية.

وعقب كل ذلك، يبقى الأمر مناطا بالقوى والمكونات الجنوبية التي عليها تقبل هذه الدعوات والقبول بها أو رفضها، كما فعلت في سابق الدعوات الماضية.

> دعوات الحوار المتكررة ومآلاتها

ما قام به المجلس الانتقالي من دعوة المكونات الجنوبية للحوار ليست جديدة، كما أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الانتقالي التقارب مع نظراءه من التيارات الجنوبية.

وجميع المحاولات التي دعا إليها الانتقالي للحوار واجهت ممانعة ومعارضة من عديد القوى والكيانات السياسية في الجنوب، ومنها من وافق ومضى في إجراءات الحوار التي تتم في دول الخارج، دون تحقيق أي نتائج ملموسة.

ولهذا تساءل مراقبون عن الاختلاف الذي يمكن أن تقدمه الدعوات الأخيرة التي أتت هذه المرة على لسان أعلى شخصية في هرم قيادة المجلس الانتقالي، ولعل في هذه الميزة ما يجعل محاولة الانتقالي الأخيرة للتقارب مختلفة عن سابقاتها.

كما أن هناك عوامل تجعل هذه الدعوات مختلفة أيضا، منها أن ثمة توجع وضغوط دولية وإقليمية طالت الانتقالي ذاته بضرورة توحيد الجبهة الجنوبية، تمهيدا للتسوية السياسية المرتقبة، والتي لن تتم ما لم تتوحد أولا المكونات الجنوبية وتتفق على رؤية سياسية لمستقبل الجنوب واليمن عموما.

وثانيا أن الانتقالي يسعى لتمثيل الجنوب في مفاوضات الحل النهائي والتسوية الشاملة القادمة، ولهذا فإن أي ممثل لمنطقة الجنوب يجب أن يحظى بتأييد كاسح جنوبيا، وهو ما يسعى إليه الانتقالي بالفعل من خلال "طلب ود" القوى الجنوبية، كما أنه ما يمنح دعوته اختلافا عن دعوات الحوار السابقة.

وفي المقابل، ثمة من يرى أن رغبة الانتقالي في جمع المكونات الجنوبية الأخرى لا تعدو عن كونها مناورة سياسية، ليظهر للخارج والعالم بأنه الحاضنة الجامعة لكل التيارات في الجنوب، ومن ثم الفوز بحصة الأسد من أي تسوية سياسية مرتقبة.

غير أن الكشف عما وراء دعوات الانتقالي للحوار، قد توضحها مآلات القبول بتلك الدعوات من عدمها، وحتى إذا تم القبول بها، فلابد من تحديد الكيفية التي يتم فيها الحوار، وعلى رأسها إمكانية إقامة مؤتمر جنوبي جامع يجمع كل الكيانات بلا استثناء، وتجنب عملية الحوار في غرف مغلقة أو خارج نطاق الجنوب كما حدث من قبل.

> ضغوط المواقف العربية

لا يمكن فصل دعوات الانتقالي للحوار بمنأى عن جولة المجلس الرئاسي اليمني الأخيرة، والتي تضمنت دولا محورية وذات تأثير على الشأن والمشهد اليمني، بما فيه المنطقة الجنوبية من البلاد.

فالنتائج التي خرجت بها الجولة الرئاسية تضمنت تأكيدات من الدول العربية الكبرى، كالسعودية ومصر وحتى الإمارات بتمسكها بوحدة اليمن واستقراره وسلامة أراضيه، وهي تأكيدات تناقض رؤية الانتقالي وأهدافه السياسية.

ويبدو أن الدعوات التي انطلقت مؤخرا جاءت متأثرة بهذه التأكيدات التي هي أساسا بمثابة ضغوط عربية تؤكد مواقفها السابقة من وحدة اليمن، وهو ما دفع الانتقالي لإطلاق دعوته والانفتاح على نظراءه من المكونات الجنوبية.

كما أن هذه الدعوات الوحدوية تمنح المكونات والقوى الجنوبية ذات النزعة الوحدوية نصرا معنويا حتى قبل البدء بأية إجراءات الحوار الجنوبي - الجنوبي، على اعتبار أنها تفرض مخرجات محدد لهذا الحوار، ذات اتجاه معروف ومقبول لدى الخارج، وسيتم بلا شك فرضه على الجنوبيين.