آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:36ص

فن


فرسان خليفة ..التألق الريادة والإبداع في سفر الغربة

الثلاثاء - 10 مايو 2022 - 05:15 م بتوقيت عدن

فرسان خليفة ..التألق الريادة والإبداع في سفر الغربة

(عدن الغد)خاص.

كتب / عصام خليدي

يعد الفنان الفقيد المبدع فرسان خليفة بالنسبة لمدينة عدن واحداً  من أهم روافدها الخلاقة وأبنائها النجباء النابغين المجددين في كينونة ونمط الغناء العدني والجنوبي  الذين نشروا وأبرزوا ملامح الأغنية العدنية بل   ممن صنعوا بعطاءاتهم ونتاجاتهم الإبداعية ( فتوحات فنية غنائية ) في الوطن العربي والخليج والجزيرة العربية انه من الفنانين القلائل الذين نحتوا في الصخر لخدمة مفاهيم وقيم ورسالة  الغناء اليمني عموماً والعدني بشكل خاص   ..

غادر فناننا المتألق مدينته ومسقط رأسه ( عدن) لأسباب كثيرة متداخلة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفنياً  لسنا بصدد شرحها في هذا المقام .. 

هاجر حاملاً عوده والحانه (ومشروعه الفني الغنائي التجديدي الحداثي المغاير والمختلف عن شكل وأسلوب الغناء التقليدي النمطي القديم الذي كان سائداً في فترة ما قبل إعلان تشكيل الندوة العدنية التي تأسست عام 1948م والتي كان يرأسها الدكتور الأديب والشاعر والتربوي العملاق محمد عبده غانم وملحنها ورائدها الفنان  الراحل خليل محمد خليل ونعني بذلك أنه كان يمثل الإستمرارية لمشروع (جيل الريادة) الذين شكلوا نواة للفعل الحداثي النهضوي المعرفي الفني الثقافي الأدبي ..

  في واقع الأمر كان الفنان الرقيق فرسان خليفة متأثراً بمدارس الغناء العدنية التي كانت في قمة وهجها وبريقها في حقبة الخمسينات والستينات من القرن العشرين المنفرط وأستطاع أن يؤسس ( مدرسة فنية موسيقية غنائية مستقلة ) يشار إليها بالبنان تصب في خدمة مسار ونهج الغناء العدني التجديدي قدمها باشتغال مضني ودؤوب بوضع شخصيته الفنية المستقلة وإنتاجه الغنائي الموسيقي المتفرد والمتميز وبصمة إبهامه التي شكلت رافداً ضافياً في استمرارية وديمومة وانتشار إنتاجه وعطائه الإبداعي الذي شكل ذائقة ومزاج المستمع والمتلقي لأعماله في الداخل والخارج .

 ويمكنني القول أن ما قدمه فناننا من إبداعات وأغنيات حاليات عذاب وشمت في وجداننا وضمائرنا وصنعت في ثنايا أرواحنا وأفئدتنا معاني ودلالات المحبة والبهجة والفرحة والغبطة والسرور والسعادة ..

كان من عشاق ومحبي الفنان الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم وتلاميذه النجباء المتفوقين موهبة وإرادة واستمرارية وكان ديدنه وعنوانه الفرادة والتألق والنجاح . 

الفنان المهاجر فرسان خليفة عاش سفيراً للغناء اليمني الجنوبي العدني وقدم زهرة شبابه وعصارة جهوده لخدمة قضية الفن اليمني  ( العدني ) والعربي في كل المحافل والمشاركات المحلية والإقليمية والدولية .. 

وكان مثالاً مشرفاً ونموذجاً استثنائياً رفع على كاهله سمعة ومكانة ( عدن ) واليمن في أبهى وأزهى وأروع وأنصع صورة أخلاقية وإنسانية وفنية ..

امتازت الحانه برشاقة وأناقة الجملة الموسيقية المتطورة ذات المضامين والدلالات والروئ والصور الجمالية الإبداعية  .

 ولعل أبرز أعماله الغنائية التي حصدت نجاحات جماهيرية وعشقتها القلوب أغانيه الشهيرة .. خايف أحب / صدقيني لما أقولك / حكاية حب / أتذكرك / أنا مشتاق / غريب  / الليل في عيونك / يارشا ياباردية / أوبريت ( ريح الشروق ) وقدم للفنانة فائزة أحمد الأغنية المشهورة التي تحكي قصة معاناة الاغتراب المعروفة بعنوان (جاء الشباب) ..

بالإضافـــة لـــذلك قــدم أيــضــاً الـــعــديد من الأعمال الــغـــنائية الــناجحة التي نـــتذكر منها عل سبــيل المــثال لا الحصر هذه الأغنيات .. نجم الصباح بكر / طير الحمام / الدودحية  /  ظبي من الفلا / ضوء الصباح / جبل صبر  / قمري من وادي بنا .. كما قدم الأناشيد والأغاني الوطنية التي ساهمت في مواكبة كافة الحقب و المراحل السياسية.. والقائمة تطول بمشواره الفني الحافل بالأغنيات الرائعات التي رفدت المكتبة اليمنية والعربية بأرقى وأجمل الأعمال الغنائية ذائعة الصيت ...

أمتلك (خليفة) صوت رخيم عذب صافي كشلالات الماء المتدفقة .. ويصنف صوته علمياً وموسيقياً (بطبقة التينور) ..

تعامل مع المقامات الشرقية والعربية منها على سبيل المثال لا الحصر الآتي : الرصد / البيات  / الهزام / السيكا  / راحة الأرواح .. وغيرها بإجادة وبراعة وإتقان كما قام باستخدام الإيقاعات اليمنية والعربية بشكل علمي ومدروس ..

يعتبر من الفنانين اليمنيين القلائل ممن أجادوا استخدام اللهجات اليمنية بمهارة وحنكة وإقتدار ..

قدم بالتعاون مع الدكتور الشاعر سعيد الشيباني ( ثنائية وتحف فنية رائعة ) .. وشكل ثنائية أخرى مع الشاعر الكبير عبدالله عبد الكريم ..

ختاما :

رحم الله الفنان الفذ فرسان خليفة ( أخر عناقيد إبداع الزمن الذهبي الجميل ) في مدينة عدن الحضارة والتاريخ والأصالة .. 

عاش فناننا القدير في الغربة مناضلاً صبوراً متألماً حاملاً بين ثنايا روحه عشقه الأبدي السرمدي لمدينة عدن التي أحبها وظل الحنين يراوده إليها ويعتصره ويؤرقه في معاناة ( الاغتراب)  وأستطاع بجدارة واقتدار أن يحيل الآلام والتعب والوجع إلى إشراقات مشعة بالأمل والتسامح والتفاؤل والعطاء الذي سيظل نبراساً خالداً في فضاءات كونية غير متناهية ..

شكل فقيد الغناء العدني واليمني المطرب والملحن الكبير فرسان خليفة

 (رقم استثنائي صعباً) على إمتداد خارطة الوطن العربي، وظل ( نموذجاً فنياً راقياً) متوهجاً مطرزاً مشواره الغنائي الثري الزاخر   المتألق بقناديل الجمال والسحر والخيال المترف والمشبع ببريق ثقافة (مدينة عدن) في عصرها الريادي التنويري الذهبي .. 

  توفي الفنان الرائع والإنسان المبدع فرسان خليفة في يوم الاثنين الموافق 22 / نوفمبر/ 2016م ..

 مضت أعوام متعاقبة منذ رحيله بصمت وتجاهل وتغييب وتهميش من الجهات المختصة والرسمية لدوره الفني الغنائي الموسيقي الإبداعي الحداثي ..؟!!

والحقيقة شكل رحيله( الصامت المدوي) غصة في القلب وأثراً موجعاً بالغاً مؤثراً في النفوس والأرواح المحبة للغناء الحديث المتجدد والمتطور ..

(إفتقدتاه) .. وليس ذلك إعتراضاً على مشيئة الخالق سبحانه وتعالى بل على ماستشهده الساحة الفنية من فراغاً إبداعياً وإنسانياً وحضوراً كان وسيظل متميزاً متفرداً لايمكن تعويضه على المدى المنظور بمواره جسده الطاهر الثرى في موطن ( إغترابه) القسري الإضطراري في المهجر ..؟!