آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:05م

ملفات وتحقيقات


تقرير سياسي في الصحيفة الورقية ليومنا هذا.. دكاكين الصرافة.. كيف تحكمت بالبلاد؟

الأربعاء - 13 أكتوبر 2021 - 08:41 ص بتوقيت عدن

تقرير سياسي في الصحيفة الورقية ليومنا هذا.. دكاكين الصرافة.. كيف تحكمت بالبلاد؟

(عدن الغد) خاص:

تقرير يبحث في أسباب تغول الصرافين وسيطرتهم على المشهد الاقتصادي في مدينة عدن..

كيف تحول مجموعة من الصرافين بعدن إلى دولة ظل تتحكم بالمشهد الاقتصادي؟

لماذا تخلى البنك المركزي في عدن عن كافة مهامه السيادية؟

كيف استطاع مركزي صنعاء ضبط العملة ومحاربة الصرافين وإنهاء دورهم؟

لماذا تغول صرافو عدن وباتوا يتلاعبون بالعملة كيفما يريدون؟

مليارات من غسيل الأموال والمضاربة بالعملة يكسبها الصرافون.. ألا تعني أننا قادمون على إفلاس شامل يهدد البلاد؟

ما المنتظر من الأطراف الفاعلة والمعنية تجاه كارثة اقتصادية مرتقبة؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

تكاثرت محلات وشركات الصرافة ومنشآت التحويل المالي في مدينة عدن، بشكل مرعب ويثير الريبة، خلال فترة ما بعد عام 2016، وحتى اليوم.

ولا يمكن اعتبار أمر كهذا طبيعيا وصحيا، في ظل حالة الحرب التي تعيشها البلاد، والركود الاقتصادي الذي تجاوز حالة الكساد، وتوقف الإنتاج الصناعي والزراعي، واختلال عملية الميزان التجاري المتمثلة في الاستيراد والتصدير الخارجي.

كما أن عملية توالد محلات الصرافة واستنساخها بهذه الطريقة المرعبة، لا توحي بأن الأوضاع المعيشية والاقتصادية على ما يرام، في ظل توقف مرتبات المواطنين، وتأخر بعضها.

إلا أن مختصين اقتصاديين وخبراء في هذا الشأن، كشفوا عن استغلال كبير من قبل "دكاكين الصرافة" تلك، المتناثرة في كل مكان من عدن، لحالة عدم الاستقرار الاقتصادي، وغياب الجهات الرقابية؛ متوغلة في ممارسة العبث بالعملة المحلية والمضاربة بها.

ورغم أن لسان حال الوضع الاقتصادي لا يدفع إلى هذا الاستنساخ المتزايد لمحلات ودكاكين الصرافة والتحويل المالي، ولا يشجع على ازدهار سوق الصرافة إلا أن الواقع يقول غير ذلك تماما، ما يؤكد أن الأمر يحمل الكثير من الريبة.

فلا يمكن اعتبار هذا التزايد المرعب في أعداد محلات الصرافة إلا في إطار وجود توجه ذي أغراض "خبيثة" تقوده جهات معينة، محلية وإقليمية، يصب في خدمة الحرب الاقتصادية والمعيشية التي تسير بخط متوازٍ مع الحرب العسكرية والسياسية.

وهذا الدعم من أطراف محلية وإقليمية، وفرت الغطاء اللازم لعبث هذه الدكاكين بمعيشة الناس؛ أدى- وفق اقتصاديين- إلى حالة من تحكم الصرافين ومحلات الصرافة بمصير الوضع الاقتصادي في عدن، والمحافظات المحررة عموما.

وما زاد من تغول وتحكم هذه الدكاكين المالية، غياب مؤسسات الدولة المصرفية السيادية عن القيام بدورها المنوط بها، في الرقابة والمحاسبة كما كانت قبل الحرب.

ما جعل حياة المواطنين وأقواتهم ومعيشتهم تحت رحمة هذه المحلات، وقاد نحو انهيار العملة المحلية وانخفاض القوة الشرائية لـ80 % من الناس، ممن لم يقدروا على مواكبة الارتفاعات اليومية لأسعار السلع الأساسية.

الملجأ المريب للإثراء السريع

المتتبع لمسار الوضع الاقتصادي في عدن، يجد أن العمل المصرفي في المدينة هو الرائج حاليا، وبات رجال الأعمال والتجار يلجؤون إلى هذا القطاع لاستثمار أموالهم.

فلا مجال لتنمية واستكثار أموالهم أفضل من مثل هذا القطاع المريب في عدن، والذي توجه نحوه غالبية التجار ورجال الأعمال، بصورة مباشرة أو عبر شركات من الباطن يديرونها في الخفاء.

وما يغري في هذا القطاع، أنه لا رقابة عليه من مؤسسات الدولة، مقابل عوائده المغرية التي تصل إلى مليارات الريالات، ليس سنويا أو شهريا، بل أسبوعيا.

وذلك بسبب المضاربة غير المشروعة بالعملات الأجنبية، غير آبهين بالأضرار التي تسببها هذه المضاربة على العملة المحلية، وبالتالي انعكاساتها على المواد الغذائية الأساسية.

وبات الهم الوحيد لهؤلاء التجار وكل من امتلك أموالا هو كيفية تكثير هذه الأموال، حتى تداخل في هذا القطاع مسئولون محليون وقيادات، امتلكوا بشكل واضح أو من وراء الكواليس شركات صرافة.

حتى أن تسريبات تشير إلى أن كيانات سياسية وقادة عسكريين متداخلون في مثل هذا القطاع المريب، الذي أصبح ملاذا وملجآ لكل ذي صاحب مال.

التحكم بالاقتصاد

لم يقف الأمر عند الإثراء السريع الذي بات هدف كل من امتلك سلطة ونفوذا في عدن، أو عقد صفقة وعلاقة مع صاحب نفوذ، حتى من خارج أسوار المحافظة.

بل أن الخطورة في هذه القضية تمثلت في تحول "دكاكين الصرافة" هذه إلى متحكمة في المشهد الاقتصادي في المحافظات المحررة برمتها، وليس فقط في عدن.

وتعمل على إدارة وتسيير مستويات أسعار صرف العملات وتوجيهها بين فترة وأخرى، ما جعل منحنى التصاعد والهبوط غير واضح، لصالح الصعود المضطرد والمستمر، حتى وصل الأمر إلى أن ينهار الريال اليمني بواقع مائة ريال في أقل من ساعات.

والمعضلة الكبرى أن هذه المحلات تتحكم بأقوات البسطاء والعامة من الناس المكتوين بنيران هذه المضاربة بالعملة واستغلال حاجات المقهورين، في سبيل زيادة أرصدة اصحاب دكاكين الصرافة في البنوك الخارجية، وبالعملات الصعبة.

يتم ذلك في ظل غياب تام لدور الجهات الرقابية والمؤسسات المالية للدولة، وهو أمر متوقع ووارد كأحد تبعات غياب الحكومة ورجالات الدولة أنفسهم عن التواجد في الداخل.

وهذا ما يجعل الأوضاع تتفاقم بشكل متسارع، لتتضاعف معاناة الكادحين من عامة اليمنيين، ليس فقط في عدن، بل في كل مناطق البلاد.

فارتباطات انهيار العملة متصلة بعمليات التحويل من المحافظات المحررة إلى غيرها من المحافظات الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين، والتي تعاني من ارتفاع عمولة التحويل، لتصل إلى ما نسبته 100 %، من مبلغ التحويل.

عجز عن ضبط الأوضاع

ووسط كل هذه الفوضى المالية والمصرفية في عدن، في ظل عجز السلطات في المدينة عن ضبط إيقاع الصعود والهبوط للعملة المحلية، تبرز قدرة الانقلابيين الحوثيين على التحكم في مستويات العملة في مناطق سيطرتهم.

وفي الوقت الذي يؤكد مراقبون اقتصاديون أن استقرار أسعار الصرف في مناطق المليشيات لا يعبر عن حقيقة الوضع الاقتصادي والمعيشي هناك، إلا أنه يكشف عن حقيقة مؤلمة، تغيب عن عدن.

هذه الحقيقة تتمثل في قدرة المتمردين الحوثيين على فرض سياسة معينة على شركات الصرافة والمحلات المالية الواقعة في نطاق سيطرة المليشيات، حتى وإن كانت هذه السياسة تصب لصالح الحوثيين.

إلا أنه في النهاية، برزت قدرة الدولة في سلطة الأمر الواقع التي يديرها الحوثيون، التي استطاعت إلجام تغول محلات الصرافة عن ممارساتها المضرة.

ليس مدحا أو ثناء في عمل المليشيات، بقدر ما هو تساؤل عن أسباب عجز السلطات في المحافظات المحررة عن القيام بالمثل.

الأمر الذي يؤكد أن ثمة أمورا تحاك ضد المواطن البسيط، في مناطق الشرعية المحررة، تستهدف القوت الأساسي، واحتياجات الحياة الرئيسية، عبر محلات الصرافة هذه.

تدارك الإفلاس الوشيك

في ظل هذا الوضع الكارثي، المرشح لمزيد من التهاوي والتدهور في سعر الريال اليمني، يحذر محللون ماليون من أن إعلان إفلاس الدولة بات وشيكا.

تحذير كهذا يعود إلى توقف الدورة الاقتصادية للعملة أولا، وتوقف النشاط التجاري والإنتاج، الذي يوفر احتياطات نقدية، بالإضافة إلى انعدام السياسات الحكومية الإنقاذية.

الأمر الذي يضع جميع الأطراف المعنية في البلاد، أمام مسئولياتها لتدارك الإفلاس والانهيار التام للوضع الاقتصادي الذي تسببت به محلات ودكاكين الصرافة.

ولا بد من تحرك جدي لتدارك ما يمكن تداركه، بعد أن وصلت الأمور إلى نقطة اللا عودة، فالكارثة تلوح في الأفق بشكل مخيف، ما لم يتم التدخل الفعلي والجاد.