تقرير يبحث في مسببات استمرار وتواصل الاضطرابات الأمنية في مدينة عدن..
لماذا بعد سنوات لا تزال مدينة عدن تواجه الإشكاليات الأمنية؟
هل يواجه المجلس الانتقالي مؤامرات تسعى لإفشاله أمنياً؟
لماذا لا يوّحد الانتقالي كل القوات في عدن؟
كيف يمكن أن يسعى الانتقالي إلى إصلاح هذه الأوضاع؟
لماذا لا توجد نية جادة لإصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية؟
نقل القوات إلى خارج عدن.. لماذا ظل حبرا على ورق؟
ما هو موقف المجتمع الدولي حيال ما يحدث حتى اليوم؟
سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته الأمنية والعسكرية على مدينة عدن بشكل كامل، في مطلع أغسطس/آب 2019، بعد مواجهات عنيفة مع قوات الشرعية.
هذه السيطرة جاءت بعد عدة مواجهات مع القوات الحكومية في مدينة عدن، الأمر الذي أوحى بأن استقرار المدينة يمكن له أن يتحقق متى ما استتب الوضع لأحد الطرفين.
غير أن بسط الانتقالي وقواته على مدينة عدن، لم يحقق الاستقرار الأمني في المدينة، التي شهدت منذ ذلك التاريخ مناوشات مسلحة واشتباكات عسكرية بين فصائل قوات الانتقالي ذاته.
الأمر الذي أكد أن خروج الشرعية اليمنية وقواتها من عدن في خريف 2019، لم يجلب أي استقرار ولم يوقف أي مواجهات واشتباكات في المدينة، واستمرت الاضطرابات بين فصائل الانتقالي بشكل متكرر.
مقارنة مع الماضي
هذا الوضع الذي تعيشه عدن اليوم، لا يمكن إلا أن يكون مشابها للأوضاع التي شهدتها الدولة الجنوبية طيلة فترات سنواته الماضية، عقب الاستقلال.
وهي فترات من حالة عدم الاستقرار السياسي، والتي ترافقت مع مواجهات وتصفيات، وتغيير لخارطة السيطرة لهذا الفصيل على حساب الآخر.
ورغم أن الصراعات الماضية في دولة الجنوب خلال أواخر ستينيات ونهاية السبعينيات ومنتصف الثمانينيات، تحمل طابعا سياسيا، وربما أيديولوجيا في بعض الأحيان، نتج عنها تغيير سياسي وفكري كبير في سياسة الدولة.
إلا أن صراعات رفاق اليوم في عدن لا تعدو عن كونها نزاعات على مصالح شخصية، وصراعا للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الذاتية في هذا المربع أو ذاك.
وبناءً على هذه المقارنة والمفارقة لصراعات الجنوبيين بين الأمس واليوم، تبدو كلفة صراع اليوم أكثر عمقا وتأثيرا على حياة الناس، عطفا على الاستهتار بحياة المواطنين والأبرياء، كما حدث في اشتباكات الشيخ عثمان قبل شهور، ومواجهات كريتر الأخيرة.
وهذا الوضع يثير الكثير من التساؤلات حول أسباب استمرار بقاء مدينة عدن بعيدة عن مربعات الأمان، رغم تقسيم مربعاتها الأمنية بين أمراء وقادة الوحدات العسكرية.
خاصة وأن قوات الانتقالي تصول وتجول بكل أريحية في المدينة، بعد سبع سنوات من التحرير، وعقب أكثر من ثلاث سنوات من طرد الشرعية وقواتها من عدن!.
فما الذي يدعو لتجدد المواجهات بين الفصائل الأمنية، رغم موالاتها لكيان سياسي واحد، هو المجلس الانتقالي الجنوبي، وعدم وجود ما قد يعيق توحيد تلك القوات في إطار موحد؟.
موانع توحيد الفصائل
أبرز معضلة تواجهها الأوضاع الأمنية في مدينة عدن، تكمن في تعدد الوحدات والتشكيلات الأمنية والعسكرية، والتي تنتمي لمسميات وتصنيفات ومهام تكاد تكون متقاربة ومتشابهة.
كما أن تلك الفصائل الأمنية تخضع لقيادات عسكرية وأمنية شخصية، أكثر من خضوعها للوائح أو أنظمة أمنية وعسكرية، تنظم عملها واختصاصاتها ومهامها تجاه الناس والوطن.
وهذا الغياب للمهام واللوائح المنظمة لعمل الوحدات الأمنية في عدن، أدى إلى انحراف أهدافها التي وجدت من أجلها.
وتمثلت تلك الانحرافات في المنافسة على المصالح الشخصية، والاستحواذ والبسط على الأراضي ومسئولية حفظ الأمن في المؤسسات الإيرادية العامة، وغيرها من النزاعات التي تحكم عمل الفصائل الأمنية بعدن.
كما أن هذه النزاعات خلقت ولاءات قاصرة، ارتبطت بالقيادات الشخصية القائمة على الفصائل والوحدات الأمنية، بدلا من ولاءها للمؤسسة الأمنية أو للوطن، أو القيادات العسكرية والسياسية العليا.
وهذا السبب الرئيسي هو ما حال دون قدرة المجلس الانتقالي الجنوبي على توحيد الفصائل الأمنية الموالية له، أو التي تدعي هذا الانتماء.
وتجلت هذه المشكلة بشكل كبير في الأحداث الأخيرة، التي شهدت موالاة الجنود والمقاتلين لأحد قادة الفصائل الأمنية بكريتر، ومقاومة كيان المجلس الانتقالي وقواته.
الأمر الذي يجعل من توجهات الانتقالي في توحيد قيادة وإدارة قواته من الصعوبة بمكان، في ظل وجود ولاءات شخصية ضيقة، على حساب الولاء الوطني العام.
وهذه المعضلة متكررة وحاصلة في مختلف فصائل وقوات الانتقالي، ولا تقتصر على قوات محددة في كريتر أو الشيخ عثمان أو غيرها، من المربعات الأمنية.
ويبدو أن هذه المشكلة ستستمر في قادم الأيام، إذا لم يسع المجلس الانتقالي إلى إعادة بناء قواته على أساس وطني، وغرس الهوية الوطنية في جنوده ومقاتليه.
ما السبب؟
ويرى كثير من المراقبين أن قوات الانتقالي تشبه إلى حد كبير التركيبة المتحكمة في مفاصل الكيان السياسي الجامع لهذه القوات، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي.
وهذه التركيبة تتحكم فيها الأسس المناطقية والقروية التي توجه انضمام المقاتلين والمجندين إلى هذه الألوية والفصائل، والتي تركز على مناطق بعينها وتهمل مناطق أخرى.
ويعود الاعتماد على هذه الأسس في تشكيل الوحدات الأمنية والعسكرية إلى البحث عن ضمان الولاء للمنطقة والقرية، وربما أحيانا تتسع هذه الانتماءات لتشمل المحافظة في أحسن الأحوال.
وهو ما يجعل من الصراعات متكررة وتعود بين الفينة والأخرى، كما كانت تماما صراعات الرفاق خلال فترة حكم الدولة الجنوبية.
وهذه السياسة في تأسيس الوحدات الأمنية أثبتت أنها تجلب الكثير من الكوارث على عدن، وعلى المحافظات الجنوبية برمتها، وجعلت من دولة الجنوب في الماضي ترتمي في أحضان المجهول، واختيار تحالفات استغلت الجنوب وثرواته، ولم تحقق له أي استقرار ولم تخدمه أبدا.
إصلاح الوضع
ويعتقد مراقبون أن المجلس الانتقالي بإمكانه تدارك ما فاته، وإصلاح ما يمكن إصلاحه في قوام وهيكلة قواته الموالية له، أو التي تدعي ذلك.
وذلك من خلال وجود نية حسنة للاعتماد على أسس أخرى مختلفة تماما عن أسس المناطقية والولاء الشخصي الذي يحكم الفصائل والوحدات الأمنية اليوم.
وتقوم هذه الأسس- بحسب اقتراحات المراقبين- بالاعتماد على تعدد انتماءات القادة العسكريين، وشموليتهم لكافة مناطق المحافظات الجنوبية، وعدم اقتصار القادة الأمنيين والعسكريين على مناطق معينة وتجاهل مناطق أخرى.
بالإضافة إلى إعادة تدريب وتأهيل الجنود على الهوية العسكرية الجامعة، وليس هوية المنطقة أو القرية أو القائد العسكري الفلاني.
من خلال، هذا يمكن للانتقالي تجاوز الإشكاليات المتكررة التي تتسبب بها القوات الأمنية والعسكرية الموالية له.
موقف المجتمع الدولي
في حين يردد كثير من المحللين والمراقبين المحسوبين على الانتقالي وعلى القضية الجنوبية عموما أن المجلس والقضية الجنوبية كلها تتعرض لكثير من المؤامرات لإجهاضهما.. يشاهد العالم ما يحدث في عدن، ولا يبدو أن ما يجري هنا يعجبه، لهذا فهو يدعو دوما للإسراع في تنفيذ اتفاق الرياض.
وهذا ما انعكس على زيارة المبعوث الأممي الأخيرة إلى عدن، التي غادرها أمس، ومطالبه التي كشفتها تصريحاته بضرورة استكمال تنفيذ اتفاق الرياض.
وكما يعلم الجميع فإن اتفاق الرياض يشمل هيكلة قوات الانتقالي، ودمجها بمؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، وإخراجها من المدن، وهي بنود ظلت حبرا على ورق منذ توقيع الاتفاق في نوفمبر/تشرين ثاني 2019.
ولعل إخراج القوات المسلحة من مدينة عدن فيه من الضمانات الكثير لتجنيب المدينة مزيدا من الصراعات والمواجهات، والنزاع على مؤسسات الدولة الإيرادية والأراضي والمكاسب المالية.