آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-03:24م

من هنا وهناك


الظرف الابيض

الأربعاء - 06 أكتوبر 2021 - 02:01 م بتوقيت عدن

الظرف الابيض

((عدن الغد)): يحيى العابد


في زاوية غرفة بيتها المتهالك على ضوء بقايا شمعة تكاد تنطفي ساكنة شاردة الذهن تنهمر الدموع من عينيها وهي تغمس خبز يابس بالماء لتطعم اطفالها الثلاثة الذين ابكاهم الجوع، تصحو وهي تفكر وتنام على نفس الحال كل همها كيف تطعم اطفالها وكل حالها مرتب لم تجده  لزوجها الذي ذهب مرغماً ليقاتل ولا تعلم عن امره شي ، ما كادت تضع راسها على وسادتها لتلملم همومها حتى طرق بابها عاقل الحاره!
*من في الباب!
- انا حمود العاقل يا ام ناجي .
*ايش تشتي ياعاقل هذي الساعه!
- اشتي تستلمي هذا الظرف.
انفرجت اساريرها..  ظرف يعني رساله وممكن فلوس واخذت بها الافكار وفتحت الباب ومدت يدها لتستلم الظرف شاكرة اهتمام العاقل وذهبت بقرب الشمعة لتفتحه وكلها امل وما ان شاهدت ما بداخله حتى صعقت 
واطلقت صرخة من اعماقها فيها الوجع والانين والقهر والخوف .. صرخة ايقظت اطفالها الذي شاهدوها تبكي فاتجهوا اليها يشاركونها البكاء الذي اصبح من اساسيات حياتهم ..
مرت عليها ذكريات كثيره ومع كل ذكرى تنتحب احياناً وتتمتم بالدعاء على من اسمته (الكاهن) احيان اخرى.
ذكريات بيعها للكثير من اثاث منزلها لتداوي طفلها المريض او تفرح صغارها في عيد او تشتري سلة غذائية تقسطها لاشهر لتغذية صغارها 
تذكرت ان لزوجها راتب لا يأتي وفاتورة كهرباء تتراكم بلا ضؤء وفاتورة ماء منقطع وتشرب من سبيل لفاعل خير في الحاره واكثر من عام واطفالها بلا دراسه وانبوبة غاز خاويه ومخزن تسكنه فيران تعاني الجوع كحال سكان البيت.
وضعت الظرف تحت مخدة رأسها وذهبت في نوم طويل تخللته كوابيس الجوع والمرض والموت ..
البؤس يلاحقها في صحوها ومنامها واستيقظت على طرقات خافته على بابها!
* من في الباب !
- انا جارتكم منال ،، افتحي.
فتحت الباب ودخلت جارتها تحمل كيس كبير فيه مواد غذائيه وقالت ارسلها اخي من الغربه نذر لجيرانه سلة غذائيه هديه بعد ان وهبه الله مولوده البكر بعد سنين من الانتظار .
عادت الابتسامة شيئاً فشيئأ الى وجه الام وشكرت جارتها التي غادرت ثم اتجهت لتنبش محتويات السله وكان كل مافيها رائع ولكنه يحتاج غاز وخبز ومن اين لها ذلك!! عادت تتلمس تحت مخدتها لتشاهد كم من فتات المال بقي معها فوقعت يدها على الظرف واكفهر وجهها من جديد
استيقظ ابنها ناجي ليشاهد امه عابسه كعادتها من هم الدنيا تذكر حين شاهدها ذات يوم وهي تنبش في القمامة على بقايا طعام لهم ودارت به الارض ولم يحدثها عن ذلك حتى لايجرحها خاصة وهو من تشكي لها حالها ..
اقترب ناجي ذو الاثنى عشر شتاءً باتجاه امه وقال لها:
* هيا مالنا اليوم!
ولاشي معانا سله غذائيه ومابش خبز ولا غاز.
* بسيطه ،، نسير للدكان نبيع حبتين فول وندي خبز .
والغاز
*عاقل الحاره موجود.
نظرت الى الظرف وقالت عاقل الحاره ما بيعطيك غاز بقيمته الا بعدما تعبي هذا الظرف زلط دعم للنبي وترده له،، 
عاقل الحاره لن يسمع كلامك الا بالظرف ماشي انت مع العطوان وخاين لوطنك وستدخل القايمه السوداء ومش بعيد يجو يسحبوك تقاتل معهم في الجبهه كبقية الاطفال وما عاد معي الا انت واخوتك بعد ذهاب ابوك الى المجهول ..
اطلقت زفرة كبيره واضافت وكل هذا ومابش معانا حق الغاز ولو فرحنا بالسله نغصوا علينا بالظرف
لم تجد ام ناجي حل غير بيع سلة الغذاء ووضع قيمتها في الظرف وارساله لعاقل الحاره لتحافظ على بيتها واطفالها وضمان ادراج اسم ابنها في قوائم انابيب غاز ما زالت تبحث عن قيمتها حتى اليوم ..