آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-11:56م

ملفات وتحقيقات


تقرير سياسي في الصحيفة الورقية ليومنا هذا.. لماذا يستميت الحوثي للظفر بمأرب؟

الثلاثاء - 05 أكتوبر 2021 - 08:33 ص بتوقيت عدن

تقرير سياسي في الصحيفة الورقية ليومنا هذا.. لماذا يستميت الحوثي للظفر بمأرب؟

(عدن الغد) خاص:

تقرير يتناول أسباب محاولات مليشيات الحوثي السيطرة على مأرب..

إذا سقطت مأرب.. هل سيسيطر الحوثيون تلقائيا ودون مقاومة على جنوب وشرق اليمن؟

كيف يمكن أن يمثل سقوط مأرب سقوطا للشرعية ومشروع التحالف العربي؟

هل هناك مؤامرة لإخراج السعودية من المشهد اليمني عبر إسقاط مناطق نفوذها؟

لماذا لا تتحرك الجبهات الأخرى لمساندة مأرب؟

السقوط السهل لمديريات شبوة.. هل يوحي بقدرة الحوثي على السيطرة على أي منطقة يريدها؟

لماذا باتت الشرعية والتحالف في موقف الدفاع بعد سنوات من الهجوم؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

تبدو محاولات الحوثيين السيطرة على مدينة مأرب (شمال اليمن) مستميتةً ومتواصلة، في اجتهاد واضح للمتمردين للظفر بالمعقل الأخير للحكومة الشرعية في شمال البلاد.

ويدرك الانقلابيون الحوثيون ما تمثله مأرب من قيمة سياسية وعسكرية كبيرة، في ميزان الحرب الدائرة منذ سبع سنوات.

لهذا فهم يستميتون للحصول عليها، ويرمون على أسوارها بالآلاف من عناصر المليشيات ممن يلقون مصارعهم على حصونها، دون أي اهتمام للمجازر والمذابح التي يساقون إليها.

فمأرب ليست مجرد المعقل الرئيسي للحكومة الشرعية في اليمن عموما، والمعقل الوحيد في شمال البلاد، ولكنها تمثل أيضا رمزية كبيرة لمقاومة المليشيات.

فهذه المحافظة التي وصفت لسنوات طويلة بأنها منبع القبيلة ومركزها المقاوم للدولة، باتت اليوم رأس حربة الجمهورية ورمزيتها التي تقاوم مشروع الإمامية والملكية السلالية التي يروج لها الحوثيون.

كما أن مأرب صارت اليوم الممثل الأكبر للدولة اليمنية في مواجهة مشروع المليشيات، وبقايا الحلم المتوارث من الزمن الرافض للكهنوتية.

بالإضافة إلى كونها ممثلا جامعا لليمن الذي يحتضن كل انتماءات وولاءات اليمنيين، الذي مزقت رؤاهم وأفكارهم السياسة والحزبية، واجتمعوا على مشروع دعم الوحدة والجمهورية والدولة المدنية.

ولا يمكن ايضا إغفال الأهمية الاقتصادية التي تحملها هذه المنطقة من اليمن، الغنية بالنفط والغاز، وما تمتلكه من قدرات اقتصادية أخرى، لا تقل أهمية عما سبق.

كل تلك القيم والرمزيات والدلالات، يسعى الحوثيون لإسقاطها والتخلص منها، وليس إسقاط فقط مأرب بأرضها وصحاريها ووديانها وجبالها.

لهذا فإن المليشيات تجتهد وتستميت للفوز بمأرب والظفر بها، بالإضافة إلى الاستفادة من مثل هذا المكسب العسكري سياسيا عند البدء بالتسوية الشاملة للأزمة اليمنية.

فعندها، يمكن للمليشيات أن تجلس على طاولة المفاوضات والحوار، وهي تمتلك اليد الطولى والمكاسب العسكرية الكبرى لفرض رؤيتها السياسية من نافذة الطرف الأقوى.

انخراط العقد

تلك الدلالات الكبيرة التي تمثلها مأرب، والتي يدركها الحوثيون، تجعل من سقوط المدينة في أيدي المليشيات منعطفا عسكريا وخطيرا لمسار الحرب في اليمن.

ذلك أن كثيرا من المراقبين يتوقعون تأثيرا كبيرا لسقوط مأرب- في حال سقوطها- على بقية المناطق والمحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.

وبنظرة جغرافية، قد تبدو هذه التوقعات ممكنة التحقق، كما أنها قابلة للحدوث أيضا نتيجة أسباب وعوامل معنوية، عطفا على ما تمثله مأرب سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

كل تلك العوامل "الجغرافية والمعنوية" قد تدفع نحو "انخراط العقد" وتهاوي بقية قلاع ومعاقل الحكومة الشرعية في بقية المحافظات الواحدة تلو الأخرى.

فمأرب في حال سقوطها، بأيدي المتمردين الحوثيين فإنها ستكون منطلقا للقفز نحو محافظات مجاورة لها وقريبة منها ذات أهمية كبرى وربما لا تقل أهمية عن مأرب.

فهناك وادي حضرموت وصحراءها المجاورة لمأرب، التي تحتضن آبار وحقول النفط وجبال الذهب ومناجم المعادن.

ومن حضرموت، والتي قد لا يكتفي الحوثيون بها، يمكن لهم الانطلاق صوب محافظة المهرة في أقصى شرق اليمن، خاصة مع وجود مبرر تواجد القوات الأجنبية والسعودية بالمحافظة.

وهناك محافظة شبوة المتاخمة، الغنية بالغاز والثروات الأخرى، والتي دخلتها قوات المليشيات بالفعل مؤخرا، من خلال استيلائها ثلاث مديريات غرب شبوة.

بالإضافة إلى أطماع الحوثيين في أبين، والتي لم ينفكوا من تهديدها من على تلة ثرة، وتخوم مديرية لودر، انطلاقا من مواقعهم في محافظة البيضاء.

هذه المخاطر جميعها، والتهديدات المتربصة بأكثر من أربع محافظات في جنوب وشرق اليمن، تترتب على سقوط مأرب الذي يستميت الحوثيون من أجله، ويدفعون الكثير في سبيله، غير آبهين بفاتورة الحصول على مأرب.

سقوط التحالف

يرى مراقبون أن احتمالات سقوط مأرب، لا تعني فقط سقوط الحكومة الشرعية، كون المدينة المعقل الرئيسي لها، وآخر قلاعها وتحصيناتها في الشمال.

ولكن هذا السقوط له أبعاد عربية وإقليمية كبيرة، ولا تقتصر تأثيراته على النطاق المحلي.

فبحكم الاهتمام السعودي والتحالف العربي بمدينة مأرب كمعقل حكومي يمني متاخم للحدود السعودية، فإن المدينة تعني الكثير بالنسبة للتحالف.

وذلك على المستوى العسكري والسياسي، والبعد الأمني بالنسبة للأراضي السعودية كذلك.

وليس ثمة أي مبالغة إذا قيل إن سقوط مأرب سيمثل سقوطا لمشروع التحالف العربي في اليمن، وانتصارا للمشروع الفارسي الإيراني التوسعي في المنطقة العربية.

وهو ما دفع كثيرا من المراقبين السياسيين للتأكيد على أن "مأرب تدافع عن العروبة" وليس فقط عن اليمن والجمهورية والدولة، أو عن الحكومة الشرعية وحسب.

فيما رأى آخرون أن أي اهتزاز لصمود جبهة مأرب ما هو إلا فشل ذريع للتحالف العربي بقيادة السعودية، الذي لم ينجح بكافة قواته وإمكانياته الجوية في إيقاف هذه المخاطر والتهديدات الحوثية على مأرب.

وبغض النظر عن تلميحات بعض المحللين الذين أشاروا إلى وجود "مؤامرة" بحق المملكة العربية السعودية، تشترك فيها أطراف دولية وإقليمية؛ ضد التواجد السعودي في اليمن.

وبحسب المحللين فإن هذه المؤامرة تهدف إلى إسقاط مناطق نفوذ الرياض الموالية لها في الداخل اليمني، كما تهدف إلى إخراج السعودية من المشهد اليمني.

غير أن مخاطر سقوط مأرب في قبضة المليشيات الحوثية ومن ورائها إيران؛ لا تقف عند مستوى الإضرار بالسعودية فقط.

فسيطرة الحوثيين على مأرب، تعني سقوط اليمن برمتها بأيدي المشروع الفارسي، وبالتالي تهديد متواصل لاستقرار المنطقة والعالم، ربما لعقود طويلة من السنين، لن تهنأ فيه دول المنطقة جميعها- وليس فقط السعودية- بأي استقرار.

الهجوم خير وسيلة للدفاع

قد يشير التحرك المتسارع والتمدد غير المسبوق لقوات مليشيات الحوثي في مناطق مختلف من حريب بمأرب، ومديريات غرب شبوة، بأن المتمردين سيطروا على تلك المناطق بكل يسر وسهولة.

قد يكون هذا الأمر صحيحا للوهلة الأولى، غير أن العملية لا تخلو من تنسيق حوثي مع قوى إقليمية ودولية للإيقاع بالسعودية، وإظهارها بمظهر العاجز، وتقليل أهمية الحكومة الشرعية في المشهد السياسي والعسكري اليمني.

كل ذلك يصب في اتجاه التمهيد للتسوية السياسية التي تجرى طباختها على نيران هادئة.

غير أن السيطرة الحوثية على مناطق الشرعية، وبشكل متسارع، تؤكد أن ثمة مشروعا يتم إعداده بمعية أطراف خارجية، كما أنها ليست بالضرورة دلالة على تعاظم قدرة الحوثيين العسكرية أو امتلاكهم قوى خارقة.

فالأمر يعود أيضا إلى انقسام داخلي في القوى المناهضة للمليشيات المتمردة، والتي انشغلت في خلافاتها عن مواجهة العدو المشترك.

وتحولت بسببها قوات التحالف العربي والقوى الموالية له، بما فيها القوات الحكومية من حالة الهجوم التي كانت عليها في أواخر 2015، وبدايات 2016، وحتى أواخر 2018، إلى حالة الدفاع.

فبقيت الجبهات منذ أواخر 2018 في مرحلة سبات كامل، باستثناء بعض المناوشات هنا أو هناك لا تحقق أي تقدم، بينما يتقدم الحوثيون ويهاجمون في كل جبهاتهم غرب مأرب وشبوة، وشمال أبين.

مراقبون عسكريون يعتقدون أن تحريك القوات الحكومية والمقاومة جبهات القتال ومناطق التماس في الساحل الغربي، وتعز، والضالع، وشمال أبين، وعلى تخوم يافع، وشمالي لحج في جبهات كرش والراهدة، وجنوب الجوف، وفي شمالي حجة وصعدة، وفي نفس الوقت يمكن أن يغير مسار الحرب.

كما أن مثل هذا الإجراء يمكن له أن يُبطئ هجمات المتمردين الحوثيين المتسارعة ضد مأرب، ويكبح جماحها تماما، ويشغلهم عنها.

وربما قد تكون جبهة الساحل الغربي والهجوم على مدينة الحديدة هي أهم الجبهات التي قد ينتج عن تحريكها تراجع كبير في هجمات المليشيات على مأرب.

غير أن القوات الحكومية والقوات المشتركة هناك محكومة باتفاق ستوكهولم، الذي قيّد تحركات السيطرة على الحديدة ومجابهة الحوثيين، الذين أمنوا ظهورهم بهذا الاتفاق غرب صنعاء، وتوجهوا للهجوم شرقها.

ويعتقد مراقبون أن مساومة الحكومة باتفاق ستوكهولم مقابل إيقاف الهجمات على مأرب كفيل بتحقيق نصر سياسي وعسكري ضد الحوثيين، ذلك أن أي تحريك لجبهة الحديدة والسيطرة على المدينة سيؤدي إلى خنق المليشيات ومحاصرتها وصولا إلى صنعاء.