آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-04:45م

ملفات وتحقيقات


كيف استعمر الغراب الهندي عدن وهدد بيئتها؟!

الإثنين - 27 سبتمبر 2021 - 05:10 م بتوقيت عدن

كيف استعمر الغراب الهندي عدن وهدد بيئتها؟!

(عدن الغد) حلم اخضر:

مطلع العام 1840، ظهرت طيور الغراب الهندي في عدن جنوب اليمن، إذ جرى إدخالها بشكل متعمد، بمساعدة السفن التجارية القادمة من الهند.

فحتى أربعينيات القرن الـ 19، كانت مناطق اليمن خالية من الغربان الهندية الغازية، حيث يعود موطنها إلى شبه القارة الهندية.

بالاستناد على عدد من الدراسات العلمية، يتناول «حلم أخضر» تاريخ إدخال الغراب الهندي لمنطقة عدن، وانتقالها لمدن اليمن، والجزيرة العربية.

وكيف تكاثرت الغربان الهندية وأصبحت بالملايين، وسببت أضرار بيئية، فضلاً عن أنها نقلت أمراض الإسهالات المائية بين السكان بمدينة عدن.

 

الغراب الهندي في سطور

تؤكد دراسة (سليمان وطالب، 2011)، أن النطاق الأصلي لموطن الغراب الهندي المنزلي House Crow، يمتد في جميع أنحاء شبه القارة الهندية من سريلانكا شمالًا إلى نيبال، وغرباً إلى جنوب إيران، وشرقًا إلى اليونان.

ومنذ منتصف القرن 19، انتشرت مساكن الغربان في معظم أجزاء المحيط الهندي، بما في ذلك شبه الجزيرة العربية وشرق وجنوب إفريقيا، وأجزاء من جنوب آسيا. وقد تم انتقال الكثير منها بمساعدة السفن القادمة من شبة القارة الهندية.

تفيد المعلومات، أن الغراب الهندي لديه قدرة على فهم نوايا الناس من حوله، ووبمقدوره معرفة من الذي سيهاجمه؛ ولديه قدرة على التكيف السريع في موطنه الجديد، وهو يمتاز بالجرأة والذكاء الحاد والشجاعة.

بمقدور الغربان التعرف على الأشخاص، بمجرد مشاهدتهم. فقد استطاعت الانتقال من موطنها الأصلي الهند وسيلان، لمناطق شبة الجزيرة العربية: عدن، جدة، وعمان.

ووفقاً للمعلومات، يُعرف الغراب بقدرته على التكاثر السريع. تضع الأنثى حوالي 2-5 بيضات، وتبلغ فترة الحضانة للبيض من 16 – 17 يوماً فقط، وتبلغ الفراخ سن الطيران وعمرها حوالي 21 -28 يوماً.

 

ادخال الغربان الهندية الى عدن

حتى مطلع القرن 19، كانت منطقة عدن خالية من طيور الغراب الهندي. وهي تصنف من أهم مناطق تواجد الطيور المائية والبرية المستوطنة والمقيمة والمهاجرة.

إذ تشكل محميات أراضي عدن الرطبة بيئة جاذبة لتعشيش الطيور المهاجرة، ومحطة هامة لتنقلاتها ايضاً.

وطبقاً لإحدى الدراسات، فإن أول دخول للغراب الهندي إلى منطقة شبه الجزيرة العربية، بدأ في منطقة عدن. حيث تم إدخال أزواج من الغربان بشكل متعمد من قبل السكان الهنود.

وفي مطلع العام 1840، قام بعض أبناء الجالية الهندية العاملين في مستعمرة عدن -ابان فترة الاستعمار البريطاني-، بجلب أزواج من طيور الغراب الهندي على متن سفينة قدمت من الهند الى عدن.

وتذكر أحدى المصادر، أنه تم إطلاق سراح تلك الغربان في عدن، من قبل ضابط مشاة وصل من بومباي، في أربعينيات القرن الـ19.

ووفقاً لـ بارنز Barnes، يعتقد على نطاق محلي واسع أن مهاجري جماعة البارسي Parsee (جماعة دينية عرقية)، قاموا بجلب الغربان من شبة القارة الهندية إلى عدن في مناسبات عديدة، وأطلقوا سراحها وانتشرت في عدن. (Ash, 1984).

وتشير مقالة كولين رايال، أن الغربان في عدن، لا تكمن في كونها تسببت في انشاء أول مستوطنة للغراب الهندي في المنطقة فحسب.

بل تكمن أيضاً، في أن مستعمرة الغراب الضخمة التي تطورت لاحقاً في الميناء الدولي (ميناء عدن)، قد عملت لفترة طويلة كمصدر رئيس لانتشار الغربان الهندية عبر السفن على النطاق الإقليمي والعالمي.

وقد تضخم هذا الانتشار في مناسبات عديدة، من خلال وصول الغربان الهندية على متن سفن قادمة مباشرة من الموانئ الهندية والباكستانية، إلى موانئ في الخليج وأماكن أخرى، ولكن من المستحيل تقييم الأهمية النسبية لهذين المصدرين.

وفي الداخل اليمني، انتشرت الغربان إلى المدن الساحلية. بعد ان تسللت بمجموعات عبر سفن البضائع من عدن الى مدينة الحديدة.

وانتقلت شرقاً إلى عمُان، وشمالاً على طول ساحل البحر الأحمر إلى مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، ومناطق أخرى.

 

عدن 1955: 100 ألف غراب

منذ ذلك التاريخ، أصبح طائر الغراب الهندي المنزلي، مقيم بشكل شائع ومتزايد في العديد من المدن والبلدات على طول السواحل اليمنية، وخليج عمان والخليج العربي.

وانتقل الغراب على طول الساحل العربي الجنوبي. وكذلك على طول ساحل البحر الأحمر: من باب المندب إلى خليج العقبة. (Ryall 2010)

وصلت الغربان لكل المناطق الساحلية القريبة من عدن، وأشارت احدى التقديرات الى أن عددها بلغ منتصف خمسينيات القرن الماضي أكثر من 100 ألف غراب في منطقة عدن.

وقد تطلب الأمر فعل شيء من أجل إبعاد الآفات. لكن الجهود لم تكن قادرة على صنع شيء يذكر.

بحلول الستينيات، كانت الغربان أكثر انتشاراً وتكاثراً في مناطق ومدن الجنوب، ووصل تأثير أعدادها إلى التسبب بعدد من الآفات المقلقة للسكان في محافظات: عدن، لحج، أبين.

 

في 1984: 250 ألف غراب

تشير مقالة، إلى أنه في ثمانينيات العقد الفائت، حاول برنامج محلي لمكافحة الغربان في عدن، تخفيف جزء من الضرر، لكن هذا البرنامج فشل في النهاية.

ولم يتمكن البرنامج من إبادة الغربان التي قـّدر عددها (آنذاك) بحوالي 250.000 ألف طائر من طيور الغراب.

وفي العام 1989، وجد الباحث مايك جينينغز، أن طيور الغراب الهندي، قد انتشرت بكثرة بمحافظة لحج الواقعة على بعد 40 كيلومتراً من ميناء عدن، ولا يزال انتشارها هذا يمثل أحد أكثر التجمعات السكانية الداخلية في شبه الجزيرة العربية.

وبحسب أحد المصادر، قدرّت أعداد الغربان الهندية المنتشرة في اليمن في مطلع العقد الأول من القرن الـ21، بنحو 350.000 ألف زوج من الغربان.

وعلى الرغم من ذلك، لم يكن لهذه الغربان تأثير واضح على إجمالي عدد السكان.  (Ryall, 2010 (Colin.

 

الارصاد: 2 مليون غراب في عدن

في العام 2007، أفادت تقديرات الهيئة العامة للطيران المدني والارصاد، إلى أن أعداد الغربان الهندية في محافظة عدن، تزايدت بشكل كبير طيلة 30 سنة ماضية.

وبحسب هيئة الطيران، وصلت أعداد الغربان إلى نحو 2 مليون غراب، وأصبحت تشكل تهديداً للتنوع الحيوي لبيئة الأراضي الرطبة في عدن، وتحولت إلى كارثة حقيقية.

وفي العام 2009، أطلقت الهيئة العامة لحماية البيئة في عدن، حملة لمكافحة طيور الغربان، وبرغم أن الحملة لم تحقق الكثير من النجاح. إلا أنها تمكنت طيلة شهور من إبادة حوالي 35,000 ألف غراب. عن طريق دس السم في لحوم وأطعمة تم رميها في تجمعات الغربان.

وبحسب تقرير سابق لـ «حلم اخضر» تسلل زوج من الغربان الهندية لجزيرة سقطرى في العام 1995، من على متن سفينة بضائع قدمت من عدن.

وقد تكاثرت تلك الغربان بكثرة داخل سقطرى، وهددت بيئة الجزيرة، وقد استغرق مكافحتها 15 عاماً حتى تم القضاء عليها.

 

الغراب ينشر أمراض الإسهال في عدن

أكدت دراسة بحثية، بعنوان: “دور محتمل للغربان في انتشار أمراض الاسهال في عدن”، أنه مع ازدياد أعداد طيور الغراب الهندي بشكل كبير في محافظة عدن.

فإن هذه الطيور تلوث البيئة بإلقاء مخلفاتها من البراز في جميع أنحاء المدينة. وهي مرتبطة بمشكلات صحية عامة مهمة.

استطاعت هذه الدراسة التحقق من إمكانية قيام الغربان بدور في انتشار أمراض الإسهال المتفشية في عدن.

ووفقاً للدراسة تم جمع 150غراباً، وتم إجراء فحص على كبدها وأمعائها بحثاً عن أنواع من البكتيريا والطفيليات.

وخلصت الدراسة إلى العثور على بعض الطفيليات مطابقة لسلالات تم عزلها سابقًا، من المرضى الذين يعانون من الإسهال في عدن.

كما تم انتشال كيسات الجيارديا اللمبلية، وبويضات Hymenolepis nanaمن الغربان. وخلصت نتيجة الدراسة إلى أن الغربان تشارك في انتشار أمراض الإسهال في عدن.

 

الغراب وعدوى انفلونزا الطيور

من الأمور التي تثير القلق بشكل خاص في أيام الإصابة بحمى غرب النيل، وأنفلونزا الطيور، هي إمكانية تسبب الغربان المنزلية كناقل للأمراض البشرية، بسبب ارتباطها الوثيق بالإنسان.

فبحسب نتائج بحث طبي، ثبت أن طيور الغربان حاملون لمسببات الأمراض المعوية البشرية المحتملة، بما في ذلك جرثومة الأمعاء: سلمونيلا Salmonellaوبكتيريا Campylobacter.

ونؤكد دراسة، أنه تم العثور على حالات عدوى من الغراب الهندي المنزلي، مصابة بفيروس أنفلونزا الطيور H5N1 في منطقة الشرق الأقصى، مما يجعل الأمر قضية صحية عامة ومهمة للغاية.

وتشير أحد المصادر، إلى خطورة براز الغراب على صحة الانسان. ونقل مسببات الأمراض التي تؤثر على الناس، وعلى الحيوانات الأليفة.

إذ إن براز الغراب الذي يلوث أسطح المنازل وشرفاتها وأرصفة المدن والسيارات، يحتوي على فطريات تنقل العدوى، تسمى كانديدا Candida،

هذه الفطريات تجعل المجتمع عرضة للإصابة بالأمراض الفطرية والفيروسية، بمجرد أن تصل عن طريق الماء أو الغذاء الملوث بها، وبالتالي الإصابة بالفطريات المعوية، وقد تسبب الوفاة للإنسان.

 

تأثير الغراب على البيئة

تشير عدد من الدراسات البيئية، أن الغراب الهندي المنزلي، من أكثر أنواع الطيور الغازية في العالم، وهو يؤثر على أكثر من 25 دولة في جميع أنحاء المحيط الهندي، وشبه الجزيرة العربية.

يرتبط الغراب ارتباطاً وثيقاً بالبشر، وهو يتسبب بعدد من التأثيرات السلبية على المجتمعات السكانية. حيث يخلق الغراب مشاكل عدة لمناطق التنوع البيولوجي الطبيعي.

بالإضافة إلى التهديدات والمخاطر التي يتسبب بها طائر الغراب على صحة الإنسان، والمجتمع، والبنية التحتية، والتنمية بشكل عام.

وتميل الغربان إلى القيام بالهجمات العدوانية على البشر، وعلى الطيور المتوطنة؛ يقوم الغراب بتلك الهجمات عند محاولته سرقة الطعام، أو الحصول عليه.

وتشمل الآثار السلبية للغراب الهندي: إتلاف المحاصيل الزراعية، وإلحاق الضرر بالماشية، وتلوث البيئة البشرية وإمدادات المياه، بالإضافة الى خطر اصطدام هذه الطيور بالطائرات.

إن طيور الغراب الهندي، كنوع اجتماعي صاخب، يُنظر إليهم على أنهم مصدر إزعاج، لا سيما اثارة الضجيج حول مساكنهم الجماعية في المناطق السكنية والسياحية.

وبحسب إحدى المراجع، تكمن خطورة الغراب الهندي على التنوع البيئي، في كونه يشكل تهديد على العديد من الطيور البرية.

حيث يصطاد الغراب الهندي، الطيور الصغيرة والعصافير، ويأكل صغارها ويلتهم البيض بعد مهاجمة أعشاشها.

ويعد الغراب الهندي من الطيور الآكلة لـ اللحوم. إذ يتغذى الغراب على كل شيء حوله، مما يجعل منه آفة زراعية تهدد المحاصيل الغذائية ويلوثها، أو يعرضها للتلف.