آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-10:00م

أخبار وتقارير


جنوب اليمن حاليا أقرب إلى شكل الدولتين.. فهل سيشهد انقسامات أخرى؟

الإثنين - 23 أغسطس 2021 - 10:32 م بتوقيت عدن

جنوب اليمن حاليا أقرب إلى شكل الدولتين.. فهل سيشهد انقسامات أخرى؟

عدن ( عدن الغد ) القسم السياسي:

تحليل سياسي للسيناريوهات المنتظرة لمستقبل ومصير جنوب اليمن خلال السنوات القادمة..

هل سيتوقف الانقسام فعليا عند دولتين أم أننا سنكون أمام كانتونات؟

ما الذي يجعل مناطق سيطرة الانتقالي أقل حظا من مناطق سيطرة الشرعية؟

ما الذي يعنيه وجود إدارات سياسية منفصلة انفصالا تاما عن بعضها؟

كيف يمكن للقوى المطالبة بالانفصال أن تواجه خطر تقسيم وتشظي الجنوب؟

هل أضرت مطالب الانفصال بالجنوب وأدت إلى تجزئته إلى كانتونات؟

من يتحمل مسئولية تقسيم الجنوب؟ 

عطفا على تاريخ اليمن القديم الذي لم يشهد دولة مركزية موحدة بشكلها البسيط والتقليدي إلا فيما ندر من تاريخه.

وعطفا على التاريخ القريب لمنطقة جنوب اليمن، الذي لم يعرف أي دولة مركزية إلا بعد نوفمبر/تشرين ثاني 1967، والتي لم تستمر سوى أقل من ربع قرن، قبل أن تتحد مع منطقة شمال اليمن.

وعطفا على ثقافة المشيخات والإمارات والسلطنات في جنوب اليمن التي بدت روائحها بالبروز مؤخرا، فإن التوقعات تشي بأن مستقبل هذه المنطقة يبدو أكثر قتامة مما هو عليه اليوم.

فالوضع الحالي للجنوب، ما بعد أغسطس/آب 2019، لا يمكن توصيفه بأفضل من التوصيف الذي وضعه القيادي الجنوبي عبدالرحمن الوالي، والذي أشار إلى حالة الدولتين.

فتوقف المجلس الانتقالي الجنوبي عقب أحداث أغسطس عند تخوم مدينة شقرة بمحافظة أبين، ترك المشهد الجنوبي منقسما ما بين منطقتين، هما أقرب للدولتين من كافة النواحي.

فليس هناك ما يشابه بعضه بعضا في الجنوب الممتد من المهرة شرقا وحتى شبوة وحدود شقرة بأبين، وبين الجنوب الممتد من مناطق قبائل الصبيحة غربا وحتى تخوم شقرة أيضا.

كل شيء يوحي بأن ثمة دولتين في هذه المنطقة من الجنوب، حتى أن الإقرار بالاختلاف وبوجود ما يشبه الدولتين، جاء على لسان قياديين في المجلس الانتقالي نفسه.

فهذا الناطق الرسمي باسم الانتقالي علي الكثيري، يتحدث عن أوضاع معيشية وخدمية مختلفة بين كلا "الدولتين"، وهو يقصد هنا بين مناطق سيطرة الشرعية اليمنية، ومناطق سيطرة المجلس الانتقالي.

هذا الاختلاف الذي أقر الكثيري بأنه لصالح مناطق الشرعية التي تعيش تحسنا وحالا أفضل من مناطق سيطرة الانتقالي بالنسبة للجوانب الخدمية، يحمل الكثير من الدلالات الضمنية.

لعل أبرز تلك المؤشرات أن الصراع مسئول عن تقسيم منطقة جنوب اليمن، من خلال "عنتريات" بعض القوى وإثارتها لصراع ومواجهات أغسطس/آب 2019، والوصول بالجنوب إلى هذه الحالة من الانقسام الجغرافي والسياسي والخدمي، وبكل تأكيد العسكري.

غير أن محللين لا يرون حدا لهذا الانقسام الحاصل في جغرافية جنوب اليمن، فهناك إمكانية واحتمالات قد تفضي إلى مزيد من التشظي والتقسيم للأرض الجنوبية، في حالة استمرار الأزمة والصراع.

الأمر الذي قد يرشح الوضع في جنوب اليمن إلى ان يعود سيرته الأولى، إلى ما قبل نوفمبر 1967، في زمن المشيخات والسلطنات المتناثرة، وهناك بوادر تشاهد اليوم توحي وتؤكد هذه الاحتمالية.

القوة وحدها لا تكفي

وفي الوقت الذي تسعى المليشيات الحوثية لفرض سيطرتها الكاملة على الشمال، ومحاولة استخلاص مناطق كمأرب والجوف والبيضاء من أيدي الشرعية، لتوحيد وتوسيع ما تحت قبضتها، تعجز القوى الجنوبية عن فعل الأمر نفسه.

وكما يؤكد مراقبون أن الحوثيون قد لا ينجحون في سعيهم هذا، نظرا لاستخدامهم أسلوب القوة الذي ينتج عنه تلقائيا ردة فعل مناهضة، فإنهم أيضا يبررون عجز القوى الجنوبية عن توحيد الجنوب باستخدام هذه القوى لخيار القوة.

فغياب الرؤية الواضحة لدى الكيانات السياسية الجنوبية في كيفية تطبيق وتنفيذ سياستها وغايتها في استعادة الدولة جعلتها تقع في شراك القوة العسكرية كخيار وحيد لفرض هدفها وتحقيقه.

ويبدو أن هذا الأسلوب هو ما جعل الكثير من الكيانات والفصائل الجنوبية ترفض دعوات الحوار الأخيرة عطفا على انتهاجه البعض منهج "الاستقواء" تجاه كافة تلك الفصائل وحتى الشخصيات الجنوبية.

كما أن اللجوء إلى القوة يذكر الجنوبيين بما اقترفته الجبهة القومية ما بعد الاستقلال من فرض رؤيتها وإلغاء كافة الكيانات المتواجدة في منطقة جنوب اليمن خلال تلك الفترة.

وهو ما أعاد اليوم دعوات السلطنات والإمارات التي بدأ ذكرها بالانتشار في وسائل الإعلام، وأحيا حلم السلاطين والأمراء الشباب لاستعادة دويلات ومشيخات أجدادهم الذين قضوا في الخارج.

لهذا فإن القوة قد يكون لها مردود عكسي قد يحيي نزعات التشظي الذي شهده جنوب اليمن قبيل الاستقلال، مقابل وجود دولة متماسكة ومتوحدة في الشمال تحت يد الإمامة خلال ذات الحقبة.

ولا يمكن إغفال أوجه الشبه في المشهدين الجنوبي والشمالي ما قبل ستة عقود، وما هو عليه اليوم.

تقسيم بسبب دعوات الانفصال

وبعيدا عن إحياء دعوات المشيخات والسلطنات التي يستبعدها البعض، رغم أنها عادت بقوة، والتي تسبب بها الصراع الحالي في جنوب اليمن إلا أن الدعوات السياسية هي الأخرى أثرت وساهمت في هذا التقسيم.

فمجرد دعوات الانفصال تسببت بنفور الكثير من المحافظات الجنوبية عنها، أو على الأقل السلطات القائمة عليها والموالية للشرعية.

وهذا ما جعل المشهد الجنوبي يعاني انفصاما وانفصالا، ما بين الشرق والغرب، كما أن هذا الوضع أسفر عن كيانات أو "كانتونات" سياسية وحتى اقتصادية وعسكرية متناقضة.

فعلى المستوى السياسي فإن المنطقة الشرقية من الجنوب توالي سياسيا وعسكريا الحكومة الشرعية، بينما الغرب الجنوبي (عدن، لحج، الضالع، وأجزاء من أبين) توالي سياسيا وعسكريا المجلس الانتقالي.

كما أن الجوانب المعيشية والاقتصادية مختلفة في المنطقتين الشرقية والغربية، وهذا دفع ناطق الانتقالي للحديث عن أوضاع أفضل في مناطق سيطرة الشرعية مقارنة بالأوضاع في مناطق سيطرة الانتقالي.

ويفسر مراقبون هذا الوضع بأنه جاء وفق نتيجتين، أولهما استخدام القوة للوصول إلى حلم استعادة الدولة الجنوبية، وثانيها دعوات الانفصال نفسها، التي رآها البعض أنها أصبحت ملوثة، حتى لو كانت عفوية وبريئة وذات أبعاد حقوقية في بداياتها، إلا أن بعض المتصدرين لها أثبتوا مدى استغلالهم لهذه القضية في تمرير مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة.

فدعوات الانفصال أتت بنتائج عكسية، بحسب محللين، هددت وحدة الصف الجنوبي، وحولته إلى دولتين بشكل عملي، وربما قد يرشح الأمر لمزيد من التشظي والانقسام.

وللأسف فإن هذا التشظي يتم في الوقت الذي تعجز فيه القوى المطالبة بالانفصال عن الحفاظ على واحدية الأرض والجغرافية الجنوبية، ومنع تحول الجنوب إلى مجرد كانتونات تنفذ سياسات الخارج.

كانتونات وجزر منفصلة

بحسب توقعات وتقارير محللين فإن وضع الدولتين في منطقة جنوب اليمن قد لا يستمر طويلا، ليس على مستوى عودة اللُحمة للجسد الجنوبي، وإنما بشكل أكثر سوءًا يتضمن تمزيقا إضافيا لهذا الجسد.

فالمناطق الجنوبية والمحافظات تمتلك مميزات تختلف أو تتشابه مع بعضها البعض.

فبينما تبقى عدن ولحج والضالع بيد المجلس الانتقالي، تبدو المهرة منفصلة تماما عن المشهد، في ظل سيطرة التحالف العربي عليها بشكل كامل، أثر حتى على تواجد الشرعية فيها، رغم وجود مقاومة أبناءها لتواجد القوات غير اليمنية فيها.

كما أن واحدية السلطة التي جمعت بين المهرة وسقطرى بدأت بالتلاشي، بعد خروج الجزيرة الواقعة في بحر العرب عن السيادة اليمنية، وفق مراقبين.

مقابل الدعوات ذات الخصوصية التي يتمسك بها الحضارم، رغم التأرجح في وضع وحال ساحلها وواديها ما بين الشرعية اليمنية وبين قوى التحالف وبعض فصائل القوى الجنوبية.

كما أن شبوة بطابعها الشرعي ومقاومتها لتواجد قوى التحالف في مناطق الساحل وجنوب المحافظة، تبدو بعيدة عن محاولات الاستقطاب نحو دعوات الانفصال.

كل هذه الكانتونات تقترب أن تتحول إلى واقع، أشبه بالجزر المنفصلة عن بعضها، نظرا لانتماءاتها السياسية وما فرضته مقومات الصراع في منطقة جنوب اليمن، خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

ورغم الاتصال الجغرافي إلا أن الاتصال المكاني بين الكانتونات الجنوبية المشار إليها بات اليوم بعيدا وغير حاضرا، مما يؤثر على مستقبل ومصير جنوب اليمن، الذي مزقته التجاذبات والصراعات.

من المسئول؟

هذا الحال المخيف من التشظي الذي يتوقع أن تغرق فيه منطقة جنوب اليمن، ليس بمنأى عن فاعلين مؤثرين ساهموا بالوصول إليه.

ولعل على قمة هؤلاء الفاعلين يأتي التحالف العربي الذي لم ينجح في رص صفوف حلفائه من الشرعية والانتقالي حتى الآن.

بينما لا يغفل آخرون مسئولية الشرعية اليمنية بسلبياتها وعجزها وعدم قدرتها على مواجهة مخططات إزاحتها والتخلص منها.

بالإضافة إلى اتهام المجلس الانتقالي بالتسبب بكل تلك الصراعات التي عصفت بالجنوب، واختياره نهج القوة لفرض أهدافه.

وأيا كان المتسبب، فلا مجال لاستمرار هذا الوضع، الذي سيؤثر على مستقبل البلاد برمتها، مما يفرض حتمية توحيد الجهود لتلافي مصير كارثي ينتظر هذه المنطقة.